آخر الكلام لعينيكِ يا أميركا هذا القليل!
د.نسيب أبوضرغم
دولة، ما كانت يوماً ذات رؤية مستقلة في إدارة نفسها ومعالجة أزماتها، ولم تكن غير انعكاس لمعادلات القوة الإقليمية والدولية.
تلك الدولة هي عينها وقد قامت مراراً بنحر نفسها، عندما قبلت بالتنازل عن شرفها كدولة، من حيث هي التعبير السياسي الأرقى عن مصالح الشعب والوطن.
دولة لم يحكمها يوماً فكرٌ سياسي ورؤية إستراتيجية، بل حكمتها على الدوام نزوات لا عد لها ولا حصر، تبدأ بنزوات «زعماء» الطوائف ومشاريعهم التي تحاط بألف علامة استفهام، وتنتهي بنزوات جميع المستفيدين من بؤسها، وخاصة المشروع الصهيو-أميركي.
وكيف لا تكون دولة العجز النزوي، وهي المُتَجَابِنة عن استغلال مياهنا منذ الستينات من القرن الماضي، وكيف لا تكون كذلك، وهي الدولة التي تساوم وتقيم الصفقات بين أعز ما لديها، جيشها وكرامة شعبها وحفنة من القتلة والمأجورين؟.
بالأمس وفي بداية عام الألفين، انقض التكفيريون على الجيش في الضنية، وهل كان الأمر عادياً، بالطبع لا، إذ ليس المهاجمون مجموعة من قطاع الطرق، فعلمهم ينتهي بحدود الهدف المحدد والصغير، بل كانوا طليعة الفكر التكفيري في لبنان، وأيضاً طليعة جيش التكفيريين في لبنان.
تعاملت الدولة حينها بشخص رئيس الدولة العماد لحود، وبالجيش اللبناني بالطريقة المطلوبة، والوحيدة على كل حال، ألا وهي طريقة الحسم مهما كلف الثمن، وسقط التكفيريون في امتحانهم الأول، ماذا فعلت الدولة بعدئذٍ؟ بعد خمس سنوات!!
أراد الأميركيون إخراج سمير جعجع من السجن لمواجهة تسونامي العماد عون، وللعب دور أساسي على الساحة المسيحية في سياق مواجهات كان الأميركي يعدها بخبث للمجتمع اللبناني، لم يخرج سمير جعجع من السجن وحيداً، أُخرج معه آنذاك عدد من الذين اعتدوا على الجيش في الضنية، ولم يرف للدولة اللبنانية جفن ولم ينبض عرق حياء. وكيف يكون ذلك وقد طلبت أميركا ذلك… وبقانون منها!!
دولة، تتهاوى أمامها قيادات ومفكرون، ولا عمل لها إلاّ أن تسارع إلى اتهام سورية، لماذا؟ حتى يُجَهّل الفاعل، وتُترك له حرية العمل ليفعلها ثانية، وليزداد على الجارة السورية الضغط والخطر.
دولة، تترك جيشها مكشوفاً من دون سلاح، نعم من دون سلاح، فالكل يعلم أنه لولا مَدّ الجيش السوري للجيش اللبناني إبان حرب نهر البارد بالسلاح لكانت النتيجة معكوسة.
دولة، لا تجرؤ على أن تعترض ولو بصوت منخفض بوجه أميركا، عندما منعت أميركا دولة الإمارات العربية المتحدة من إمداد لبنان بطائرات هليكوبتر قادرة على حمل الصواريخ في مواجهة الجيش مع فتح الإسلام في نهر البارد.
ها هو جيشنا يصرخ مستغيثاً أَن أمدونا بالسلاح، وأميركا تمانع، لا هي تعطيه السلاح الفعال، ولا تسمح للدولة أن تمتلك هذا السلاح وإن هبة من إيران أو من روسيا.
دولة تنظر إلى ذبح جنودها، وقد فقدت الحس الإنساني من دون أن تبادر إلى السعي إلى امتلاك القوة من أي جهة أتت لتنقذ جنودها وتطهر أرضها.
وكل ذلك كرمى لعيون أميركا، فأميركا لا يهمها شرف الوطن اللبناني وكرامة جيشه، بقدر ما يهمها إيذاء الدولة السورية، وإن كان ذلك على حساب أعناق جنودنا.
أميركا عينها، تمنع الدولة من أن تنسق مع سورية في مكافحة الإرهاب، لأن الإرهاب الذي يضرب ركائز الدولة اللبنانية هو ذاته حليف الأميركي في ضرب المجتمع والدولة في سورية.
أميركا لا يهمها مصير ثلاثمئة مليون عربي معظمهم غائب عن الوعي القومي، بقدر ما يهمها سلامة السفاح الذي استولدته من رحم اليهودية العالمية في قلبنا.
ها هي روسية تعرض على الدولة هبة من سبعين دبابة وغيرها من السلاح، فلماذا تنتظر رضا أميركا، وأميركا لا ترضى أن يكون لروسيا دور في هذا الشرق وبخاصة في لبنان.
تشتعل الكرامة الوطنية في دم أحد ضباطنا في العديسة، وهو يرى إلى اليهود وهم يقطعون شجرة في أرض لبنان، فيرد بما يليق بضابط وطني وبجيش وطني، ماذا كانت النتيجة؟ اشترطت «إسرائيل» أن لا تزود أميركا الجيش اللبناني بالسلاح ذاته الذي استعمل دفاعاً عن شجرة العديسة… وكان لها ما أرادت.
تطلب أميركا من الدولة أن تذل قضاءَها الوطني لتطلب من مجلس الأمن إنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان لكشف حقيقة من اغتال الرئيس الحريري، فتُهرب الدولة الاتفاقية الدولية القاضية بإنشاء المحكمة الدولية القاضية بإنشاء المحكمة المذكورة، خلافاً للدستور، وتصير المحكمة الدولية ولجنتها في لبنان مأوى للصوص القضاء الدولي من «ميليس» وسواه، والدولة تستطيع!! ويقع لبنان تحت الانتداب القضائي الدولي.
يصنف الانتربول الدولي شادي المولوي إرهابياً، فإذا بالدولة تخرجه في سيارة رئيس حكومة ويستقبل استقبال الأبطال…
الدولة التي عَفَت عن إرهابيي الضنية، هي عينها الدولة التي تذبح جنودها ولكن بسكين «داعش».
الدولة التي تمتنع عن تنفيذ أحكام بحق إرهابيين، وتسكت عن مجزرة حلبا الموصوفة، هي عينها الدولة التي تقبل أن تفاوض جماعات مسلحة وتتنازل عن سوية الدولة ذات السيادة.
الدولة التي تبلع اغتيال أربعة قضاة وهم على القوس، ولا تبادر بأي إجراء جدي للقبض على الجناة وهم معروفو الاسم والإقامة، هي عينها الدولة التي عززت القناعة عند عدد من القضاة بأن يقدموا على محاكمة الإرهابيين.
المهم أن ترضى أميركا
هل تتذكرون «أبو عدس» والراية السوداء وراءه التي كتب عليها «جبهة النصرة لأهل الشام»… ماذا قالت جوقة أميركا آنذاك؟ أَلَم يستخفوا بالشريط واعتبروه مفبركاً؟؟
هل النصرة مفبركة؟؟ ما هَمَّ طالما أميركا راضية.