استحالة الحلّ… أم استمالة الحرب؟

لؤي خليل

تأخذنا المراجعة لصفحات الأزمة السورية والأزقة المزدحمة التي وضعت بها الدول الكبرى معادلاتها السياسية، خصوصا الغرب وأميركا، إلى حجم التخبّط والتأزّم السياسي الذي تعيشه تلك الدول، في وجه الصمود السوري المقاوم. فالانتقال شرقاً وغرباً، من حلّ مميت إلى حلّ آخر، يشلّ حركة الدولة السورية، حسب مخططات الخليج الصهيوني، محاولة إفقاد الدولة السورية مميّزات الانتصارات التاريخية، مع الحليف الإيراني وحزب الله يجعلها اليوم أمام حلّ ما بعد التعافي والعافية الصحية، باتجاه استرجاع كامل القوة ربما بخط بياني متسارع، بعد انتصار حلب القريب. تعاف، يقارب الخطوة الى الأمام، التي تضع كلّ امة، بعد الانتصار، في الطريق الصحيح، بانتظار الخطوة القادمة. فما الذي يخافه الغرب والخليج، ما بعد نصر الرئيسين الأسد وبوتين، في حلب؟

هذه ليست أحجية تبرهن مدى التفوّق الذي يحرزه التعاون الروسي – السوري على الأرض، بل حقيقة تجعل الغرب وعملاءه، أمام جيشين متعاونين ومنظمات مقاومة، تقاتل كتفاً إلى كتف مع الجيوش المنظمة. هذه المعادلة الرهيبة التي لم يعد يتحمّلها الغرب، أو عملاؤه، تطرح السؤال إلى أين؟

هذا الجدل الوحيد الذي يؤرقهم ويجعلهم يسألون في جميع مفاوضات الحلّ مع موسكو: إلى أين يتقدّم الرئيس الأسد والرئيس بوتين، بعد كلّ نصر في الميدان السوري؟

هذا التمدّد الروسي، الذي يجوب البحار الموصولة بالأجواء ليل نهار، يشكل المعادلة غير المضمونة والبوابة التاريخية، التي كان الغرب قد أغلقها سابقاً، بوجه الإتحاد السوفياتي، منذ الحرب الباردة. وما إطفاء أنوار السفن الحربية الروسية في بحار عدة وإخماد حركة طيرانه، في أجواء عديدة، سوى حقائق تاريخية أصبحت من الماضي. لتأتي الأزمة السورية بمعادلاتها وعناصرها المهلكة للغرب وتخرج السياسة الخارجية السورية للرئيس الأسد والدولة السورية، بمعادلة البحار. ويخلق قواعد تضاهي جميع مراكز القوى الغربية وربما تحاصرها. هذا القلب العالمي والقرب الأوراسي، الذي تمثله سورية في قلب العالم، لم يكن يلحظه الغرب قبلا، هذا الخوف الذي يعيشه الغرب حالياً، هو الخروج من حقيقة الصراع على كسر الدولة والنظام في سورية، إلى صراع الوجود على القلب العالمي، في المساحة الجغرافية السورية.

فالحلّ لم يعد بوجود قصاصة ورقية، أو توقيع يسكت صوت النار هنا أو هناك، بل أصبح معادلات حربية لن تسكت إلا بميل كفة أحد الإطراف من دون رجعة. هذه التركيبة الغريبة، التي أدركتها الولايات المتحدة متأخرة والقصد هنا بهذا الحجم والبعد الاستراتيجي للدولة الروسية وهذا ما بيّنه معظم قادة الحرب الأميركيين مؤخراً، بأنّ إدارة أوباما سمحت للروس بالعودة مجدّداً الى قلب السياسة العالمية، عن طريق الأزمة السورية. فما كان ممنوعاً أصبح مباحاً وبيد المفاوض الروسي، بأنّ الاتجار بالمصالح الروسية والحلفاء لم يعد مسموحاً. وهذا ما جعل قادة الحرب الأميركيين يردّون بهذه الصفاقة السياسية على ايّ حلّ ويخرقون الاتفاقات بقصف مواقع الجيش العربي السوري، فتحاول إدارة أوباما استمالة الحرب ولو إعلامياً، لتبييض الصفحة السوداء من وجهة نظرهم، أو اللحاق ببعض ما خسروه، حسب ظنهم، بسبب البعد عن لغة الحرب. فاستمالة الحرب حاجة للحزب الديمقراطي، لإنجاز يمهّد الطريق ويعزز القائد القادم إلى البيت الأبيض. ويبيّض صورة المرشح الديمقراطي ويقلل حجم الفشل، أو العجز الأميركي، بوجه القيادة الروسية. فالهلاك الضعيف للإدارة الأميركية بوجه القطب الروسي الجديد، جعل استحالة الحلّ أكثر رجحاناً لاستمالة الحرب والسبب ضعف الإدارة الأميركية واللحاق بصفوف إرهابية خليجية، غير قادرة على إدارة شيء سوى الفوضى. وتغييب عناصر القوة في المنطقة، أظهر حقائق الفشل والنفاق الغربي، ضدّ شعوب المنطقة. وهذا ما سيظهر أكثر مع اقتراب النصر في حلب. وسيعيد رسم معادلات لتقدّم أكثر ولمفاتيح حلّ قد تحبط أيّ مخططات حرب يقوم بها مشرعو البيت الابيض، الذين يشمّرون عن سواعدهم بانتظار الرئيس الأميركي الجديد. فضعف المواجهة الفرنسية في مجلس الأمن، أظهر حجم التخبّط للحلف المساوم وقرب عناصر، كمصر وربما تلحق بها تونس واليمن وغيرهما من الدول، التي تعرّضت للتآمر الخليجي. ولن تدّخر موسكو وقتاً لبناء القواعد العسكرية المتوسطية وإخراج التهديدات الغربية وإبعادها عن حدودها، إلى العمق الإستراتيجي المتوسطي، الذي يسيطر عليه الغرب وأميركا استراتيجياً. وبذلك، فإنّ أيّ استمالة للحرب ستجعل تهديد المصالح، أو حتى الوجود العسكري الأميركي في البحر المتوسط، تحت رحمة الإزدحام الأوراسي. فاستمالة الحرب بوجه حلف روسيا وايران وسورية، ستهدّد مصالح الأميركيين في مناطق لم تكن لتقربها سابقاً ايّ معادلة، كما في الخليج وافريقيا. وهذا ما سيمهّد الطريق، عاجلاً أم آجلاً، لإبعاد طبولها، مع تحقيق الناخب أيّ أطراف الصراع الانتخابي الأميركي مكسبه، ليعيد المفاوضات للحلّ السياسي الروسي. ويحكم أبعاد الصراع ضمن أطر سياسية. ويبعد استمالة الحرب بعيداً، فالقطب الروسي حسم المعركة ولن يسمح بإبعاده مجدّداً عن قلب العالم دمشق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى