الإعلام المضادّ للدولة المصرية
بشير العدل
واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه بلادي مصر خلال السنوات الأخيرة، هي أزمة الإعلام المضادّ للدولة المصرية، والذي يريد أن يفتّ من عضد المواطنين، وينخر في جسد الدولة، حتى تتهالك قواها وتخرّ ساجدة أمام الأعداء.
فجانب الإعلام الذي يعمل ضدّ خطط الدولة، وينشر عنها الأكاذيب، ويروّج للإشاعات من خارج الحدود المصرية، والذي تمثله آلة الدعاية التابعة لجماعة الإخوان المسلحين المسلمين سابقاً وما يعاونها من آلات أخرى، يوجد الإعلام المضادّ من الداخل المصري أيضاً، وتمثله كثير من المواقع الإلكترونية والجرائد التي تتستّر برداء الأخبار والصحافة، رافعة شعار حرية الرأي والتعبير أحياناً، وحق النقد في أحيان كثيرة، في حين أنها تقدّم إعلاماً يخدم أعداء الدولة في الداخل المصري وخارجه. هذا بجانب الكتائب الالكترونية التي تمارس عداوتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكلها تهدف في النهاية إلى إحداث حالة من انكسار الإرادة وهيبة الدولة، وتأليب الرأي العام ضدّ سياساتها وخططها.
ورغم وضوح الهدف لهذا النوع من الإعلام المضادّ، غضّت الدولة، وما زالت تغضّ، الطرف عنه وتتجاهله، رغم ما يشكله من خطورة على تزييف الحقائق لدى الرأي العام، وإن كانت هناك إجراءات قانونية، من حق الدولة اتباعها، غير أنها لا تلقى اهتماماً من الدولة، التي هي بالأساس أكبر من تلك الآلة ومن يموّلها من منظمات وأفراد ودول وجماعات.
وتلك الأنواع من الإعلام المضادّ للدولة ليست خافية على الدولة أو على أجهزتها، لا من حيث المكان ولا التوجه ولا الهدف، وقد أعلنت الدولة موقفها منها بعد أن أرسلت برسائل عدة، وبطرق غير مباشرة، بأنها لن تنال من الدولة قيد أنملة.
غير أنّ الخطر الأكبر يكمن في آلة الدعاية الإعلامية التابعة للدولة، والذي يمثله اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو» الذي يتعامل الجميع وينظر إليه على أنه الجهاز الإعلامي الرسمي للدولة، الناطق باسمها، الداعم خططها، المؤيد سياساتها. وهو الجهاز الذي أثبت الواقع العملي خلال الفترة الماضية، وتحديداً منذ الإطاحة بنظام الجماعة المسلحة وإزاحتها من سدة الحكم بالثورة الشعبية في 30 حزيران/ يونيو من العام 2013، حيث استمرّت أخطاء الجهاز، واستمرّ في ممارسة إعلام أقلّ ما يوصف به بأنه «ضعيف هزيل لا يليق بالدولة المصرية»، فلا محتوى للرسالة الإعلامية يعبّر عن ثقافة وإدراك مدى خطورة الأوضاع التي تمرّ بها الدولة المصرية، ولا طبيعة التحديات التي تواجهها، ولا طبيعة الأخطار التي تحيطها من الخارج، وتفتّ في عضدها من الداخل، وتريد أن تحوّلها ساحة قتال داخلية ودولية، هذا ناهيك عن الأخطاء الفنية الكثيرة التي وقعت خلال الفترة التالية للإطاحة بحكم جماعة الإرهاب والشيطان.
ومن الملاحظ أنّ جميع الأخطاء التي تصدر عن «ماسبيرو» تظهر وبشكل واضح في الأمور المتعلقة بشكل مباشر بالقيادة السياسية، كخطأ في إذاعة حوارات الرئيس السيسي، وأخطاء أخرى منها قطع الإرسال في بعض الأحيان عن أحداث أو كلمات هامة، أو إذاعة أجزاء إضافية خارج المضمون، وغيرها من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها جهاز الإعلام الرسمي للدولة.
وإذا كانت الأخطاء الفنية، حسبما وصفها مسؤولون بالقطاع وغيره، أمراً طبيعياً في الحالات العادية، فإنها لا تكون طبيعية عندما تتعلق برمز الدولة المصرية، سواء كان ذلك الأمر في فعاليات يتابعها الإعلام الرسمي، أو في إذاعة حوارات أو كلمات أو بيانات، فهي كلمات محسوبة ولها مدلولاتها الهامة، وأيّ خطأ في أسلوب أو طريقة إيصالها للمواطنين في الداخل، أو المتلقين للرسالة في الخارج، من شأنه أن يفتح الباب للأقاويل، مما يعمل في النهاية على فتح المجال أمام الهجوم غير المبرّر على الدولة المصرية وعلى قيادتها السياسية، التي تريد أن تنهض بالدولة، وتضعها على المسار الصحيح، بعد تخلّف لسنوات، ساهمت فيه جماعة الإرهاب والشيطان في تغييب حضورها الإقليمي والدولي.
ولا تقلّ ممارسات جهاز الإعلام الرسمي خطورة عن الإعلام المضادّ للدولة، فمواجهته أمر صعب، لأنه الجهاز الممثل للدولة، والمفترض فيه أنه يعمل لصالح الدولة، ولا أقول صالح القيادة السياسية، حتى لا نفتح المجال لحديث آخر عن مطالبات بفرض الوصاية على الإعلام، وهو أمر مرفوض لدينا تماماً، غير أنّ الرسالة الرسمية يجب أن تكون قوية في مضمونها وفي محتواها وفي هدفها وفي نتائجها أيضاً.
وحينما تتعلق أخطاء الجهاز الرسمي للدولة بشخص الرئيس، فإنّ ذلك يفتح المجال للحديث عن وجود من يعمل بهذا الجهاز ويخدم الأعداء، وهو أمر يستند إليه البعض، مسترجعاً تاريخ هذا الجهاز حينما كان على رأسه وزير تابع لجماعة الإرهاب والتضليل، وسمح بوجود سيارات تابعة للتلفزيون الرسمي ببث اعتصام رابعة، الذي شكّلته الجماعة لممارسة الضغط على الدولة بعد الإطاحة بالمتهم محمد مرسي من سدة الحكم، بل وزادت خطورة الموقف أنّ سيارة التلفزيون ساعدت وسائل إعلام خارجية، ومدّتها بمادة حية للبث المباشر، في محاولة لتأليب الرأي العام ضدّ الدولة المصرية.
وكلّ ذلك يؤكد أنّ الجهاز الإعلامي الرسمي للدولة في حاجة الى تطهير سريع، ليس فقط من العناصر التي تخدم الأعداء، ولكن أيضاً من هؤلاء الذين يتسمون بالجهل الثقافي، وعدم إدراك الظروف التي تمرّ بها مصر، فجانب ضروري تطهيره من الفساد يجب تطهيره من بقايا الجهل والتخلف الثقافي.
الدولة المصرية إذن تواجه بآلة دعاية إعلامية مضادة، اشترك فيها الخارج والداخل، وهو ما يجب التنبّه إليه، ليس فقط من جانب أجهزة الدولة، ولكن أيضاً من جانب الجهات الأخرى المستقلة التي تدافع عن استقلال الصحافة وحرية الإعلام، ودعم الدولة إعلامياً، باعتبار الإعلام آلة قوية يمكن استخدامها إما لخدمة الدولة أو للتشجيع على هدمها، وقد سبق أن طالبنا في لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، وهي لجنة مستقلة، بضرورة إعادة النظر في المنظومة الإعلامية، سواء كانت التابعة للقطاع الخاص، أو حتى تلك التابعة للدولة، فكلاهما يجب أن يكون مكمّلاً للآخر، خاصة أنّ مصر تسعى جاهدة لإعادة البناء، حتى تعود لمكانتها العربية والإقليمية والدولية. وهو ما يتوجب على الإعلاميين ضرورة العمل على تبني رسالة إعلامية جيدة، بما تتطلبه من وجود النقد الهادف الذي يساعد في البناء وليس الهدم أو خدمة أعداء بلادي مصر.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة