هل يغامر أوباما قبل مغادرته بحرب ساخنة في سورية؟!

د. خيام الزعبي

كشفت تقارير صحافية دولية عديدة كـ»نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» وجود وثيقة وضعت في الخارجية الأميركية تحتوي على نداء لبدء القصف ضدّ الجيش السوري، وأكدت أنّ أكثر من 50 مسؤولاً في وزارة الخارجية الأميركية دعوا لتوجيه ضربة عسكرية موجعة لسورية، بل يؤكد بعضها أنّ العدّ التنازلى لهذه العملية ربما يكون قد بدأ بالفعل، ولأنّ هذا النوع من التكهّنات تكرّر كثيراً على مدى السنوات الخمس الماضية، فمن الطبيعي أن يصبح عرضة للتشكيك، ومن المعروف أنّ ردود الفعل المحتملة من جانب حلفاء سورية روسيا وإيران وحزب الله و… تشكل أحد كوابح ردع أميركا وحلفائها عن توجيه ضربة عسكرية لسورية، وجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الدخول في جبهة حرب جديدة ترهقهم مادياً ومعنوياً.

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن قرب اندلاع مواجهة عسكرية بين أميركا وروسيا فوق الأراضي السورية، وقد استند هؤلاء الى معطيات عدة أهمّها ما صدر في وسائل الإعلام الروسيّة عن إمكان حصول مثل هذه المواجهات، وما أعلنه رئيس أركان الجيش الأميركي بتهديده بإلحاق هزيمة قاسية لروسيا، بالإضافة الى إرسال القوات الروسيّة منظمّة الدفاع الجوي المتطورة «أس 300» وطرّادين حربيّين الى سورية.

في وقت سابق قرّرت واشنطن وقف التنسيق مع روسيا بشأن الأزمة السورية بعد عدة أسابيع من توقيع اتفاق بين الجانبين اعتبره كثير من المراقبين للشأن السوري خطوة مهمة على طريق إنهاء الأزمة، ولكن أميركا عادت لتؤكد من جديد أنّ الاتصالات بين الجانبين الأميركي والروسي ستستمرّ لمنع وقوع حوادث فى الأجواء السورية، لكن، وبعد التأمّل، نجد أنه من المهمّ أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ أميركا قصفت قوات سورية فى دير الزور يوم 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد 5 أيام من دخول الاتفاق الروسى الأميركي حول سورية حيّز التنفيذ، مما أسفر عن استشهاد جنود سوريين، ولكن واشنطن قالت إنّ ما حدث تمّ عن طريق الخطأ، وتغاضت دمشق وموسكو عن الحادث فى ذلك الوقت، رغم الشكوك حول مصداقية ما أعلنته واشنطن تبريراً للهجوم، ولكن تجميد هذا الاتفاق بين الطرفين مما يعزز هجمات مشابهة في المستقبل فوق الأراضي السورية، فالتساؤل الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو، هل تريد أميركا تكرار القصف الجوي للجيش السوري؟ وهل ستتصدّى لها المضادات الأرضية؟

بينما تظهر المزيد من الإشارات الدالة على أنّ واشنطن وحلفاءها يتوجّهون نحو تسديد ضربة ما الى سورية، تبرز روسيا حيث أكدت أنّ استهداف القوات السورية يعد استهدافاً لقواتها، وأضافت أنّ صواريخها المضادّة للطائرات والصواريخ لا يمكنها تمييز أماكن انطلاقها، وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان أنّ على الولايات المتحدة أن تدرس ملياً عواقب استهداف مواقع الجيش السوري»، مضيفة أنّ ضربات من هذا القبيل «ستهدّد بوضوح الجنود الروس، وأضافت على أنظمة الدفاع الجوي الروسية «اس 300» التي نشرت في سورية في الآونة الأخيرة، أنّ طواقمها لن يكون لديها الوقت الكافي لرصد مسارات الصواريخ بدقة أو من أيّ اتجاه تمّ إطلاقها.

برغم من كلّ تلك الردود التي تدقّ طبول المعركة والجلسة العاجلة المقرّر عقدها لمجلس الأمن لبحث تطوّر الأوضاع، فالواقع على الأرض والذي يقرأه المحللون الدوليون يقول إنّ احتمالية وقوع حرب واسعة النطاق بين الطرفين صعبة وأنّ كلّ طرف من الطرفين لديه العديد من الأسباب التي تمنعه من خطوة البدء في حرب واسعة ضدّ سورية وحلفائها، وأهمّ الأسباب التي تمنع أميركا وحلفاءها من الإقدام على هذه الخطوة، أنه في حال أيّ عمل عدواني من قبل أميركا ضدّ سورية سيدفع دمشق، على الأرجح، إلى القيام بردود أفعال وضرب حليف أميركا الرئيس في المنطقة وهو «إسرائيل»، ما سيؤدّي إلى كارثة حرب جديدة في المنطقة وخارجها، كما أنّ حزب الله سيدافع بكلّ قوته عن النظام السوري، ويمكن أن يصل الأمر إلى تنفيذ هجمات ضدّ «إسرائيل» وأميركا، ومن الممكن أن تسفر الحرب عن مواجهة بين القوات الأميركية والروسية هناك، بالإضافة إلى أنّ ذلك سيؤدّي إلى تدهور شديد في العلاقات بين أميركا والصين واشتعال حرب عالمية، وهذا ما لن يفعله الرئيس أوباما، فضلاً عن أن الجيش السوري لديه أسلحة متطورة قادرة على تدمير الأهداف الطافية على سطح الماء بما فيها السفن الحربية الأميركية مما يجعل خسائر القوات الأميركية يثير غضب الرأي العام في البلاد.

في النتيجة، الحجج الواهية التي ساقها أعداء سورية لتبرير عدوانهم وحربهم على سورية، ترجمت عملياً بإخفاق واضح للمحور الأميركي وأحلافه، في مقابل إثبات وصلابة وقدرة الجيش السوري على مواجهة القوى المتطرفة، والمحافظة على القيادة والسيطرة، وإخفاق واشنطن في استدراج جيوش أو استئجارها فبقيت عاجزة ووحيدة في عدوانها على سورية، فالحملة لم تحقق أيّ من أهدافها المعلنة، وإنما تمّ العكس، فالجيش السوري أحكم قبضته على مساحات واسعة من المناطق السورية التي كانت تحت قبضة داعش وأخواتها.

بكلّ بساطة هذه معادلة الصمود مقابل الإنكسار التي تكرّسها قوات الجيش السوري وحركات المقاومة في كلّ أنحاء العالم، ستحصد أميركا وأعوانها ما زرعوا، وها هي هزيمتهم بدأت، فلم تحصد أميركا من عدوانها على سورية غير الهزيمة والعار، كما خسرت سمعتها في الشرق الأوسط أكثر فأكثر، ومن هذا المنطلق يجب على واشنطن أن تتأهّب لمرحلة جديدة، فاضطراب الأوضاع في أميركا وحلفائها مسألة وقت، وانّ النار تحت الرماد، وباختصار شديد، إنّ الحرب على سورية لها آثار مدمّرة متى اشتعلت واستعرت لأنّ هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وأنّ العدوان الأميركي المباشر على سورية سيكون كارثياً على مستقبل المنطقة بأكملها.

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى