تركيا الأردوغانية رقصٌ على حافة الهاوية
معن حمية
الكلمة الفصل في عدد «البناء» بالأمس حملت عنوان «ولاية الموصل».. أوهام الرجل المريض ، وتناولت الدوافع التي تجعل تركيا الأردوغانية تتمسك بإبقاء قواتها العسكرية في منطقة بعشيقة العراقية، والإصرار على مشاركة هذه القوات في معركة تحرير الموصل من تنظيم «داعش» الإرهابي. وأنّ هذه الدوافع لا صلة لها بالحرب الإرهاب، بل تنطلق من خلفية التوسّع والهيمنة والاحتلال، وأنّ عين أردوغان ليست على الشمال السوري وحسب، بل على «ولاية الموصل» التي تضمّ مناطق واسعة وتشمل كركوك والسليمانية وأربيل، والتي تشكلت بفرمان عثماني استعماري عام 1879.
وارث «الرجل المريض» رجب طيب أردوغان لم يتأخر في الإفصاح عن الأهداف التي يسعى إليها من وراء دوره الراعي والداعم للإرهاب. فلقد جمع بالأمس مخاتيره، وأعلن أمامهم مطالبته بتعديل اتفاقية لوزان 1923، على وهم تتبيع «ولاية الموصل» له! مستشعراً «خطة تطبّق في المنطقة وهي ليست في صالح تركيا، بل وتهدّد بقاءها». وأسّس على مفهوم «الأمن القومي التركي» معادلة تقدّم قواته نحو مدينة الباب السورية، لأنّ «التهديد ما زال مستمراً»، بحسب زعمه.
اللافت أنّ مطالبة أردوغان بتعديل اتفاق لوزان 1923، اقترنت بفرضية تقسيم العراق، ما يؤكد أنّ تركيا تعوّل على تقسيم العراق لتحقيق أهدافها التوسعية، وهذا يفتح على دور تركي مكّن «داعش» وسائر المجموعات الإرهابية من السيطرة على الموصل ومناطق عراقية عدة.
على أية حال، ما أعلنه أردوغان، ليس مستهجناً، فأسلافه سليمان ديميريل وتورغوت أوزال وغيرهما أطلقوا مواقف بهذا الخصوص، البعض منهم لحسابات تركية داخلية نتيجة الصراع على السلطة، والبعض الآخر لتوجيه رسائل إلى حكومة العراق وحزب العمال وغيره، لكن كلّ ذلك يندرج في سياق واحد، وهو أنّ أوهام تركيا في «ولاية الموصل» لا تزال قائمة.
الفارق بين الأسلاف الذين تعاقبوا على الرئاسة في جمهورية أتاتورك، وبين رجب طيب أردوغان ـ تركيا الأردوغانية، أنّ أولئك كانوا يعون جيداً أنهم غير قادرين على الذهاب بعيداً في مواقفهم، بينما أردوغان ذهب بعيداً في دعمه الإرهاب والتطرف وفي عدوانيته ضدّ سورية والعراق، واضعاً كلّ أوراقه في سلة الأوهام. فمطالبته بتعديل اتفاق لوزان، من شأنها أنَ تفتح أمامه أبواب جحيم سياسي، ربما يضع حداً لخططه وعنجهيته.
بالتأكيد لن ينجح أردوغان في استثمار موقفه داخلياً في ظلّ الأوضاع المأزومة التي تعيشها تركيا على خلفية الانقلاب الفاشل والذي نتج عنه اعتقال آلاف الأتراك وزجّهم في السجون، ونشوء «جيش» من الذين فقدوا وظائفهم، وهم جميعاً إلى جانب قوى تركية داخلية في ضفة أخرى بمواجهة أردوغان. كما أنّ موقفه سيؤلّب عليه حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني ودولاً عديدة، إقليمية وأوروبية.
لا شك في أنّ أردوغان يراهن على ديمومة امتلاكه عناصر كافية، لنقل معاركه وحروبه من منطقة إلى أخرى، لكن الواقع يشي بأنّ رهاناته خاسرة. فروسيا الاتحادية التي تؤدّي دوراً رئيساً إلى جانب الدولة السورية في الحرب ضدّ الإرهاب، تترقب وتترصّد انتقال «داعش» من الموصل إلى المناطق السورية. وهذا الرصد الذي كشف عنه المسؤولون الروس ينطوي على رسائل مهمة، إنْ لم يفهمها أردوغان، فحلفاؤه يفهمونها جيداً.
والرصد الروسي لا يقتصر على «داعش»، بل يشمل الغارات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على مناطق سورية، وهي غارات تمهّد طريق انتقال «داعش» من الموصل الى الرقة ودير الزور وأرياف حلب!
اختيار أردوغان الإرهاب وسيلة لخوض معارك سلطنته الجديدة، كما لو أنه يقود تركيا الى «بليفين» جديدة. ففي معركة «بليفين» القديمة هُزمت جيوش الدولة العثمانية ووقع غازي عثمان باشا في أسر الجيش الروسي!
على أية حال، «الأمن القومي التركي» بأبعاده ومراميه، وتركيا الأردوغانية بأوهامها التوسعية، يرقصان على حافة الهاوية. هاوية سحيقة لن ينجو الساقطون فيها…
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي