طلعت العبد الله لـ«البناء»: الروائيّ لا يتقيّد برغبات الناس والأنظمة لأن قضيته الحياة والحرّية

حاوره: علي بدر الدين

منذ أن قرّر عضو اتحاد الكتّاب اللبنانيين ورئيس «جمعية المثقّفين والأدباء اللبنانيين المغتربين» الكاتب والأديب المهجري الأفريقي طلعت العبد الله أن يلملم أشلاء ذاكرته وأحلامه وتوثيقها في كتابين، الأول: «يوم من خريف العمر» صدر عام 2011 ، و«عذاب الذاكرة» تُرجِم إلى الفرنسية في 2013، ويندرجان تحت تبويب الروايات والقصص، وهو منكبّ على إخراج ما في جعبته من مخزون إبداعيّ روائيّ وقصصيّ، رافضاً أن يستسلم أو يستريح قبل أن يكتمل عقد نتاجه الأدبيّ وإيصال رسالته الهادفة إلى إضاءة دروب الغربة أمام أبناء وطنه الذين سلكوا طريق الهجرة والغربة قسراً أو طوعاً، علّه ينجح في إنعاش ذاكرتهم وأحلامهم، أو فتح كوّة في عتمة الغربة القاسية، ليواصلوا مشوار العطاء والنجاح والإبداع كلّ في مجاله، وتحقيق ما يحلمون به ويتوقون إليه.

لم يحطّ العبد الله رحالَه في المحطة الكتابية الأولى، بل تابع مسيرته الإبداعية وأطلق الحرّية لفكرة مخزونه ويراعه، هذا المخزون الذي لم ينضب. كما أطلق صفّارة انطلاق الأدب المهجري الأفريقي بزخم وإصرار بهدف إرساء مداميك هذا الأدب قبل أن يفوته قطار العمر وتذهب الأحلام والطموحات هدراً وهباءً، فأصدر كتابه الثالث بعنوان «أحلام مستعصية» في2015، وكتابه الرابع «الهجرة إلى أقصى الشرق»، وهو قيد الطبع ويصدر قبل نهاية السنة الحالية.

وإن تأخّر الكاتب العبد الله في لملمة أشلاء ذاكرته حتى خريف العمر كما يقول في مقدّمة كتابه البكر، فإنه اعتمد المَثَل القائل: «أن تأتي متأخراً أفضل من ألّا تأتي أبداً».

«البناء» التقت الأديب العبد الله، وسألته عن الأسباب التي حفّزته على كتابة الرواية والقصص في هذه المرحلة المتأخرة. فأجاب: لقد حلمت دائماً أن أكتب قصصاً ترهق مخيّلتي، قصصاً من الحياة عن الإنسان ومعاناة النفس البشرية، عن الخير والشرّ عن الحبّ والكراهية. يأتيني إلهام القصة وأنا غارق في هموم العمل، فتهرب الفكرة وتضيع القصّة، وعندما تقدّم بي العمر واستقام وضعي المادي النظيف قرّرت أن ألملم أشلاء ذاكرتي في كتاب.

هل أغنت تجربتك الاغترابية إبداعَك ولملمة أشلاء ذاكرتك التي صادرتها ظروف الغربة وهموم العمل؟

نعم، حيث يطغى العناد والإصرار والمبادرة تحقيقاً للنجاح والتفوّق بعيداً عن مراتع الطفولة والذكريات والحنين إلى الوطن والبلدة والأهل والأصدقاء. وتجربتي الاغترابية هي فعلاً ممزوجة بالعاطفة والحنين، تجذبك فيها لحظات التشويق مثلما يجذب نور القناديل فراشات ليالينا الحالمة، فتتزاوج الأحداث وتدور حول مجموعة من العناوين التي تغرق مسرح الحياة لتتجسّد في ثلاثية الحبّ والكفاح والغربة. وما تتضمّنه القصص تعكس وجدانياً رحلة الإنسان اللبناني وكفاحه المستمرّ منذ بدايات الغربة الأولى، ولا تستريح إلا وهي تفرغ كلّ ما في جعبتها، حيث تبدأ ترجمتها ووقائعها في خريف العمر.

لماذا اخترتم كتابة الرواية والقصص لتعبّروا من خلالها عن مكنوناتكم؟

يقول الروائيّ العالميّ ميلان كونديرا: «إذا أردت أن تقول أمراً عظيماً فعليك أن تكتب الرواية». وكتابة الرواية تحوّلت إلى ظاهرة في العالم العربي، هذا خيار صحّي من أجل توثيق التجارب والذكريات الشخصية والعامة والصورة الروائية في أبعادها الجمالية والاجتماعية والاغترابية والسياحية والروحية، تحتاج إلى قراءة عميقة ومتأنية لأنها تنتمي إلى متخيّل وواقع ومجتمع ما.

هل من شروط لكتابة الرواية؟

لا بدّ لكتابة رواية ناجحة، من شروط كثيرة أوّلها الإبداع في العمل الروائيّ، والإبداع يحتاج إلى الحرّية والاستماع إلى صوت الذات بكلّ ما فيه من آلام وأحلام ومعاناة وآمال. ونحن نعارك الحياة الملأى بالأشرار والأخيار، وفي عالم لا يرحم الضعفاء والطيّبين، ويمجّد الأقوياء الظالمين.

وثانيها أن كاتب الرواية في أيّ زمان أو مكان، لا يمكنه أن يتقيّد برغبات الناس والأنظمة عندما يكتب، لأن قضيته هي قضية الحياة، والحياة هي التي تعلّم الإنسان بناءَ عالمه الروحي. لذلك، على الكاتب أن يبقى وفيّاً للحياة. ومن المؤسف أن بعض الكتّاب العرب أو معظمهم، مجبرون على التقيد بالتقاليد والأعراف الموروثة، ومجبرون على محاباة الأنظمة، وهذا ما ينعكس سلباً على مضمون الرواية ورسالتها وأهدافها وشروطها الذاتية والموضوعية.

هل كتاباتك الروائية والقصصية هي نتاج تجربتك الاغترابية في أفريقيا؟ أم هي نتاج تفاعلات حضارية وإنسانية واجتماعية عامة؟

لا أخفي أن تجربتي الاغترابية في القارة الأفريقية أثّرت في نفسي وفي التحفيز على كتابة الرواية. ولكنّ هناك تحولات حدثت في حقبات زمنية كنت شاهداً عليها وعايشتها عن كثب. بدأت مع أفول حضارة أوروبا الصناعية ونشوء حضارة الشرق الأقصى الصناعية وتطوّرها بالغ السرعة، وهي مسرح كتاباتي ومصدرها حيث التعاطي والاندماج مع حضارات ومفاهيم وتقاليد وأعراف لثلاث قارات: أفريقيا وأوروبا وآسيا الشرق الأقصى. حيث عايشت ناسهم وعملت معهم وتعلّمت منهم وحاورتهم في الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والدين وقليل في السياسة.

بذرة وأمل!

إن العمل الأدبيّ الذي أبدع فيه الكاتب والأديب طلعت العبد الله فتح الآفاق أمام المغتربين اللبنانيين الذين قد يحملون المعاناة ذاتها، وإن اختلفت الظروف ليفرغوا ما في جعبهم أيضاً ويرسموا خريطة طريق جديدة لبداية واثقة لانطلاق الأدب المهجري الأفريقي الذي زرع العبد الله بذرته الأولى في رواياته وقصصه الرائعة، وترسيخه وصولاً إلى الحصاد الأدبي قصة كانت أو رواية، أو شعراً، ليسمو الأدب المهجري ويسجّل الماضي والحاضر بكلّ تفاصيله ومعاناته وأحلامه وآماله، ويؤسّس لحالة أدبية أفريقية مهجرية أسوة بالأدب المهجري في الأميركيتين الذي تحوّل إلى مادة تدرّس في المدارس والمعاهد والجامعات، خصوصاً أن أفريقيا تزخر بالأدباء والمثقّفين اللبنانيين.

بطاقة

طلعت العبد الله من بلدة الخيام الجنوبية مواليد عام 1938.

بدأ اغترابه إلى القارة الأفريقية في كانون الأول عام 1955.

عميد الجالية اللبنانية في الكونغو برازافيل.

عضو اتّحاد الكتّاب اللبنانيين.

مؤسّس «جمعية المثقّفين والأدباء اللبنانيين المغتربين» ورئيسها.

صدرت له أربعة كتب روائية وقصصية.

حائز على الجائزة العالمية الذهبية «نجمة باريس» من المنظمة العالمية «BID»

عام 2006، وعلى الجائزة العالمية البلاتينية «قوس أوروبا» في فرانكفورت ـ ألمانيا عام 2009، وعلى التاج الماسيّ في لندن عام 2011.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى