هل تصبح شبعا عرسال ثانية؟
يوسف المصري
هناك أسئلة يهمس بها بكثرة حالياً داخل محافل على صلة بكواليس الأزمة السورية وما يعلق بها من مخططات استثمارية «إسرائيلية» وأميركية.
أبرز هذه الأسئلة يفيد بفجاجة: ماذا لو تكرر ما حصل من عرسال عندما سقطت الشهر الماضي بقبضة داعش وجبهة النصرة في بلدة شبعا اللبنانية في البقاع الغربي؟!
وثمة مفارقة مقصودة في هذا المجال يجب الالتفات إليها، وهي أن مسلحي جبهة النصرة في جرود عرسال هم الذين يشكلون القوة الصلبة داخل طيف المجموعات المسلحة هناك، وليس داعش. والأمر نفسه موجود في بيت جن القريبة من بلدة شبعا اللبنانية، وأيضاً عند أطراف محافظة القنيطرة وفي منطقة الأندوف خط فض الاشتباك السوري ـ «الإسرائيلي» اللتين يقودهما تحالف جبهة النصرة مع أحرار الشام عسكرياً، فيما داعش من دون وجود هناك.
تبقى الإشارة في هذا المجال إلى أن هوية هؤلاء المسلحين على النحو الآنف مقصودة، ويراد منها إيضاح أن ما يحدث في هذه المناطق لا صلة له بالحرب الدولية المتشكلة ضد داعش. وبالتالي ستكون هذه المنطقة خارج الضربات الدولية ومفتوحة لتنفيذ سيناريوهات «إسرائيلية» فيها.
وفي التفاصيل الموضحة للملاحظات الآنفة، تؤكد مصادر مطلعة أن فيما الأنظار تتركز على التوتر الشديد السائد في منطقة البقاع الشمالي، إلا أن مركز الحدث المقصود الوصول إليه جراء رفع منسوب نقل الفتنة من سورية إلى لبنان كما ظهر منذ الشهر الماضي، هو منطقة البقاع الغربي، والمطلوب هو تنفيذ سيناريو هناك توجد بصدده خطة «إسرائيلية» عسكرية قديمة. ويُنفض اليوم الغبار عنها ويجرى وضعها على طاولة القرار «الإسرائيلي».
وتنبه هذه المصادر إلى وجود مجموعة معطيات في غاية الخطورة تحذر من أن لبنان سيعيش في المدى المنظور تحت تأثيرات تفاعلاتها الميدانية والسياسية، ما يحتّم التحسب لها:
يفيد المعطى الأول أن الخطة الموضوعة من وراء أحداث عرسال ترمي إلى جعل منطقة البقاع الشمالي، بمثابة «ميدان استنزاف» لحزب الله، وجعله كما يعتقد المخطط منغمساً عسكرياً في تلك المنطقة لدرجة تؤثر في جاهزيته فوق ساحات أخرى ستشهد معارك فعلية ذات صلة مباشرة بالمخطط «الإسرائيلي» المرسوم لاستغلال الأحداث السورية وتحقيق أهداف أبعد أثر متصلة بأمرين اثنين أساسيين: 1- إضعاف محور المقاومة وتقطيع أواصر روابطه الديموغرافية من إيران إلى لبنان. 2- أخذ الصراع في سورية إلى تقسيمات عسكرية وأمنية ومذهبية تخدم رؤية «إسرائيل» للتسوية النهائية للصراع العربي ـ الفلسطيني معها.
ويقول المعطى الثاني، فيما الأنظار منشغلة بما يحدث بين عرسال وجرودها وبحوادث الخطف المتبادل وقطع الطرقات في البقاع الشمالي، وهو أمر مطلوب أن يتزايد ، فإن الخطر الحقيقي يتحضر ليطلّ برأسه عمّا قريب انطلاقاً من البقاع الغربي. وبحسب المعلومات فإن هناك سيناريو «إسرائيلي» قديم بدأت إرهاصاته الميدانية تتبلور من خلال ما يحدث في محافظة القنيطرة. وعلى رغم أن إعلام المعارضة السورية يتحدث عن أن معركتها هناك هدفها تهديد دمشق العاصمة عبر الوصول إلى الغوطة الغربية من خلال فتح طريق القنيطرة – دمشق، إلا أن المعلومات تؤكد أن هذه المعركة هدفها خلق تماس لبناني مع الأزمة السورية، انطلاقاً من حدوث اندفاعة مفاجئة غزوة من آلاف المسلحين لمسلحي النصرة وأحرار الشام ناقص داعش من بيت جن ومزارعها حيث تتمركز الآن باتجاه بلدة شبعا اللبنانية، علماً بأن الأخيرة تبعد مسافة ساعتين سيراً على الأقدام من بيت جن.
ويتخيل هذا السيناريو أن وصول المسلحين إلى شبعا سيؤدي تلقائياً إلى سقوط الخط التقليدي الذي رسمته القيادة العسكرية «الإسرائيلية» لحربها المقبلة ضد لبنان وسورية على السواء. والمقصود هنا هو خط البقاع الغربي وصولاً إلى المصنع التي تقطنها غالبية من المسلمين السنة، افترضت «إسرائيل» أنها غير موالية للحزب. وتسمي «إسرائيل» وفق خطة «يونفيل 2» هذه المنطقة بالخاصرة الرخوة لحزب الله لأنه لا وجود لديموغرافيا شيعية فيها، ولأنها أيضاً تمنح القوات «الإسرائيلية» طريقاً سهلة لعزل الجنوب وعزل بيروت عن دمشق. ويجرى اليوم تزيين هذه الخطة «يونفيل 2» من خلال إضافات استجدت عليها تتمثل بانتشار عشرات آلاف النازحين السوريين في منطقة البقاع الغربي، وهؤلاء – ودائما كما يتخيل السيناريو «الإسرائيلي» – يمكن الإفادة منهم في تأمين ظهير إضافي حاضن للهجوم «الإسرائيلي». ويفترض هذا السيناريو أنه بمجرد وصول مسلحي المعارضة السورية إلى شبعا، فإن قرى وبلدات البقاع الغربي الأخرى المشكّلة اليوم من ديموغرافيا لبنانية سنية وسورية بفعل النزوح ستنضم إليهم لتشكل بيئة حاضنة لهم. أما في خصوص الوجود الدرزي في تلك المنطقة فيُنظر إليه على أنه لا يملك إمكان أن يشكل عقبة أمام المناخ الجديد الذي سيستجد.
وبقيت الإشارة إلى خطة «يونفيل 2» التي كُشفت بعد فترة وجيزة من حرب تموز عام 2006 ونقلت تفاصيلها إلى لبنان آنذاك. واليوم هذه المصادر نفسها تحذر من أن «إسرائيل» أخرجت هذه الخطة من خزائن الحفظ ووضعتها على الطاولة مع إضافة ما استجد من أوراق جديدة لمصلحتها كاستعمال ورقة النزوح السوري في إطار أنه يدعم البيئة اللبنانية الحاضنة «السنية» ضد حزب الله. وتختتم هذه المصادر أن كل ما يجري الآن في لبنان ليس أكثر من تمهيد لتنفيذ خطة يونفيل 2 المعدّلة والهادفة بالأساس إلى إيصال خرائط التقسيم للبنان وإضعاف حلفه مع محور المقاومة عبر خلق حالة موصل ثانية فيه، إضافة إلى الهدف المركزي وهو إنشاء حكم ذاتي درزي في الجولان برعاية «إسرائيلية».