مختصر مفيد الربع الأخير من الساعة
على الصعيد السياسي لم يتبقَّ شيء يمكن فعله من الجانبين الروسي والأميركي ليتمّ التوصل إلى صوغ تفاهم يضبط إيقاع التعاون بين الطرفين من موقعيهما المختلفين، لإقامة منطقة مشتركة يضمان إليها كلٌّ من جهته حلفاءه والدخول في فصل موضوعي بين محوري الحرب على الإرهاب والحل السياسي في سورية من جهة، وبين المعارضة المهيأة للمشاركة في الحل السياسي والحرب على الإرهاب ممثلاً بداعش والنصرة من جهة أخرى. فالتفاوض الذي جرى على امتداد ستة شهور بين الجانبين وصل إلى إنجاز أفضل ما يمكن إنجازه على هذا الصعيد.
على الصعيد العسكري لم يتبقَّ مجال لقدرة يمكن الزج بها في الحرب من الجانب الأميركي، على قاعدة تجنب الاشتباك المباشر مع روسيا وتحقيق هذف الحفاظ على التوازن العسكري في ميادين القتال، ولم تفعله واشنطن مباشرة أو بواسطة حلفائها، وصار على واشنطن التصرف للحفاظ على التوازن العسكري وضمان عدم حدوث انهيارات كبرى في ضفوف الجماعات المسلحة التي تدعمها وتقدمها شريكاً في الحل السياسي، أو رصيداً ميدانياً للجماعات التي تريد أن تستند إليها لضمان مصالحها في أي حل سياسي، ولم يتبقّ أمام واشنطن إلا المجازفة بخطوات تدريجية أو شاملة تهدد بسقوط سقف الامتناع عن تعريض العلاقة مع روسيا لخطر المواجهة المباشرة.
سياسياً، يشكل تراجع واشنطن عن تنفيذ التفاهم مع روسيا والبند الرئيسي فيه التعاون العسكري في الحرب على النصرة، وإتمام الفصل بين المسلحين الذين تريد واشنطن تحييدهم من لائحة أهداف الحرب، وبين جبهة النصرة، ضوءاً أخضر لمواصلة موسكو دعمها للجيش السوري في المنطقة الأشد حساسية وخطورة وأهمية في مصير الجماعات المسلحة التي يمكن أن تشكل نواة حضورها المنفصل عن النصرة، وهي الأحياء الشرقية لمدينة حلب. وثمة ألف سبب وسبب للقول إن المواجهات الدائرة هناك لن تتأخر عن تقديم وقائع متتابعة تقول إن تغييراً كبيراً في المشهد وشيك الحدوث في الميدان، وإنه سيحدث لصالح الجيش السوري، وإنه متى حدث فلن تكون ممكنة العودة به إلى الخلف.
ما لم تتحرّك واشنطن الآن عسكرياً بمجازفة الاقتراب من لحظة الاشتباك المباشر مع روسيا، عبر تزويد مسلحيها في حلب بصواريخ دفاع جوي فعالة تقيد حركة الطيران الروسي والأميركي على سبيل المثال، فلن يفيدها أي تحرك لاحق، وسيكون عليها السير في تطبيق التفاهم بلا حوافز، أو الانسحاب منه دون أن يتأسف الروس والسوريون على انسحابها، وسيتكفل الوقت الذي تنشغل خلاله أميركا بانتخاباتها، لينشغل السوريون وحلفاؤهم في مواصلة تحقيق الإنجازات في سائر مناطق سورية، وصولاً لاستحقاق الحرب على داعش، وهو استحقاق في سورية والعراق لا يمكن لأميركا أن تقف متفرجة عليه، ويفرض عليها العودة للتفاهم، أي تفاهم.
هو الربع الأخير من الساعة حيث القرارات الصعبة، لكنها القرارات الحاسمة والتي سترسم صورة الكثير مما يليها.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.