كيف يصنعون «الداعشي» الصغير فينا؟

طاهر محي الدين

في حوار جانبي كنت أناقش العنوان مع أحد المقرّبين، وكان الخلاف هل هي صناعة للداعشي، أم تنشئة الداعشي، وأسوق هنا سبب تسميتها صناعة كالآتي:

لأنّ الدم الذي يُراق يومياً والنحر وجز الرقاب متبوعة بالتكبير، ليست هي وليدة اللحظة، وليست من دين المسلم والعربي ولا من ديدنه، فكلّ إنسان يولد على الفطرة، والقتل والإجرام ليسا من فطرة الإنسان أصلاً.

نعم أيها السادة هي صناعة، صرفت عليها أموال طائلة، وأستهلكت زمناً طويلاً، وجهداً كبيراً من مجموعات من رجال الاستخبارات العالمية، وعلماء النفس، والذين يعملون على برمجة العقول، والعبث بالوعي الجمعي للمجتمعات، حيث تم العمل وبشكل محكم وعلى مدى عقود من الزمن لبرمجة هذه العقول لتصبح مجرمة أو على الأقل تكون الجريمة إحدى مكوناتها الطبيعية، حيث يصبح الفرد مجرماً بلا أدنى شعور بالألم، أو حتى أنه يفاخر بجريمته معتقداً بأنه يقوم بما هو واجب لحماية العقيدة ونشر أمر الله في الأرض.

فكان الدين هو المفتاح الأقوى للعبث بهذه العقول، وصناعة الداعشي داخل هذا الإنسان الضعيف، الذي يقتل ويذبح وينحر باسم الله كلّ من يخالف فكره وعقيدة مشغليه.

ربط بسيط:

أحد أقرب النماذج للمجتمعات التي تقوم على هذا التطرف والإجرام وإشاعة القتل تحت اسم الدين هما المجتمع الصهيوني والمجتمع الوهابي، فالصهاينة يعلّمون أبناءهم على أنّ قتل غير اليهودي هو أمر الله من السماء، وأنّ كلّ من هو غير يهودي غير جدير بالحياة، وأنّ قتل هؤلاء الناس هو تقرّب وقربان من الله الذي أختار «بني إسرائيل كشعب الله المختار»، كما هو ديدن الوهابيّين الذين يكفّرون كلّ من خالفهم، والذين أقاموا مملكتهم تحت شعار الإسلام وحدّ السيف على كلّ من خالفهم، وزرعوا التكفير في شعوبهم ويغرسونه في أبنائهم منذ الصغر وعليه كان أغلب أعضاء تنظيم «القاعدة» الإرهابي والذي أنشق عنه ما يُسمّى بتنظيم «داعش» من السعوديين، الذين حُرّضوا وبُرمجت عقولهم على أنهم ينشرون دين الله، ويمارسون الجهاد وينالون الشهادة في سبيل الله عندما يقتلون كلّ من خالفهم في عقيدتهم من البشر.

عود على بدء، نجد أنها صناعة محكمة ودقيقة وخبيثة ما يكفي لتدمير البشرية، لحماية مصالح تلك الأنظمة الصهيونية والماسونية والأعرابية.

ولنثبت كيف تتمّ الصناعة، والعبث بالعقول، من صناعة الطفل «الداعشي»، أحيلكم للقراءة التالية:

راقبوا أفلام الكرتون، وألعاب البلاي ستايشن، والإكس بوكس، وأخواتها كلها تدور عن إشاعة القتل، والسرقات، والهروب بالسيارات، وزرع الإجرام واستسهاله في نفوس الأطفال، وبالتالي تعويد الأطفال على مشاهد الدم والذبح والجريمة والرذيلة، ويتمّ تخزين هذه الأفعال في عقولهم، وتصبح الأجساد المتناثرة والرؤوس المقطوعة، وعمليات القتل الجماعي عند الأطفال أمراً أقلّ من عادي، وتصبح السرقة ذكاء، والقتل رجولة، وتكون الوحشية والإجرام هي رمز القوة والسيطرة في أذهانهم، وبأنها الطريقة المثلى للوصول إلى الغاية، وهذا المبدأ الصهيوني الأساس في التعامل، والذي نتدواله جميعاً لتبرير عمل قمنا به ألا وهو «الغاية تبرّر الوسيلة» وهي قاعدة صهيونبة بامتياز.

كما هو حال أفلام هوليوود، التي تفشي ثقافة القتل والإجرام، والأبطال الأسطوريين، وتجعل من الجندي الأمريكي جندياً لا يقهر، وتسوق لإنسانية المجتمعات الغربية وهمجية العرب والمسلمين، وتصنّف الشعوب عالماً ثانياً وثالثاً، في الوقت الذي تدعو فيه إلى المساواة بين البشر، وتمارس أعهر أنواع التمييز العنصري، حسب اللون والعرق والدين، وتدّعي مساعدة الشعوب لنيل حريتها من «الأنظمة الديكتاتورية» حسب تصنيفها، وتستخدم ما أسمته بالمجتمع الدولي ومجلس الأمن كالسيف المسلط على رقاب الشعوب، وتعاقب اقتصادياً وتجوّع الناس، وتتحكّم بموارد الشعوب، في الوقت الذي تدّعي أنها تريد تخليصهم من الظلم والاستبداد، فترسل الجيوش وتقتل البشر وتدمّر الحجر، وترحل تاركة وراءها من الفتن ما يستعيذ الشيطان منه، من طائفية بغيضة، وقبائل متصارعة، وفساد تنوء بحمله الجبال وأقرب مثال لنا هو ليبيا.

لماذا قمت باستحضار المثال الليبي؟ ذلك أنه كان الشعار إبان إسقاط نظام القذافي في ذلك الوقت هو سحق الطاغية أولاً، ثم نقوم باختيار الذي نثق به ونقيم الدولة من جديد على العدل والتنمية والقضاء على الفساد، من دون التفكير بتبعات بقاء الدولة بلا رأس ولا حاكم وانفلات الأمن وانتشار الجريمة، وهذا ما حدث بالفعل في ليبيا وبتغطية وتمويل أعرابي.

وهو نفسه ما كان يروّج له في ثورة شباط في مصر، وكان الهدف هو إسقاط حسني مبارك، وبعدها نأتي بمن نعتقد أنه صالح لقيادة الدفة.

وأشيعت هذا الأفكار أيضاً بين بعض الشبان في الوطن السوري الكبير، وأعميت عيونهم وغُيّبت عقولهم، وضللوا وسُعّر فيهم «الداعشي» الصغير وأخرج من قمقمه، وأنفلت التنادي للطائفة والتعصب والتكفير، وأنفق من الأموال ما يكفي لإقامة دول لا تكاد شعوبها تجد كسرة خبز.

أيها السادة… الرصاصة تقتل الإرهابي، ولكن من الذي سيقتل الإرهاب؟ ويعيد العقول والقلوب إلى الفطرة البشرية فينا؟ أسئلة كبرى عساها تجد جواباً عند كلّ ما تبقى لديه بقيةٌ من عقل أو إنسانية، أو معنى لوطنية أو أرض أو عرض.

ربما تكون العودة عن الجريمة والتسامح والمصالحة الوطنية والتعفّف عن الفساد والابتعاد عن الطائفية العفنة والتعصب الديني وإبعاد الدين عن الابتذال واستخدامه للترهيب والإرهاب ونسيان الترغيب الذي هو شطر الدين أي نصفه وإلقاء السلاح المرفوع في وجه الوطن، ربما تكون تلك مجتمعة إحدى الوسائل للعودة إلى إنسانيتنا، والوسيلة الأنجع في القضاء على «الداعشي» الصغير في دواخلنا جميعاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى