«لعبة أمم».. بين موسكو وواشنطن!
نظام مارديني
خلال متابعتنا للمواجهة الدبلوماسية القائمة بين روسيا وأميركا تذكرتُ عبارة سمعتها يوماً عن «رُهاب اليأس من فترة نهاية الخدمة» التي تعيشها أميركا هذهِ الأيام وهي محنة تبدو حقيقية بالفعل، بحيث لا يمكنُ الاستهانة بها أبداً..
ورغم مظاهر العنجهية والقوة التي تظهرها الإدارة الأميركية أمام حلفائها في المنطقة الذين يتساقطون في وحل فضائحهم ودعمهم للجماعات الإرهابية في سورية والعراق، إلا أن هذا الإحساسُ بالعنجهية والقوة يشبه إلى حد بعيد إحساسِ اليأس والإحباط الذي تشعرُ بهِ الإدارة، وهي تواجه الغبطة التي تعيشها روسيا بقيادة بوتين، وهي إذ تتقدّم في كل يوم لكي تثبت نفسها، حيث مواقع المواجهة بشكل عام.. وسورية والعراق بشكل خاص.
يوماً بعد يوم ينتهي المدّ والجزر في التصريحات الروسية – الأميركية والاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن في الآونة الأخيرة بالإعلان عن وقف الاتصالات بشأن الأزمة السورية بين الجانبين. بعدما اتهمت موسكو واشنطن بأنها لم تفِ بالتزاماتها حسب الاتفاقات حول سورية، ومنع «دواعش» الموصل من الفرار إلى الرقة ودير الزور.
رسائل روسية وصلت، في الآونة الأخيرة، إلى أكثر من دولة في المنطقة: لن نغادر سورية اياً كان الثمن، ثم أين مصلحتكم في أن نغادر لتبقوا في قعر السلة الأميركية!؟
بطبيعة الحال، الدبلوماسية الروسية لا تفتقد الظرف حين تقول: إن الأميركيين لا ينظرون اليكم أكثر من كونكم زجاجات كوكاكولا أو علب سكائر المارلبورو، ما إن تستعمل حتى يُلقى بها جانباً وإذا لم تكن هذه هي حالكم الآن فستكون هذه حالكم غداً لا محالة، مع توجّه أميركا نحو آسيا الوسطى وأميركا اللاتينية.
سياسة واشنطن بعمومها في العالم، هي هكذا.. تراوحُ دائماً وسط دائرةٍ نسبيةٍ مغلقة تشبهُ كثيراً تلك التي يراوحُ داخلها هوسُ تغيير تفاصيلِ البيت الأبيض عند سيدته الأولى.. لم تعدْ الراية الأولى في العالم أميركية خالصة كما كانت دائماً.. تلك حقيقة ما عادتْ خافية حتى على الأميركيين أنفسهم خصوصاً على المستوى «الشرق أوسطي»!
لنتذكر أنهُ لم يبقَ في فلكها العربي اليوم حلفاء حقيقيون، بما كانت تحملهُ هذه الكلمة من معانٍ قبل عقودٍ قليلة من الزمن.. لم تعدْ لأميركا تلك المهابة التي كانت موضع ثقةِ دولٍ عربيةٍ كثيرة كانت تدورُ بشكلٍ آلي مع الفلك الأميركي كيفما دار.. فوظيفة الشرطي الذي كان يرعبُ بها العالم بأسرهِ فقدها تماماً ولم تعد لهُ بعدها هيبة تُذكر.. بوسعكم أن ترجعوا إن شئتم إلى الوراءِ بضع سنين قليلة فقط في كتابِ التاريخ الحديث وستعرفونَ أين كانت أميركا وأين أصبحت!
بعد سقوط جدار برلين في 9/11/1989، انهار الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكّل القطب الثاني مع الولايات المتّحدة في النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية، وتقلّصت رقعة الاتحاد السوفياتي إلى روسيا الاتحاديّة، مع ما رافق ذلك من انهيار اقتصادي وضعف سياسي وفوضى كبيرة.. اليوم روسيا بقيادة بوتين أشبه بطائر الفينيق الذي ينفض عن جناحيه الغبار ليحلق عالياً فوق سماء المنطقة.
الأميركيون يعتبرون أن «لعبة الأمم هي اختصاصهم وحدهم.. هم يعبثون بكل شيء». فيردّ عليهم الروس: تكفيكم الرقصة الطويلة، والدموية، مع… الهباء!