حدود العلاقة بين روسيا وأميركا في سورية
وليد زيتوني
يتكاثر في الوقت الحاضر الحديث عن اتفاق روسي/ أميركي في ما خصّ تقاسم النفوذ في سورية والمنطقة. والحقيقة أنّ العلاقات الدولية في الزمن الحاضر، تفترض بشكل دائم نوعاً من التفاهمات منعاً لتدهور الأمور، اذا ما اعتبرنا انّ الدولتين المتنازعتين على النفوذ، هما قطبان أساسيان على المسرح العالمي، وبالتالي أنّ تفاقم تناقض المصالح بينهما إلى الهوامش الدنيا يشكل تهديداً للاستقرار العالمي برمّته، فضلاً عن القدرات النووية الهائلة التدمير التي يمتلكانها.
انطلاقاً مما تقدّم، تستدعي هذه الخطورة في النتائج حذراً أكبر في التعاطي بمسألة المصالح القومية، واستطراداً تبيان حدود الممكن دون المسّ بما يشكل خطراً على ما تعتبره كلّ دولة حدوداً لوجودها واستمرارها. وعلى هذه القاعدة فسورية الشام بمحيطها القومي تأخذ صفة القلب من هذا العالم، ومن خلالها تتوزّع شرايين الاقتصاد تجارة وطاقة. وبالتالي يصبح استهدافها بالمشاريع الجيوبولتيكية أمراً لا مفرّ منه لكلّ مَن يسعى من الدول الكبرى لتحقيق ما يسمّونه الأمن القومي.
فالولايات المتحدة التي خططت لتطويق الصين اصطدمت في مسرحها الوسيط بقوة إقليمية هي سورية، رفضت الخضوع للشروط الأميركية، وأكثر من ذلك عجزت أميركا عن تطويعها من خلال الفوضى الهدامة المعنونه بـ «الربيع العربي»، فلجأت الى إخضاعها بواسطة حروب بالوكالة المعتمدة أساساً على زجّ قوى إرهابية تتخذ من الوهابية ايديولوجيا لها.
في الوقت الذي شنّ محور النهب العالمي حربه على سورية، أدركت روسيا انّ السكين الأميركية ستصل الى عنقها قريباً، بعدما استكمل هذا الأميركي إجهازه على مناطق النفوذ السوفياتي السابق كلها. وبعدما استكمل مشروع الدرع الصاروخية الممتدّ من بولندا الى تركيا. وبعدما عزّز تواجده في منطقة الجزيرة العربية وقاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. تحرك الروسي عند محاولة وصول الأميركي إلى آخر قواعده على البحر الأبيض المتوسط في طرطوس. وبعدما أحسّ الروسي أنّ الأميركي بدأ بدق بابه المباشر في جورجيا، وبعدما أحسّ أنّ الولايات المتحدة عبر حلف شمالي الأطلسي أخذت في التغلغل عبر نفوذه المباشر في أوكرانيا، وبالتالي القضاء على مفصل أساسي في اقتصاده، وهو السيل الشمالي من «غازبروم».
باختصار أدرك الروسي انّ إسقاط سورية يعني إنهاء دوره الدولي سياسياً واقتصادياً وخروجه من المعادلة العالمية كقوة كبرى، وحصره في المربع السيبيري.
إنّ حقيقة المصالح الروسية وضرورة المحافظة عليها في سورية، لا تلغي حقيقة العلاقات التاريخية مع سورية التي تختزنها الذاكرة الروسية، والتي كانت تبني عليها استراتيجيتها الدائمة منذ عهد القياصرة الأول. فكاترين الثانية كانت تعتبر انّ «سورية مفتاح بيتي»، وكذلك بطرس الأكبر صاحب مشروع الوصول الى المياه الدافئة وصولاً إلى الاتحاد السوفياتي، ناهيك عن البطريركية الأرثوذكسية التي تحمل ما تعتبره فضل سورية عليها بإرشادها الى الدين المسيحي.
كلّ هذه المعطيات المصلحية والاستراتيجية وحتى العاطفية، جعلت روسيا مدافعاً أساسياً وصلباً عن سورية في الحرب التي تستهدفها، وتحديداً في وجه مشروع النهب الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وأتباعها. إنّ روسيا لن تقبل بأقلّ من المحافظة على وحدة سورية وسيادتها واستقلالها. وهي بالتالي مسألة وجود واستمرار لروسيا مهما كلفها ذلك من تضحيات. رغم المناورات السياسية التي تستولدها أميركا في جنيف أو لوزان أو غيرها. ورغم الأساليب العسكرية الملتوية او المباشرة. وأنّ سورية الآن تقاتل باللحم الحيّ عن استقلالها وحريتها وكرامتها وتقاتل عن العالم بمواجهة إرهاب العصابات والإرهاب الدولي الأميركي «الإسرائيلي».
نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي