«أسد القدس» خطوات نحو القدس
بلال شرارة
بالرغم من الدماء الكثيرة التي سالت من صنعاء الى مختلف أنحاء اليمن، وعلى وقع النفير اليمني واشتعال محاور حرب العراق، وتصاعد المعارك في أحياء حلب وأريافها وعموم سورية.
وبالرغم من الأحداث السياسية العاصفة التي بلغت نقاط تصادم وخطوط تماسٍ سياسية في مجلس الأمن الدولي بين مشاريع القرارات الروسية والغربية ووصول الأمور إلى نقطة الانكسار على محور الموصل بين القرار المركزي الحكومي بتحرير المدينة عبر حشد كلّ القوى العراقية وتجميد محاولة الدخول التركي على الخط.
وبالرغم من إعادة التموضع الإقليمي الدولي في إطار رسم السياسات الآتية، وضمنها ما توحي به المشاهد السياسية والعسكرية وضمنها المناورات المشتركة الكبرى المصرية الروسية ولقاء بوتين ـ أردوغان، ومشهد الحركة السياسية في المغرب العربي على ضوء زيارة رئيس الحكومة التونسية الى الجزائر.
– 2 –
بالرغم من كلّ ذلك برز المشهد الفلسطيني كمشهد جاذب على ضوء العملية التي نفّذها المقدسي مصباح أبو صبيح قرب إحدى النقاط الأمنية مركز الشرطة في القدس المحتلة والتي أدّت الى استشهاده بعد قتله اثنين من الإسرائيليين بينهم شرطي وجرح ستة آخرين.
«أسد القدس» الذي نفّذ العملية معروف بنشاطه في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى. وهو اختار اللحظة السياسية الإقليمية المناسبة التي اعتقد فيها الجميع أنّ فلسطين باتت خارج التداول الدولي الإقليمي واكتفوا بالمشهديات التي رافقت جنازة بيريز والتقاط الصور.
أبو صبيح أو «أسد القدس» وبدلاً من أن يسلّم نفسه لإدارة سجن الرملة لقضاء محكومية أربعة أشهر في السجن اختار طريقاً آخر لحريته وحرية وطنه، وهو رغم قرارات الإبعاد «الإسرائيلية» عن الأقصى لمدة ستة أشهر، والقرار الأخير بإبعاده عن القدس لمدة شهر، وقرار منعه من السفر والطلب إليه تسليم نفسه للسجن واعتقاله خمس مرات خلال أسبوع واحد لتسليمه هذه القرارات أثبت «أسد القدس» أنه أقوى وأشدّ حنكة ومهارة من السجان «الإسرائيلي» الذي يحتلّ أنحاء فلسطين من الداخل والخارج.
– 3 –
هذه العملية جاءت في لحظة دولية إقليمية عربية حساسة تحتدم فيها المواجهات على مختلف المحاور من مجلس الأمن والجمعية العمومية الى مختلف العناوين التي تدور حولها الحروب الصغيرة لتؤكد أنّ الحرب الكبيرة والقضية المركزية تبقى فلسطين وأنّ مختلف العمليات الجوية الدولية التي ينفذها التحالف في سورية والعراق والتحالف العربي في اليمن ومعها العمليات البرية والنيات السوداء المصاحبة للحركة السياسية التي توحي بأنّ الشرق الأوسط مقبل على المزيد من التصعيد والاضطرابات هذه العمليات جاءت لتعيد الأمور إلى القضية الأساس المركزية… فلسطين وإلى نقطة المركز في رسم مختلف الدوائر: القدس.
عملية «أسد القدس» أثبتت فشل محاولات طمس القضية الفلسطينية وإحباط أماني الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
– 4 –
كذلك أثبتت العملية فشل الأمن «الإسرائيلي» في إلقاء القبض على نيات الشباب الفلسطيني في إعادة تحريك عجلة التاريخ بشكل مغاير وصادم للاعتقاد الإسرائيلي الدولي الإقليمي ومعه النظام العربي بأنّ كلّ شيء قد انتهى، وانّ العرب والعرب الفلسطينيين بشكل خاص قد استسملوا، وأنّ نظرية اشعيا في وضع الخصم أمام ثلاثية الاحتمالات: الانتحار أو الفرار أو الاستسلام هذه النظرية قد نجحت وبات حال العرب من المحيط إلى الخليج هو حالهم المشتعل المعروف وسط الحروب الصغيرة الجارية وحال الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي مخيمات الشتات كذلك معروف، وهم يعيشون في الداخل في معتقل عام كبير، كما في مشهد المناطق الفلسطينية في الضفة وفي مشهد غزة أو في معتقلات وسجون مركزية صغيرة وفي الخارج باتوا في حال من التلاشي والضياع أمام مشاهد مخيماتهم المدمّرة من الأردن الى سورية ولبنان، ولم يعُد أمامهم بالتالي إلا السفر والاندماج في المجتمعات الغربية او الاندماج التوطين في المجتمعات العربية.
عملية «أسد القدس» تقع في سياق القيامة الفلسطينية التي سجلت حضوراً شبابياً فلسطينياً نوعياً منذ عام بالتمام والكمال إلى اليوم، وتستدعي أن نعود فنؤمن ونصدّق بأنّ فلسطين ستستعيد ألقها وحضورها، وستعود لتجمع ما تفرّق منذ تفرّقت أيدي سبأ بعد انفجار سدّ مأرب إلى مجزرة صنعاء الأخيرة.