«زهر الربى» للشاعر علي محمود بكري أوراق في الحب والطبيعة «ليست للبيع»!

رؤوف قبيسي

في إحدى الأمسيات التي تنظمها جمعية «شهرياد» في مقهى «بارومتر» في رأس بيروت، وضع النادل على الطاولة التي كنت أجلس إليها كتاباَ في الشعر عنوانه «زهر الربى»، لشاعر لم أكن سمعت قبلاً، اسمه علي محمود بكري.


مرت دقائق ظننت فيها أن النادل سيعود إلي بعد حين، ليسألني إن كنت راغباً في شراء هذا الكتاب، وهو مجموعة شعر، معظمه عامي والآخر فصيح، لكن سرعان ما تبدد ظني، بعدما قرأت على غلافه الخارجي هذه السطور:

باقة حبايب فوق صفحاتو دقات قلبي وعطر ورداتو

كتابي أنا مش عارضو للبيع معقول قلب يبيع دقاتو؟!

وجدت في «زهر الربى» شعراً جزلاً. لا أعرف هذا الشاعر كي أحاسنه، ولا أحد سألني رأيي في كتابه، وليس همي ساعة أنظر في كتاب أن أُغضب المؤلف أو أرضيه. أكتب ما أراه الحق والصواب، من دون أن يعني ذلك أنني مصيب كل الوقت، أو مخطىء كل الوقت.

«زهر الربى» كتاب جميل الشكل والمضمون. أفتح الصفحة الأولى فتطالعني قصيدة في قصر الأونيسكو صيغت بشعر لا تصنع فيه ولا تكلف:

قصر الأونيسكو فاتح بوابك حتى تعانق كل أحبابك

قلبك كبير وعاطفة مليان إلفة ومحبة زهرو عتابك

صرحك منارة فكر للإنسان كل الدني بتقرا من كتابك

أهل الثقافة شاعر وفنان زرعو قصايد الحب بترابك

عا مدخلك تمثال من جبران «كتاب النبي»مزروع ع تيابك

وحجار قصرك للأدب عنوان لوحات حلوه زينو جنابك

أقلب الصفحات فتطالعني قصيدتان عن وديع الصافي فيهما كلمات من أغنيات المطرب الراحل:

قطعة سما لبنان غنيتو وجنوب صامد باركت بيتو

ع البال يا ساكن قلوب الناس يا سراج من مدة خلص زيتو

على الله تعود يا صافي زمانك الليالي سهروا عشانك

والعود غافي ع كتف موال وريشة ناطرة لمسة بنانك

يجتاز صديق للشاعر مرحلة الشباب، ويحال على التقاعد، وإذا هو ينشد:

صار سنينك أربعة وستين ولوح وراقك يا حلو تشرين

تركت الوظيفة وبيدر الإلهام وما عدت رفقة تشوف ومحبين

ضاع العمر وتكسروا الأحلام وما عاد فينا نغازل الحلوين

أول غروب الشمس صرنا ننام وعمك بومصلح طاولو التقنين

ونشفت جرار الخير من قدام وراحت علينا واتكى المسكين

الشاعر محب للقرية وما فيها من ماء وثمر وشجر وطير. لنقرأ في هذه القصيدة الجميلة التي إسمها العصفور:

يا ريت يبقى بهالدني عصفور يرفرف ع كتف الشير

صبحية يتكتك يقللك يا صباح النور بحبك أنا لا تقوص علي

اتركني محلق بالسما مسرور حامل قمح من أرض بكرية

جاعو فراخي بعد شق النور هني حياتي وضي عيني

«زهر الربى» كتاب يفيض بالجمال، يحببنا بالريف وحياة الريف. وكم كنت أوثر لو أن شاعره اقتصر في شعره على الطبيعة وقلل من شعر المديح الذي يشبه شعر المناسبات، وحذف رسائل ومقالات قيلت فيه وفي شعره. القارىء يشعر عندما يتصفح الكتاب بأن المؤلف أضاف صفحات لا علاقة لها بالشعر ليضاعف من حجم كتابه ويصبح «كتاباً بالفعل». هذا خطأ يرتكبه بعض المؤلفين، إذ يظنون أن الكتاب، أي كتاب، يجب أن يكون بعدد معين من الصفحات ليكون صالحاً النشر!

الكتاب من 200 صفحة، وكان يجمل أن يكون أقل من ذلك. لا أقصد أن ما يجب حذفه رديء، لكن جوهر الشعر في النوع لا في الكم. كثير من الشعر كتبه سعيد عقل وأحمد شوقي، لكن كم من القصائد يحفظها الناس لهذين الشاعرين؟!

لأبي القاسم الشابي قصيدته المعروفة ومطلعها « إذا الشعب يوماً أراد الحياة». قصيدة واحدة خلدت صاحبها، في حين أن شعراء كثيرين نظموا مئات القصائد، لا يحفظ الناس منها شيئاً. الشيء نفسه يقال في الشعر القديم والشعراء الأقدمين، مثل المتنبي وأبي العلاء وأبي تمام وغيرهم.

أعتقد أن على أي كاتب، أو شاعر، أن يستفتي معارفه من أهل الثقافة في كتاب يعده للنشر، ويقف على رأيهم في مسوداته، قبل أن يدفع بها إلى المطبعة. وعلى دور النشر أن تتعاون مع المؤلف في الكتاب وأن تكون مسؤولة عما ينشر.

أخيراً، آمل لو يزيدنا هذا الشاعر الحاذق من صنيعه الصافي، ولا يعتبر ما قلناه نقداً، بل «نصيحة»، مثل القصيدة في كتابه التي يقول فيها:

نصيحة زغيري بدي قدمها بكل مودة خليها بفكرك ع طول وخبيها تحت مخدي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى