السلطنة وتحدّي اللحظات الحاسمة
منذ انطلاق الحرب على سورية والبوابة التركية هي الأساس فيها، وهي المشغّل والسند لانطلاقة الجماعات الإرهابية المجمّعة من أصقاع الدنيا، ومنذ ولادة تنظيم داعش والكل يعلم ويقول إن تركيا هي المشغّل والسند، وأن العلاقات بين أنقرة وداعش وأنقرة والنصرة هي علاقات تنسيق وتبادل خدمات أمنية من ليبيا إلى مصر وسورية والعراق، ولا تخلو من صفقات النفط والمسروقات وتجارة الآثار والأعضاء البشرية.
صَدَم السلطان العثماني رأسه بالجدار أول مرة مع فشله بإسقاط سورية، وثاني مرة بفشل داعش في نقل العراق إلى الفتنة، وثالث مرة بفشل النصرة في السيطرة على شمال سورية، ورابع مرة بالأزمة التي فجّرها مع روسيا وتخلي حلف الأطلسي عنه. وبين هذه المرات وبعدها مرات أخرى، بسقوط نظرية المنطقة الآمنة، وعودة الأساطيل الأميركية بلا حرب على سورية، وسقوط حكم الأخوان في مصر وتونس، وصولاً لإقامته حكماً ديكتاتورياً في تركيا لن يلبث أن ينفجر من الداخل.
حاول السلطان التموضع مع المتغيرات والتأقلم مع المرحلة الجديدة، وعنوانها الحرب على الإرهاب، فجعلها مدخلاً لدمج حربه على الأكراد بها، من جهة واتخاذها ذريعة لانتهاك السيادة الوطنية لسورية والعراق بالزج بقواته داخل حدودهما من جهة أخرى، وذهب على هذه الخلفية لتطبيع علاقاته بروسيا وإعادة ترسيم علاقته بأميركا، واضعاً هدف إقامة منطقة نفوذ داخل الجغرافيا السورية والعراقية، مراعياً الخطوط الحمر الأميركية بالتحرّك خارج منطقة ما بين نهري دجلة والفرات، التي يتّخذها الأميركيون منطقة عمليات لهم، ويتطلعون لإدامة الحرب على داعش ضمنها، بعد إخراج التنظيم من المدن الكبرى التي تقع على مجاري الأنهر كتكريت والموصل والرمادي ودير الزور والرقة، ومقايضتها لاحقاً بامتيازات أمنية يريدون المفاوضة عليها مع حكومات البلدين، وهكذا تحرك السلطان نحو جرابلس غرب الفرات وبعشيقة شرق دجلة.
تذاكى السلطان برسم خرائطه وتوهّم أن هناك مناطق رخوة في السيادة، ووقت فارغ في الحروب، ووضع وصوله إلى أطراف حلب وأطراف الموصل ضمن هذه المعايير، فراغ الزمان والمكان، حتى اصطدم بموقفين سوري وعراقي حاسمين يضعانه أمام التحدي في خوض المواجهة، حيث أعلنت سورية جاهزيتها للمواجهة جواً وبراً مع أي انتهاك تركي لسيادتها، بعد الإعلان التركي عن التقدم نحو مدينة الباب، وخاض العراق معركة دبلوماسية ناجحة برفع الغطاء عن التوغل التركي داخل حدوده، وتوّجها بتقدم الحشد الشعبي نحو تلعفر التي اعتبرها الأتراك خطا أحمر.
كيف سيخرج السلطان من القفص بعدما صار أمام ساعة الحقيقة، بمغامرة أم بالانكفاء والاكتفاء بالتحذيرات الكلامية واعتماد الجمود عند خطوط ترسمها النيران؟ .
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.