استنفار غربي في ذكرى 11 أيلول… و«داعش» يعدّ
كتب المحرر السياسي
تتسارع التطورات خارج السياق الذي يدعي الأميركيون ومن ورائهم كل حلفائهم السيطرة عليه، فالتقارير الغربية الأمنية الواردة من منطقة الشرق الأوسط تجمع على أن تنظيم «داعش» يعدّ «مجاهديه» الوافدين من الدول الغربية لعودة مظفرة، وأنه يضع في أولوياته مواصلة استراتيجية الإبهار لجذب من تبقى من رصيد أجيال سلفية تعدّ بالآلاف، تنتشر عموماً في دول الغرب وتملك خبرات تقنية عالية في مجالات متعدّدة لم تعد كلها من أبناء الجاليات الإسلامية، بعدما صار الانتساب من أبناء بلاد الغرب الأصليين يشكل نسبة خمسة في المئة من إجمالي البنية المنظمة لهذه الجماعات.
التقارير تؤكد أنّ عين «داعش» على أصوليّي الغرب، وأنّ إبهار هؤلاء يتوقف على عمل أمني كبير ومزلزل يصيب إحدى العواصم أو المدن الغربية ويتحوّل إلى الخبر العالمي الأول، وتستنفر الأجهزة الأمنية الغربية، منذ أسابيع مع اقتراب ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول لمنع وقوع ما يشبهها في ذكرى وقوعها كرمزية تؤكد وراثة «داعش» لـ«القاعدة».
كيف يجري الاستباق؟
مهمة يشتغل عليها فريق يصاحب زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة التي تبدأ اليوم، للسعي إلى الحصول على أوسع ملفات معلوماتية عن المتطرفين الذين التحقوا من بلاد الغرب بـ«داعش»، وأماكن تواجدهم وأسمائهم وملفاتهم الشخصية وملفات من عاد منهم وإلى أين، والمشكلة التي يسعى إلى حلها فريق كيري هي كيفية إقناع الحكومة العراقية للحصول من سورية، على بنك المعلومات الذي تملكه بصورة منظمة على هذا المستوى، والذي يعتبر الكنز الاستخباراتي الأهمّ، كما يصفه الألمان بعد حصولهم على عيّنات بسيطة تخصّهم.
حكومة حيدر العبادي ستستقبل كيري، ولن تستطيع منحه سوى صورة إنجاز صوري بينما الإنجاز في دمشق لا يزال بعيداً، طالما واشنطن لا تملك شجاعة الإقدام.
ولبنان الذي عاش أسوأ وأقسى امتحانات الضياع بلا سقف سياسي أو أمني يوم أمس، في ظلّ غياب الأفق لقدرة المستوى السياسي على إنجاز الحلول، أو سدّ الثغرات، بدت قشة كبريت سعدنايل قادرة على إشعال برميل البارود اللبناني، وبدا بوضوح أنّ المعالجات الهشة التي أنهت الأزمة معرّضة للتكرار، و«مش كلّ مرة بتسلم الجرة».
في ظل هذه الأجواء، كاد بضعة شبان أمس أن يأخذوا البلد إلى مصير مجهول بعد تفاقم عمليات الخطف على الهوية على خلفية خطف مسلحين أحد أبناء بلدة سعدنايل في البقاع الأوسط من أجل الحصول على فدية!
وكان أربعة مسلحين يستقلون سيارة «غراند شيروكي» سوداء زجاجها داكن، أقدموا على اعتراض سيارة على الطريق الدولية في منطقة الطيبة وخطفوا أيمن صوان، فيما تركوا شقيقه خالد الذي كان برفقته واستولوا على أجهزة خليوية كانت في داخل السيارة.
وبعد شيوع النبأ قطع أهالي سعدنايل طريق شتورا، في الاتجاهين بالسواتر الترابية، وأقدم مسلحون على خطف ركاب «فانات» كانت تمر تباعاً في المنطقة ليبلغ عدد المخطوفين عشرة أشخاص، علماً بأن مصدراً أمنياً أكد أن لا خلفيات سياسية أو مذهبية وراء خطف صوان. وعلم أن خاطف الأخير هو من بلدة بريتال التي دهم الجيش منزله فيها وأوقف زوجته وعدداً من المقربين منه للتحقيق معهم. الأمر الذي نفّس الاحتقان في المنطقة.
ونشطت الاتصالات على غير صعيد لمتابعة الموقف الخطير في البقاع لتفادي توسع أعمال الخطف وقطع الطريق أمام الفتنة.
المقداد لـ «البناء»
وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد لـ«البناء» أنه صودف مع حصول عمليات الخطف انعقاد اجتماع موسع لعدد من فعاليات البقاع بينها الشيخ محمد يزبك ومفتي بعلبك ومفتي البقاع وكان هناك إجماع لدى الحضور على إدانة كل عمليات الخطف وقطع الطرقات. وكان طلب من الجميع وبشدة أن يخرج الجميع من الطرقات وأن يتم إطلاق سراح الذين جرى خطفهم، لأن ذلك من المحرمات.
وأوضح المقداد أن الاتصالات قائمة لإطلاق سراح المخطوفين وقال: «الفتنة التي يعمل لها البعض خرجنا منها، ولكن علينا أن نبقى متيقظين لمحاولات إشعالها»، لافتاً إلى أن هناك قلة تريد أن تفتعل الفتنة. وأشاد بما قام ويقوم به الجيش وقال: «أصبحت هناك مهمة جديدة للجيش وهو يعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها».
ومساء أمس أفرج أهالي سعدنايل عن المحتجزين السبعة الذين تم احتجازهم كما عقد أهالي البلدة اجتماعاً موسعاً، حضره إمام البلدة وعلماء دين وفعاليات المنطقة والنائب عاصم عراجي، ولكنه لم يصل إلى نتيجة اثر خلاف بين المجتمعين.
وأعقب ذلك، قيام شبان غاضبين في بلدة سعدنايل بتمزيق صورة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري المرفوعة في ساحة البلدة ورفعوا مكانها صورة خليفة «داعش» أبو بكر البغدادي. وقد تسبب ذلك بإشكال حيث تخلله إطلاق نار من قبل شاب من آل الحسين أسفر عن إصابة أحد الأشخاص في يده! وقد أعيدت صورة الحريري إلى مكانها إلى جانب صورة لرئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة!
تجدد الاشتباكات بين الجيش والمسلحين
من جهة أخرى، وفي إطار محاولات استنزاف الجيش، جدد المسلحون الإرهابيون في جرود عرسال استهدافهم لمراكز الجيش بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، ما أدى إلى تفجير الجبهة. ودارت اشتباكات عنيفة بين الجيش والتكفيريين عند السلسلة الشرقية في جرود عرسال وفي منطقة وادي الرعيان.
وسقط صاروخ بين بلدتي اللبوة والنبي عثمان، وصاروخ آخر في بلدة حور تعلا في البقاع الشمالي. كما سقط صاروخ ثالث في سهل بلدة طاريا مصدرها السلسلة الشرقية من دون وقوع إصابات في الأرواح. فيما سقطت قذيفة هاون في بلدة الأمهزية في البقاع الشمالي من دون وقوع أضرار أيضاً.
وتمكن الجيش من إحكام سيطرته على نقطة الحصن في جرود عرسال. وأكدت مصادر أمنية لـ«البناء» أن الوضع في البقاع في حالة ترقب، لافتة إلى أن الخلايا الإرهابية في البقاعين الغربي والأوسط تتابع على الأرض من قبل استخبارات الجيش، وتحدثت المصادر عن تواجد للمسلحين الإرهابيين في بلدات برالياس، سعد نايل، الفاعور، الفيضة المرج، غزة ومجدل عنجر والدلهمية.
جثث عسكريين استشهدوا في عرسال
من جهة أخرى، أكد عضو «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ حسام الغالي لـ«البناء» أن المعلومات عن أن الجثث الثلاث التي عثر عليها في مقبرة أثناء استرجاع جثمان الرقيب علي السيد ليست للعسكريين المختطفين، مشيراً إلى أن هذه المعلومات ليست دقيقة، وأن هيئة العلماء أجرت اتصالات بتنظيم داعش عبر وسيط أكد لها عدم صحتها.
وأكد مصدر مطلع لـ«البناء أن الجثث تعود إلى عسكريين استشهدوا خلال المعركة في عرسال، وتم سحبهم من قبل المسلحين، مشيرة إلى أن العسكريين المخطوفين لا يزالون في البلدة وأن تنظيم داعش لن يلجأ بعد الآن إلى قتل أي عسكري، لأنه يريد المقايضة بالعسكريين وما ارتكبه بحق الشهيدين السيد وعباس مدلج لا يستطيع الاستمرار به.
وأمام عجز الحكومة عن إطلاق سراح العسكريين المختطفين على يد داعش والنصرة، سارعت بعض البلديات إلى الطلب من النازحين المغادرة فأمهلت بلدية برج الشمالي في قضاء صور، السوريين القاطنين في منطقة الشواكير شرق المدينة، 48 ساعة لإخلاء خيمهم تحت طائلة المسؤولية. وفيما واصل النازحون في حوش الغنم ورياق إزالة خيمهم، وزع شباب منطقة برج حمود مناشير تدعو جميع السوريين الساكنين في المنطقة إلى إخلائها والرحيل عنها وأعطتهم مهلة حتى السادسة مساء اليوم، وذلك تعاطفاً مع الجيش اللبناني. وطلبوا من الأحزاب اللبنانية كافة عدم التدخل في الأحداث التي ستحصل في حال عدم الالتزام بهذا القرار.
في غضون ذلك، أكد مصدر سياسي مطلع لـ«البناء» أنه لم يستجد أي شيء على صعيد التحرك الذي تقوم به الحكومة للإفراج عن العسكريين المخطوفين لأن الأمور لا تزال على حالها. ووصف كلمة رئيس الحكومة تمام سلام الأخيرة في هذا الصدد، بأنها «بكائية» ولم تتضمن جديداً.
ويترأس سلام اليوم اجتماع خلية الأزمة في السراي الحكومية كما يلتقي أهالي العسكريين المخطوفين.
وفيما لم تستخدم الحكومة حتى الآن أياً من أوراق الضغط على خاطفي العسكريين وهي كثيرة باعتراف رئيسها وأعضائها، على رغم ذبح المسلحين الجنود الأسرى الواحد تلو الآخر، رد وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي على الانتقادات التي توجه إلى الحكومة وأدائها في هذا الملف، ورأى أنه «يجب ألا يلوم أحد الحكومة، فقد تم تأليف لجنة أزمة تجتمع لمتابعة الموضوع، وهي تضم ممثلين عن فريق 8 آذار، فلينتظروا النتائج قبل الانتقاد»، سائلاً «كم استمرت المفاوضات في قضية مخطوفي أعزاز؟ 11 شهراً! على الجميع أن يدرك أن المسألة لا تحل بسحر ساحر، نحن نتعاطى مع جهات إرهابية متطرفة يجب أن ننتظر منهم كل شيء حتى ما لا نتوقعه». وأضاف: «لماذا لا يجتمع أهالي العسكريين برئيس الحكومة؟ لماذا يظهرون أن الخلاف بين الحكومة والأهالي؟ ألا يحققون هكذا مطالب داعش التي تريد الشرخ بين اللبنانيين»؟
عقبات قضائية تمنع إطلاق الإرهابيين
إلى ذلك، قالت مصادر قانونية لـ«البناء» إن هناك عقبات قضائية كبيرة تمنع إطلاق أي من العناصر الإرهابية التي جرى توقيفها في الأشهر الأخيرة والتي تطالب المجموعات المسلحة بإطلاقها. ومن هذه العقبات أن توقيف معظم هذه العناصر كلفت الجيش والأجهزة الأمنية دماء كما أن هناك العديد من هذه العناصر خصوصاً الرؤوس الكبيرة متورطة في الاعتداء على الجيش، والقيام بأعمال إرهابية. إضافة إلى ذلك هنالك إجراءات قضائية لا يمكن تجاوزها على اعتبار أن بعض هذه العناصر التي تطالب المجموعات الإرهابية بإطلاق سراحها لا تزال قيد المحاكمات وأخرى لم تتم محاكمتهم حتى الآن.
وفي إطار قضائي غير بعيد، أصدر قاضي التحقيق العسكري عماد الزين مذكرات توقيف وجاهية في حق موقوفين في ملف عماد جمعة ليرتفع عدد الموقوفين في هذا الملف إلى 31.
دعم فرنسي كلامي
في الأثناء، استمر الاهتمام الفرنسي بلبنان سياسياً من دون إبداء أي معطيات عملية في إطار تنفيذ صفقة تسليح الجيش من الهبة السعودية. وقد غاب هذا الموضوع عن تصريحات السفير الفرنسي باتريس باولي العائد من باريس، بعد لقائه كلاً من رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الاتصالات بطرس حرب. واكتفى باولي بالتذكير بتصريحات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «في ما خص لبنان واهتمامه بأمن هذا البلد واستقراره»، مشدداً على أن فرنسا تدعم لبنان سياسياً.
وأضاف: «نحن ندعم عمل الحكومة ونحضر للاجتماع المهم في 26 أيلول في نيويورك، حيث سيكون هذا الاجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان، وسيكون برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون»، لافتاً إلى زيارة مسؤولين فرنسيين لبنان الأسبوع المقبل.
وفي السياق، أقر مجلس جامعة الدول العربية في الدورة الـ142 التي عقدها أمس بند «التضامن مع لبنان ودعمه»، الذي أكد «ضرورة تعزيز قدرات الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الأصولية والتكفيرية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها، وإدانة الاعتداءات النكراء التي تعرضت لها بلدة عرسال وجوارها»، داعياً إلى «الحفاظ على الصيغة اللبنانية التعددية الفريدة القائمة على تعايش الأديان والحوار بينها وقبول الآخر».
جنبلاط: لضم تركيا وإيران إلى الجامعة
في مجال آخر، رأى رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط بموقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» الالكترونية أن العالم العربي لن يستطيع مواجهة الإرهاب وحيداً، معتبراً أنه «قد يكون آن الأوان لإعادة النظر بمفهوم الجامعة العربية بحيث يتم العمل على إنشاء نظام إقليمي جديد عبر توسيع الجامعة لإشراك تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والتعاون مع هذين القطبين الإقليميين الكبيرين لمواجهة الإرهاب المستشري من العراق إلى سورية إلى مواقع أخرى، وللحفاظ على حدود الدول القومية التي قامت منذ أوائل القرن العشرين، ولإرساء أنظمة سياسية تلبي طموحات التنوع العرقي والطائفي والمذهبي وتستوعبها».
«إسرائيل»: حزب الله يزداد قوة
إلى ذلك، استمر القلق «الإسرائيلي» من تنامي قدرات حزب الله القتالية. وقال وزير الاقتصاد «الإسرائيلي» نفتالي بينيت في تصريح أمس إن «حزب الله عدو يزداد قوة منذ الحرب ولديه أكثر من مئة ألف صاروخ».