الدولة الناقصة… تحتاج سلّة

حسين حمية

قيل في السلّة الرئاسية أو سلّة عين التينة الكثير وما زال، بين مع وضدّ، وذهبت التفسيرات في اتجاهات متعاكسة ومتباينة، ومع أنّ المصطلح أيّ السلّة لغوياً لا علاقة له بهذه التفسيرات، لكن لا يُخفى بأنه تجميل لمصطلحات أخرى. وهذا التجميل ليس على معنى التحايل، إنما على معنى الاتساع، فالسّلة المذكورة هي صفقة وتفاهم وتسوية، وكلّ هذا، بنسب مختلفة.

اعتاد اللبنانيون على السلال الرئاسية، وما دعا إليه الرئيس نبيه بري لم يكن صاعقة في سماء صافية، ولم يكن سابقة، كما حاول أن يصوّر البعض، وكانت أول سلّة رئاسية بعد الاستقلال تحوي على لاءين، لا لـ «الانتداب» الفرنسي، ولا للوحدة مع سورية، مع إضافات وجوائز لتثبيت هذين اللاءين، ثم كرّت سبّحة السلال مع كلّ رئيس يصعد إلى بعبدا.

حتى الذين يرفضون السلّة، يعرفون أنّ هذا الرفض هو نظري، لا ترجمة له على أرض الواقع السياسي في بلد مثل لبنان. وهذا الرفض ليس سوى جزء من البازار على محتوى السلّة وحجمه ونوعه.

لا بل أكثر من هذا، يتساوى مؤيدو «السلة» مع من ينكرونها في مقدار احترامهم للدستور وموقع رئاسة الجمهورية، وليس مَن يرفض السلّة هو حكماً يحترم الدستور والموقع الرئاسي، والعكس صحيح أيضاً، وترويج مثل هذه المعادلات، فيه تسذيج من سذاجة لعقول الناس ووعيهم.

المشكلة ليس في السلّة أو عدمها، المشكلة في ما يتجاهله اللبنانيون، او يتغافلون عنه، وهو أن ليس في لبنان دولة مكتملة، يكفي استعراض ما يعتبر تأسيساً للكيان، لنقع على تأسيسات ناقصة أو منقوصة لا بل متناقضة، ولم تقم على إجماعات وطنية، وجعلت لبنان كياناً ودولة لا يثبتان على تعريف دائم ومستمر.

من إعلان المتصرفية، ثم إعلان دولة لبنان الكبير، وبعده ميثاق 1943 ومروراً بالطائف وصولاً إلى تحرير الجنوب وانتصار الـ 2006، نجد أنّ تعريف لبنان وتحديد هويته لم يتمّا على معايير تؤسّس لدول فعلية، إنما على توازنات سياسية ـ طائفية متغيّرة وظروف متبدّلة.

منذ الاستقلال وما قبله وإلى اليوم، كان دائماً النظام السياسي في لبنان الطوائف والمذاهب أقوى من الدستور. وهذا من عوارض الدولة الناقصة، ولا حاجة هنا لتعرية هذا الدستور وتوابعه قانون الانتخاب وقانون الأحزاب والمؤسسات الدستورية لإظهار عجزه عن تسيير الدولة وتركيب السلطة بدون تدخّل النظام السياسي الطائفي.

العجز الدستوري هو الذي استولد تدخل النظام الطائفي، فلا يعقل الحديث عن الدستور واحترامه، في حين هذا الدستور بنقصه وقصوره وغموضه والتباساته شرعن لمدة سنتين فراغاً رئاسياً وشللاً حكومياً وعطالة تشريعية، ولولا تدخّل مكوّنات النظام الطائفي حالياً واستشعارها خطورة المرحلة، لما لاحت الآن في الأفق فرصة حصول الانتخابات الرئاسية.

لبنان اليوم، في خضمّ أزمة يُقال عنها أزمة سياسية، لكن في عمقها وينابيعها هي أزمة بنيوية، وجاءت الزلازل السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة لتزيد من حدّة هذه الأزمة وتدفع بها إلى حافة الانفجار، وانتخاب رئيس بالاعتماد على الدستور وحده وبالقفز على الدور التاريخي للنظام القائم أقصد تلك السلّة لن يشكل أيّ إضافة سوى معرفة شخصية الرئيس، وبقاء الأزمة هي الحاكم الفعلي والحقيقي للبلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى