التوجّه شرقاً: من المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط مجدّداً

عامر نعيم الياس

التوجّه شرقاً، مصطلح طبع الاستراتيجية الأميركية الجديدة للأمن القومي التي نشرت في كانون الثاني من عام 2012، وحينذاك وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى جانب وزير دفاعه ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، ليعلن «أولويات الدفاع في القرن الحادي والعشرين»، والتي ورد فيها حرفياً أنّ الولايات المتحدة متّجهة نحو «إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ».

اليوم، وبعد سنتين ونصف السنة على هذا الإعلان، وقف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ديمبسي إلى جانب وزير دفاع مختلف هو تشاك هاغل، ليعلن في الثاني والعشرين من آب الماضي عودة واشنطن إلى العراق، وتحديداً إلى أربيل للدفاع عن «الأقليات»، في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما «بالسرطان» الذي يتوجّب اسئصاله. إذ بدأ هنا الحديث عن تشكيل تحالف دوليّ على «داعش» يشابه إلى حدّ كبير التحالف الدولي الذي أنشأه جورج بوش الابن عام 2001 في أفغانستان.

أصبح «داعش» العدو الأول بالنسبة إلى واشنطن، وهو ما فرض العودة إلى العراق والحديث عن ضرورة القيام بضربات جويّة تستهدف التنظيم الإرهابي في سورية. فهل تعني العودة إلى العراق وسورية وضغط أزمات المنطقة من غزّة إلى ليبيا، نهاية استراتيجية أوباما بالتوسّع نحو المحيط الهادئ؟ تلك الاستراتيجية التي تشكّل إحدى أساسيات سياسة أوباما الخارجية؟

بارتيميللي كورمون رئيس تحرير صحيفة «لوموند» بنسختها الصينية يرى أنّ مؤشراتٍ عدّة تؤكد هذا الاستنتاج وهي:

ـ عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على العمل بشكل متوازٍ في منطقتين متباعدتين. فالأحداث التي جرت في الآونة الأخيرة لم تساعد الرئيس الأميركي على المضيّ قدماً في تنفيذ استراتيجيته بالتوسّع نحو آسيا والمحيط الهادئ. سواء الصراع الناشئ في أوكرانيا وضمّ روسيا شبه جزيرة القرم وما أفرزه ذلك من تداعيات على العلاقة بين حلف الأطلسي وموسك،و والتي دخلت مرحلة حربٍ باردةٍ من نوع جديد. أو بالنسبة إلى اندفاعة «داعش» في العراق والتي قلبت الطاولة على رأس الجميع وأولّهم الإدارة الأميركية الواقعة اليوم تحت ضغط رأيها العام بعد مقتل الصحافيين الأميركيين ذبحاً على أيدي تنظيم «داعش».

ـ الموازنة العسكرية الأميركية والضغوط لوقف النزف الحاصل فيها نتيجة التمدّد الأميركي في أكثر من بقعة. هذا التمدّد الذي يستوجب التقليص من رقعته إذا أريد وضع هدف بالانتشار في مناطق أخرى. حول هذه النقطة نشرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون مقالاً لها في مجلة «فورين بوليسي» في شهر تشرين الثاني من عام 2012 بعنوان «القرن الأميركي في الباسيفيك»، جاء فيه أنّ مستقبل السياسة الأميركية في القارة الآسيوية لا في العراق وأفغانستان. وعلى واشنطن أن تكون في قلب الحدث، لكن الشرط اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجية والتوسّع شرقاً في آسيا والمحيط الهادئ، يكمن في نهاية حربَيْ العراق وأفغانستان». فهل انتهت هاتان الحربان أم أنّ واشنطن اليوم في طور إعادة إنتاج تدخّلها في العراق وربما في سورية؟

ـ صعود الصين، وعدم لحظ أيّ تعديل في شروط الشراكة مع حلفاء واشنطن في آسيا. هنا تعيد اليوم اليابان النظر في المادة التاسعة من دستورها، والمتعلقة بحجم النفوذ الأميركي في هذه الدولة.

على رغم عدم تبلور استراتيجية واضحة للتدخل الأميركي الجديد القديم في المنطقة، إلّا أنّ الرئيس الأميركي يواجه انتكاسة في أحد أجنحة سياسته الخارجية وفي استراتيجيته الدفاعية للقرن الحادي والعشرين، ويملك هامش مناورة محدوداً مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس منتصف شهر تشرين الثاني المقبل، وسط توقّعات بتعزيز الجمهوريين مراكزهم في مجلس الشيوخ.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى