جورج طربيه… عازفاً على الأوزان في «دار الندوة»
اعتدال صادق شومان
«مسكون بهاجس التقدّم وسبيل التغيير الإيجابي»، هكذ يصفه عارفوه. هو الشاعر في عشر مجموعات شعرية، تُرجم بعضها إلى الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والألمانية والبولونية والفارسية. والتي ساهمت في نشرها الهيئة الوطنية لـ«يونيسكو». وله موسوعتان٬ الأولى علمية والثانية ثقافية٬ وقد تم اختياره في مركز التوثيق الدولي الأميركي عام 1999 ليكون من أعمدته. حامل «وسام الاستحقاق اللبناني»، محاضر دوليّ، ورئيس لخمسين هيئة ثقافية. كما منحته بريطانيا «وسام النجمة الذهبية» بين عشر شخصيات في العالم.
مثّل لبنان عشرين سنة في أكبر مؤسسة تعنى بالشعر العربي، وهي «مؤسّسة البابطين للابداع الشعري»، هو المشرف على عشرات، بل مئات الرسائل والأطروحات الجامعية، ومتابع لعشرات الآلاف من الطلبة خلال مسيرته التربوية. وهو صاحب جائزة «سيف الثقافة» غير المالية التي مُنحت لكثيرين من المميّزين في مجالات عدّة. كما أنّ هناك أكثر من مئتي شخصية حازت وسامه أو درعه أو براءته التقديرية.
إنه الدكتور الشاعر جورج طربيه. وتحت عنوان «مستذكراً أعلاماً مبدعين راحلين، لبنانيين وعرباً وأجانب»، جاءت دعوة «دار الندوة» في بيروت، و«رابطة الأساتذة القدامى في الجامعة اللبنانية» و«المجمع الثقافي العربي» و«تجمّع البيوتات الثقافية في لبنان»، إلى لقاء مع الشاعر البروفسور جورج طربيه، مؤسّس ورئيس مجلس أمناء «الملتقى الثقافي للحوار اللبناني ـ العالمي». وسط حضور لافت بتنوّعه، تقدّمهم عضو الكتلة القومية في البرلمان اللبناني النائب الدكتور مروان فارس، الوزيران السابقان بشارة مرهج وإدمون رزق، النائب السابق الدكتور عمر مسيكة، العميد عبدو صعب ممثلاً قائد الجيش العماد جان قهوجي، الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي معن بشور، نقيب الفنانين جان قسيس، الأديبة نور سلمان، رئيسة «ديوان أهل القلم» الكاتبة الدكتورة سلوى الخليل الأمين، الدكتور سهيل مطر، الشاعر ميشال جحا، الدكتور توفيق بحمد، الشاعر محمد علي شمس الدين، وحشد من الأدباء والمثقفين.
واختار الشاعر طربيه نخبة من المبدعين في عالم الكلمة شعراً وأدباً، عرفهم أو شارك في تكريمهم، وهم: الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، الدكتور المغربي محمد الدناي، الناقد المصري الدكتور عزّ الدين اسماعيل، الوزير الأردنيّ الدكتور ناصر الدين الأسد، الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي، الشاعر اللبناني الدكتور محمد الأيوبي، والشاعر اللبناني سعيد عقل.
مرهج
بدايةً، كانت كلمة من «دار الندوة»، ترحيباً بضيفها جورج طربيه، ولقاها رئيس مجلس إدارة الدار الوزير السابق بشارة مرهج، وجاء فيها: جورج طربيه في شعره عبق الأرز وحضور التاريخ ونسمات تنّورين، وفي بيانه سحر الكلمة وسموّ المعنى ورجاحة العقل. إذا حكى لأسر، وإذا استعاد تألّق، وإذا وصف سكب الضياء على جداول المياه.
قصائده لوحات أنيقات، تبعث الحياة في الأغصان المتعبة، وثمرات يانعات تحاكي الربيع أن أطِلّ باكراً. وباقات زهر تتحدّى الأرض اليباب.
إذا عزف على الأوزان استجاب له الوتر، وبثّ ألحاناً لم نعهدها من قبل. آثر بعد ربّه أن يتعبّد للشعر ولبنان، كتب لبنان شعراً، فانتشى الشعر بلبنان.
نذر نفسه للمعرفة والجمال، فاستعار حبره من ندى الحقول، وشقّ البحر بحثاً عن قلم مسنون ينكسر ولا يخرج عن الخطّ المستقيم.
وتابع مرهج: صدّقني يا أخي، كلمات التكريم مهما تبحّرت في إرثك الثقافيّ، ومهما أجادت في الكشف عن دُرّك المكنون، لن تتمكّن من الإحاطة بالدائرة الخصبة التي تتوالد مع الأيام، وستعجز عن إنصاف رائد حمل رسالة الكلمة طوال عقود تنويراً وتعليماً، فما زادته السنون إلّا بحثاً، نحتاً، وإنجازاً، حتى إذا تكاثرت
عليه الآلام، طواها في صدره وتطلّع إلى القلم عنواناً للتحدّي وبلسماً للجراح.
وأضاف مرهج: فالأستاذ الذي تجواز بإنجازه قدرة الفرد، حاضر دائماً للاستجابة، وهو الصادق لا يخلف العهد. والأستاذ الذي اتّحد بالحرف صار كتاباً، لا بل موسوعة تنبض بالحياة، تتواصل مع طلاب العلم وأعلام الكلمة، فتغتني البيئة الثقافية وتتوهّج في وطن يحار أهل الحلّ والربط فيه، كيف يسلبونه خواصّه وكيف يلطّخون سمعته؟
أما الكلمة التي تعبّدت لها في هيكل المعرفة، فقد بادرت بكلّ سموّها إلى تعيينك سفيراً فوق العادة إلى البلاد العربية، لا بل إلى العالم كلّه، حيث سبقت أوراقَ اعتمادك، أفكارُك الصافية وشهرتك الأكاديمية، ومكانتك الأدبية، ومآثرك المشهودة، ذوداً عن اللغة الأمّ، باعتبارها إرثاً عزيزاً وأمانة غالية.
باطولي
وألقت الشاعرة والفنانة التشكيلية باسمة باطولي أبياتاً شعرية جاء في مطلعها:
من سوى الشعر يليق بعابد
في نجور الكلام يشبه مارد
خفوه في التراب لكن كنسر
ناطق… في مجرّة الفكر رائد
يشرد العمي في ضلالهم وهو
مدى أنجم الهداية… شارد
مثل ماء النشء يروي وحيفا كرودان
يرمي مر الصخور الروائد
إن يكن في الأجيال نحّات عقل
فليغمر الجمال ينحت ساعده
كم تع تعلى رسول شعر إلى العرب
ورجع التصفيق ما زال شاهده
حاملاً في جنانه فلذاً… تسري
قشعريرة بصخرة حاسد
صدف القول كيف بحارا
من بديع… لسيد في الأماجد!
لم أحكِ كأنّه غائب وهو
هنا بين سامع ومشاهد
وحتى احتاجت الشمس وسيطاً
ولإحداها الآن موقع قائد.
طربيه
واختُتم الاحتفال بكلمة شكر ألقاها المحتفى به، وضمّنها ومضات من شعره، ألقاها في مناسبات عدّة احتفاءً أو تأبيناً لعدد من الشخصيات بحسب ورودها البرنامج المقرّر كما ذُكِر أعلاه.
فقال في رثاء الشاعر الراحل سميح قاسم:
مهلاً، رعاك الله لا تسرع بنعشك،
لو قليلاً اِسترِح
يا قاسميّ، سِر الهوينا
كاد يسحقك الضريح
لا، ليس نعشك ما حملت
ونؤتَ دونه يا سميح
بل نعش أمجاد العروبة
نعش أمتنا الذبيح
بل نعش شمس الحق
ينزف فوق جلجلة المسيح
دعني أساعد في تنكب
خشبة الصلب العظيم
أئنّ في عتم وريح!
كفّاي، كفٌّ ساندتك
وكفكت أخرى
دمَ الجفن القريح.