وليد زيتوني
يأخذ الدور الأميركي حيزاً واسعاً من النقاش، في عملية محاربة داعش. وينطلق فعلياً من نقاط متباعدة نسبياً، استناداً إلى تجارب سابقة معطوفة على معلومات وتصريحات لمسؤولين أميركيين، ليس آخرها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، بأن الولايات المتحدة الأميركية هي من صنّعت «داعش» وأطلقته إلى هذا العالم لتنفيذ مخططها المعنون بالفوضى البنّاءة. ويستدل أصحاب وجهة النظر هذه من كون «داعش» أحد الفروع الرئيسة للقاعدة من حيث التنظيم والوظيفة والعقيدة، ومن حيث التسهيلات، إذا لم نقل الدعم الكامل، الذي قدم له من قبل الدول المتمحورة حول الولايات المتحدة، كتركيا والأردن والسعودية وقطر وإلى حد كبير «إسرائيل»، إضافة إلى بعض القوى اللبنانية. أما وجهة النظر الأخرى فتعتبر أن الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي، وهي بالتالي لا تملك رؤية واضحة للتعامل مع مارد أوجدته، وتخطّى الحدود المرسومة له، على الأقل في هذه المرحلة، ما يشكل ضرراً مباشراً على مصالحها في المنطقة.
لا شك في أن الولايات المتحدة التي تبحث عن عدو خارجي بشكل دائم لتصليب موقفها الداخلي من جهة، وتبرير حروبها الخارجية في السيطرة والهيمنة والنهب من جهة أخرى. استفادت من ظاهرة «داعش»، في حال التسليم بأن الولايات المتحدة، لم تكن بشكل مباشر وراء وجوده. فالولايات المتحدة المهزومة في العراق والمتعثرة في أفغانستان والمترددة حيال إيران وسورية والمتخوفة من روسيا والصين ودول البركس، وجدت ضالتها أو أوجدتها في سياق عملية واسعة تعيد لها بعض من زعامتها الكونية الذاهبة إلى الانحسار. وفي هذه الحالة، يصبح داعش ضرورة لا بدّ منها. فهل تقدم فعلياً على إلغاء هذه المنظمة الإرهابية وهي المستفيدة الوحيدة من وجودها؟ أم أن «داعش» أصبح في طور الاستقلال الذاتي اقتصادياً وعسكرياً وبالتالي نموه بهذا الشكل بات يشكل خطراً جدياً على الولايات المتحدة ومصالحها ومصالح حلفائها؟
لا شك أيضاً في أن «داعش» قد تخطى الحدود المرسومة له أو المقبول بها، وهو ما برر استخدام أميركا لطائراتها في ضرب «داعش» عندما اقترب من إقليم كردستان، ولكنها لم تستخدم هذا الطيران عندما حاول أن يتمدد باتجاه لبنان في عرسال، وقدمت السلاح والذخيرة المناسبة وعلى وجه السرعة إلى كردستان ولم تقدم ما يماثله إلى لبنان.
انطلاقاً مما تقدم، نطرح مجموعة من الأسئلة قد تفيدنا في تقدير الموقف الأميركي، وتعيننا على تلمس الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة ليبنى على الشيء مقتضاه.
هل الولايات المتحدة جادة في محاربة «داعش» أم أنها مناورة من مناوراتها لاستعادة ما خسرته في العراق؟
هل تريد الولايات المتحدة وعبر قرار مجلس الأمن الدولي بمحاربة «داعش» أن تجد الذريعة الكافية والغطاء الشرعي للانقضاض على سورية؟
هل تخطط الولايات المتحدة عبر تحالفها العريض وبالتنسيق مع الحلف الأطلسي لإرساء خطوط اشتباك وتماس مع روسيا وحلفائها في حرب نصف باردة حالياً، بعد إصرار روسيا التي استعادت دورها العالمي كدولة كبرى؟
هل تبحث الولايات المتحدة عن طريقة لخلط أوراق التحالفات في المنطقة بعد حرب غزة الفاشلة والتيقّن من عدم القدرة على حماية أمن «إسرائيل»، وبالتالي التفتيش عن حليف جديد يؤمّن استمرار أمن مصالحها؟
هل تعتبر الولايات المتحدة أن الفرصة سانحة الآن للمباشرة في إعادة صياغة المنطقة جغرافياً على قاعدة مشروعها التقسيمي؟
طبعاً، لكل من هذه الأسئلة معطيات ميدانية ومعلومات سياسية ودبلوماسية وخلفيات في المشاريع الأميركية السابقة والحالية.
طبعا أيضاً، المستقبل سيجيب ولكن لن ننتظر المستقبل، فالعمل على إجهاض المشاريع الأميركية، يتوقف بالدرجة الأولى على فهمنا إياها، ومن ثم العمل بشكل منهجي وجدي على دراسة الاحتمالات المتاحة أمام الأميركي والعمل على مواجهتها بشكل حاسم وسريع بالتنسيق مع قوى الممانعة كافة.
إن قتال داعش ليس قتالاً ضد عصابات إرهابية فقط بقدر ما هو قتال ضد فرض رؤية أميركية وحيدة الجانب على المنطقة والعالم.
هل سنرى قوات روسية قريباً في سورية؟ وقوات مصرية في السعودية؟ وقوات أميركية وأطلسية في العراق وتركيا والأردن؟ الأمر ليس بعيداً.
عميد ركن متقاعد