المكان والزمان مرتبطان بالشخوص الوافدة أو المهاجرة والبحث عن الهويّة مستمرّ وسط أنماط العيش
كتبت د. علياء الداية
تتنوّع مواضيع الروايات العربية المعاصرة وحوادثها وبين هذه المواضيع تنال ثنائية «الرحلة والتراث» حيزاً واسعاً من الاهتمام، إذ تكون رحلة بطل الرواية تمهيداً لاستعراض تراث المكان المرتبط بالشخوص التي تعيش فيه، وتتركز بؤرة الضوء على الشخصية الوافدة وتفاعلها مع ما حولها. ونذكر نموذجاً على ذلك كلاً من الروايات الثلاث: «سمراويت» للإرتري حجي جابر 2012 و»سجاد عجمي» للسورية شهلا العجيلي 2013 و»السنغالي» للمصري مصطفى موسى 2014 .
يتفاوت مدى الرحلة وعمقها الزمني، فهي في رواية «سجاد عجمي» تقتصر على الزمن القديم في العصر العباسي، أما رواية «السنغالي» فالزمن يتراوح فيها بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، ويُستدل على ذلك من خلال تاريخ عودة شخصية السنغالي من الحج عام 1938، في حين تتّجه رواية «سمراويت» نحو العصر الحديث، فالبطل شابٌّ يعيش في أيامنا هذه، يستخدم الهاتف الجوال ويستقلّ الطائرة مسافراً، ويكتشف تاريخ بلده وتراثه.
لدى النظر إلى عناوين الروايات الثلاث نرى أنها ـ بالترابط مع حوادث الرواية ـ تدلّ بشكلٍ ما على الآخر المختلف، وتهيّئ القارئ نحو تعرّف هذا الآخر. فالعنوان «سجّاد عجمي» جزء من الرواية، وهو السجّاد الذي كان سليمان يختصّ بنسجه في مشغله في مدينة الرّقة السورية، وأتى بهذا الفن من مدينة تبريز في بلاد فارس حيث كان يقيم مع أخواله إذ جاء بفنٍ آخر مختلف ذي نوعية وطريقة في الشغل وتفاصيل غير مألوفة سابقاً في مدينته. يتخذ سليمان من شجر الزيتون أساساً لتصويره، فالزيتون يكثر في الرقة وما حولها، ويقلّ النخل، كما أنّه يحب أن يجمع إلى صور الحيوان والطير تحت الشجرة وحولها، صورة لجسدين مبهمين، تضيع ملامحهما بين شكل الإنس أو الحيوان، ومثل تلك التصاوير تغيب تماماً عن صناعة غيره. وسوف يكون سليمان عبارةً عن «آخر» مختلف بالنسبة إلى «لبانة» التي عادت إلى الرقة بعد طول غياب.
أما عنوان رواية «السنغالي» فيمثّل الآخر الغريب الوافد إلى المجتمع المصري في القرن الماضي، ولاسيّما أن الحاج أبا اليزيد الذي سيستضيفه ويتبنّاه هو الذي يطلق عليه هذا اللقب نسبة إلى البلاد التي قدم منها، السنغال.
تشكل شخصية «سمراويت» الآخر المزدوج الذي يتعرّف إليه «عمر» في الرواية، فهي نموذج الإرتري الآخر لناحية إقامتها في فرنسا، ولناحية كونها «مسيحية» بما يختلف عن البطل «المسلم»، ولن يتضح تأثير ذلك في حياة الشخصيتين إلا مع اقتراب الرواية من نهايتها.
تتعدد الرحلات وتتداخل في كل من الروايات الثلاث، غير أنّ ثمة رحلة مركزية تتمحور حولها الحوادث، ففي «سجاد عجمي» لشهلا العجيلي تكون «لبانة» هي الوافدة العائدة إلى مدينتها الرَّقّة قادمة من بغداد على متن سفينة في نهر الفرات، فهي «امرأة كانت على سفينة قادمة من بغداد، نزلت في المرفأ، وباتت ليلة في نزل محبوبة ، ثم ظعنت فجراً مع أول قافلة إلى دير زكّا، ولا علم لنا غير ذلك بأمرها، حتى عمر ذاته لا يعرف عنها سوى ما رآه منها في تلك اللحظات العابرة». مجيء «لبانة» يغيّر علاقات شخوص الرواية من النساء والرجال، إذ يؤخذ «عمر» بجمال «لبانة»، ويترك هوى ابنة عمه «خَود»، ويشكّل ذلك مقدمة لظهور ثنائيات يرصدها امتداد الرواية، منها الجديد مثل «خود وحارثة»، و»ريّا وسعد»، و»ريحانة وحامد»، و»سليمان وديجور»، ومنها الثنائيات القديمة التي كانت قبل مجيء «لبانة»، مثل «ريّا وحسن السعدي»، و»خود وعمر»، و»محبوبة ومالك»، و»حرز» والفتاة التي أحبها.
كانت رحلة «لبانة» الأولى إلى بغداد، بلد الرجل الذي صار زوجها، ثمّ تسبّبت رحلة زوجها إلى خراسان تسببت بتركها وحيدة وقد سمعَت أخباراً عن زواجه من ابنة الوالي هناك فكانت رحلة العودة إلى الرقة المدينة المحور في الرواية. وفي الرقة تَنشأ صلةٌ بين «لبانة» و»سليمان»، غير أنها تنتهي بسبب ترصّد المرأة «ديجور» لها، فتُواصل «لبانة» حياتها بالانطلاق في رحلة أخيرة مع رجل عابر تزوّجته حين عصفت القلاقل بمدينة الرقة، وترحل معه إلى موطنه في مدينة طبرق على شاطئ المتوسط.
الرحلفة في رواية «السنغالي» لمصطفى موسى متعددة لكنها أكثر تركيزاً وذات أهداف واضحة منذ بدايتها، فالشيخ أحمد الصنهاجي يترك السنغال بأمرٍ من قبيلته هرباً من ظلم الاستعمار الفرنسي، ويستجيب للتوجيه الروحاني الذي يخصّه به شيخه التيجاني. «ابتعد عن البحر… فسيذكّرك دائماً بما تحاول إخفاءه، وابحث عن حياة جديدة في بلاد بعيدة… امشِ في الأرض الصفراء إلى أن تصل إلى شاطئ نهر لا تستطيع عبوره، في بلاد تحيطها مآذن لبيوت الله». وتشترط رحلته البُعد عن البحر والأنهار، والتقرّب من البادية والأعراب، كما تشترط أن يكون ختام الرحلة في الحج إلى مكة. هذه الرحلة تؤدّي بأحمد الصنهاجي إلى الاستقرار في قرية «بهجة» في جنوب مصر، لكن هذا المكان الجديد يؤثر في اسم «أحمد الصنهاجي» وفي شخصيته، إذ يفقد اسمه الأصلي ليكتسب لقب «السنغالي»، وتسير حياته بإيقاع بطيء، وهو راضٍ مستسلم لفكرة قدره الذي تَصَوّره له الشيخ التيجاني، إنما من دون تفاصيل، بل بالاكتفاء بالتلميح والإشارات الكامنة. فكأن الراوي يتّخذ من شخصية «السنغالي» وسيلة روائية لاستعراض علاقات الناس وطرائق حياتهم وبعضاً من أفكارهم قبل قرنٍ من الزمان.
أما رواية «سمراويت» لحجي جابر فالرحلة الأساسية فيها هي رحلة «عمر» الشاب، من مدينة جدة حيث يقيم، إلى مدينة أسمرا عاصمة بلده إرتريا. وفي هذه الرحلة يتعرّف إلى بلدَه مكاناً وزماناً وتاريخاً، فمن خلال «سعيد» يستعرض ذكريات القتال وقضايا الوطن: «عرفتُ أنه فقد ذراعه في إحدى معارك التحرير الأخيرة وأنه نتيجة لذلك لم يعد جزءاً من أي نشاط عسكري، مكتفياً بالسعي وراء رزقه عبر دكان صغير لبيع العسل. لم يخفف ذلك من رغبتي، إذ يكفي مثلاً أن يحكي كيف استطاع هو ورفاقه أن يستعيدوا إرتريا بعد أن ابتلعتها إثيوبيا ونسيها العالم». ومع الفتاة «سمراويت» يذهب «عمر» إلى مدينته ميناء «مصوَّع»، ويبحث عن أثر بيت جدّه القديم: «هل تعرف تحديداً أين يقع البيت في ختمية؟ لم يكن سعيد يدرك تماماً أني قادم لمصوع ببضع قصاصات لأسماء الأماكن، وذاكرة تخص غيري. كنت قادراً فقط على سرد العناوين دون أن يربطني شيء هنا بالتاريخ أو الجغرافيا، وحدها الحكايات المعتقة دليلي في هذه العتمة التي تسكن رأسي»، فهي رحلة مشتركة له مع «سمراويت» التي كانت لها رحلتها الخاصة قادمة من باريس إلى بلدها إرتريا ملازمةً أهلها لمدة شهرين.
تحتفي الروايات الثلاث بالتراث بنوعيه المادي والروحي، ولعلّها المادة الأوفر والأكثر عرضاً في كل من روايتي «سجاد عجمي» و»السنغالي»، إذ تتسم هاتان الروايتان بالوفاء للتراث القديم، ويتبدّى في رواية «سجاد عجمي» على صعيد اللغة أولاً من خلال الأسلوب القديم في صفحات الرواية لغةً ومفردات، وعلى صعيد مكانة المدينة الحضارية ثانياً، وأهم مظاهر رغد العيش والترف فيها. تقرّ «لبابة» بأنّ ما وجدَته في الرقة يفوق ما هو في بغداد، ففي «الرقة» نرى الصناعةَ الدقيقة للخزف وألوانه، واستخدام الحرير الممسّك والعطور: «لم تنس ريّا قبل أن تغادر حانوتها، أن تُخرج من خزانة نفائسها تحفة من أحسن ما جادت به يداها من عمل، طوال تلك السنين التي قضتها تصنع الخزف. تناولت جاماً أزرق، معرورقاً بعروق بيضاء، تسرح على جداره القصير العريض، سبعة أيائل خضراء، لفّته بقطعة من الحرير الممسّك، وانطلقت خلف الرجلين». وفي الرواية نماذج من الطعام والمآكل المركّبة التي تحتاج إلى براعة وإعداد خاص، مثل اللوزينج وشراب الورد والحليب بالقرفة ورقاق الحنطة المخبوز بالعسل والجوز، إلى جانب بعض ما تختصّ به بادية الرقة كالكمأة وجذور الشوك التي تُشوى.
بالمقارنة، تُظهر رواية «السنغالي» إكرام آل أبي اليزيد لضيفهم السنغالي ومشاركته إياهم موائد الطعام الريفي من لبن وطيور ولحوم وخبز التنور وطقوس الشاي، تمهيداً لمشاركته حياتهم تدريجياً بأمر من أبي اليزيد شيخ العائلة: «تنوّر دارنا يا سنغالي. ينهي أبو اليزيد الحديث بلقب ارتبط بالصنهاجي طيلة حياته. فيغادر الأبناء إلى الحقول. يتمّون أعمالاً اعتادوا عليها كلّ يوم من أيّام متشابهة. تنتهي وقت غروب الشمس. يرجعون إلى الدار وقد أعدّت نساؤهم المياه الساخنة والطعام الذي لا يخلو من طيور أو لحوم تجود بها حظائر البيت الكبير».
لا تخلو رواية «سمراويت» من الإشارة إلى تقاليد القهوة مثلاً، وطقوس تقديمها وتذوقها والاستزادة منها، ووعاء القهوة الذي يسمّى «الجَبَنة». وترِد أيضاً وجبة «الزّقني» التي تشتهر بها إرتريا: «إذا كنت تحب «الزقني» ستكتشف أجمل مطعم يعده، وإذا لم تكن ستغير رأيك مؤكداً بعد هذه الزيارة. كنت أعشق الوجبة الإرترية الأشهر، لكني هذه المرة كنت أود معرفة طعمها في حضور سمراويت، كيف لا وكل الأشياء المعتادة في حضرة هذا الملاك تخلع عنا اعتيادنا، لتصبح مدهشة شهية في كل مرة». كذلك المفارقة الطريفة في افتخار الإرتريين بإجادتهم إعداد البيتزا والكابوتشينو التي بقيت تقاليدها لديهم بعد رحيل الاستعمار الإيطالي. فهذه الطقوس تثير في نفس «عمر» التساؤلات والدهشة حول ماضي بلاده ومكانه الحاضر فيها.
من التراث المميز الذي يظهر في الروايات، طقوس الفرح، ففي «سمراويت» تُشاهِد أسرة «عمر» عبر شاشة الفضائية الإرترية عرضاً للرقص الشعبي تتمايل الفتيات فيه مسدلات الشعر الطويل: «على أنغام بابوراي تتراقص فتيات رشيقات بملابسهن التقليدية الملونة، لم يكن يوازي جمال الأغنية إلا هذا النوع من الرقص، فهو في مرتبة متوسطة بين حركة متخشبة لا تلائم هذا اللحن المنساب، وابتذال قد يفرغ الأغنية الوطنية من وقارها». ويتفاوت موقف الأمّ الرافض لهذا الرقص استناداً إلى فهمها الديني، والجَدّة التي ترى فيه حنيناً إلى تراث بلدها القديم.
في رواية «السنغالي» تبرز تقاليد الفرح في إقامة الولائم لمناسبة زواج السنغالي وأبي اليزيد من ابنتي الشيخ أمين السماعني، وفي الزغاريد وإطلاق الأعيرة النارية، والقبقاب الذي تلبسه العروس: «تتحرك الجِمال من أمام منزل الحاجّ أمين، يحمل الجمل الأوّل العروس وأمّها، ويحمل الثاني العروس الثانية وعمّتها. يليهما جِمال تحمل القريبات، ثم جمال أخرى تحمل صناديق من خشب الجوز المحلّى بالصدف، بداخله أمتعة العروستين، «القبقاب» تنتعله العروس صغيرة السنّ ليلة الزفاف، كي تبدو أطول من غيرها، ومرآة ذات إطار نحاسي». إلى مشاركة جيرانهم النصارى في هذا الفرح، فضلاً على كونهم مشاركين لهم في العمل في الصناعة والزراعة.
تتمثّل مظاهر الزينة والترفيه عن النفس في رواية «سجاد عجمي» في ارتياد خود ولبانة وبنات الأعمام دار «سُعدى» الواشمة، واستضافة «خود» لصديقاتها وبنات أعمامها في حفلات تعزف فيها على الطنبور لتنسى ما بها من كآبة، وتحاول أن تعايش شيئاً من الفرح.
كما تَظهر الرحلة من جديد في «سجاد عجمي» بوصفها من مظاهر الترفيه في الأيام الحارّة، إذ تتوجّه النساء مع أولادهن إلى شاطئ الفرات طلباً للنسيم العليل والسباحة في الماء البارد، مع ما يشوب هذا الفرح من حزن وفجيعة حين يبتلع التيار أحد السابحين، مثلما حصل مع «قيس» ابن لبانة ذي السنوات الست.
أما في رواية «السنغالي» فيتجلّى فرحُ الرحلة في الاستعدادات المرافقة لرحلة الحج إلى مكّة، والاحتفالات المرافقة لدى عودة الحاج سالماً من رحلته، مثلما كان أمر السنغالي وأهله الجدد آل أبي اليزيد.
يتراوح حضور التراث الروحاني في الروايات الثلاث بين الانسياق إلى فكرة القدر والنبوءات والسمات الدينية العامّة المرتبطة بحوادث الرواية المباشرة. ففي رواية «سجاد عجمي» لشهلا العجيلي نرى الجانب الروحي الفردي متمثلاً في العرّاف الذي يوصي «خود» بأن تتبع سبيل حياتها بعيداً عن «عمر»، لأنها ستكمل طريق حياتها مع غريب جديد. أما الجانب الديني الاجتماعي فيتمثّل في الخلافات التي تنشب بين طرفين: القائد «سعد» وجنوده من جهة، وأهالي الرقة من جهة أخرى. «سعد» يرغب في تنفيذ أوامر الوالي في الحصول على «مصحف فاطمة» وإبعاده عن المدينة خشية صراع مذهبي بين المسلمين، غير أنّ الصراع يبدأ ولا ينتهي، وتتشتّت معه شخوص الرواية وأهواؤها ومصائرها. وتظهر إحدى الخصائص الدينية في كنيسة دير زكّا، على صعيد فردي، حيث تَشهد لبانة الحزن المقيم لدى الراهبة «أشموني»، نتيجة حبها القديم: «ليتني أستطيع أن أفعل مثل اشموني، أن أهرب إلى الله كما فعلت! لكنّني أضعف من أن أفعل./ ـ لا يا ريّا، لا تلومي نفسك، هذا عندهم، ولا نقدر نحن عليه، لأنّه ليس عندنا، وليس عليك أن تفكّري في ذلك. دعي المُلك يا ريّا للمالك، وتذكّري أنْ «فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله لكم فيه خيراً كثيراً» … ». ويتمثّل الجانب الاجتماعي في كون الدير مفتوحاً للجميع من أهل المكان في ارتياده والمكوث فيه.
يستحوذ الجانب الروحاني في شكله الاجتماعي على رواية «سمراويت» لحجي جابر، فأهل بطل الرواية «عمر» سكنوا مدينة «جدّة»، وتلقّوا القيم والتوجُّهات الدينية الموجودة فيها، وتأثّروا بها على نحو متفاوت، أقلُّهم تأثراً هو جدّته، تليها والدته، وقد مرّ البطل «عمر» في مراهقته بفترة من المغالاة في التدين عدل عنها في ما بعد.
أما الطرف الآخر، أي الفتاة «سمراويت» التي يلتقيها «عمر» في إرتريا، فهي مسيحية الدين، ومع أن «عمر» يتذكر خاله الذي لم يتزوج من حبيبته «زوديتو» المسيحية، فإنّ تأثير هذا الاختلاف الديني لم يظهر إلاّ في نهاية الرواية حين يرفض أهل «سمراويت» زواجها من «عمر».
أما في رواية «السنغالي» لمصطفى موسى، فيقتصر الجانب الديني الاجتماعي فيها على ارتياد السنغالي المسجد مع أهل القرية وذهابه إلى الحج وعودته منه: «يطلب السنغالي من صديقه عبدالحميد، بعد مرور عامين، أن يرافقه إلى برّ مصر، كي يرشده إلى قوافل الحجيج. لم يتمالك عبدالحميد نفسه من الضحك، عند سماعه ما يطلبه منه السنغالي، حتى وقع أرضاً، وهو لاهث الأنفاس. يخبر صديقه بأنّ ذلك ليس بالشيء الهيّن. يحمل ملابسه فيركب القطار ويذهب إلى الحجّ! الجميع يحتفل بمن سيؤدّي فريضة الحجّ. فهي تاج العبادات».
كما تظهر ملامح واضحة من تجاور الأديان في قرية «بهجة» بين المسلمين والنصارى، والتزامهم عادات اجتماعية واحدة في الفرح والعزاء وتحمّل المصائب وقبلها كانت ملامح من التفاهم والصداقة بين «أحمد الصنهاجي» وصديقه المسيحي الشاعر ليوبولد سنغور وقد ودّعه غداة التحاقه بالقافلة، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للسنغال.
الجانب الروحاني هو المحرك الأساسي للرواية، فالسنغالي «أحمد الصنهاجي» ينفّذ ما أمره به شيخه التيجاني المتصوف ويسافر ويلتزم ما أوصاه بالحفاظ عليه: صرّة الرمل من أرض وطنه، والخاتم ذا الفصّ الأحمر، والكتاب. ويتذكّر عبارته حول عدم ارتكاب خطيئة، ووجوب التكفير عن الخطأ غير المتعمّد. ولعلّ الحدث الغريب في الرواية إقدام السنغالي على قتل لولو الغجرية المشعوذة، كأنّه كان مسيّراً بقوة نحو ذلك من دون رادع، لاسيما أنه ندم أشدّ الندم، والغريب أيضاً عدم تعرّض قومها له بهدف الانتقام.
يتجلّى الجانب الروحاني كذلك لدى الشيخ عبدالحميد ابن أبي اليزيد بحضوره حلقات الإنشاد في القاهرة، وسماعه من الشيخ ما سيكون من أمر عزلة السنغالي لفترة محددة. أما الشيخ أحمد الصنهاجي في بدايات رحلته من السنغال إلى مصر، فكانت إحدى كراماته حين شارك أهالي إحدى محطّات الرحلة الصلاة والدعاء، فهطل المطر وتحقق رجاؤهم بعد طول انتظار.
ارتبط الجانب الروحاني أيضاً بالماء، فبعد سنوات طويلة، في موسم الحج، علِم السنغالي من رفيق رحلته القديم أن نوى التمرات الثلاث التي زرعها في الرمل وسقاها بعضاً من حصّته من الماء، قد نبتت وتحوّلت إلى واحة وقرية تستظل بها القوافل المسافرة.
«ميدل إيست أونلاين»