جنبلاط حسم خياره لعون… والحريري كشف خطة حربه على حزب الله نصرالله يطلّ اليوم بقاعاً… التنسيق والتكامل مع بري استراتيجية لا تتغيّر

كتب المحرر السياسي

تخيّم مناخات التصعيد اليائس لدى أطراف المحور الذي تقوده السعودية في المنطقة، وترعاه واشنطن، بينما ترتبك تركيا في خططها للتوغل في سورية والعراق، مع الإنذار السوري بالمواجهة لكلّ انتهاك تركي براً وجواً للسيادة السورية، والتقدّم الذي بدأه الحشد الشعبي في العراق نحو تلعفر، فقد بدأ أمس هجوم جبهة النصرة على غرب حلب، ومعها كلّ الذين تسمّيهم واشنطن بالمعارضة المعتدلة، وكانت تبكي وتنوح على الشأن الإنساني في حلب ومعها كلّ الغرب، لتأمين فكّ الحصار عنهم، وتسهيل مشاركتهم في الهجوم، بينما كانت موسكو تحذر من هذه الاستعدادات وتتهم الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً بالوقوف وراء التحضير لهجوم على حلب تشنّه الجماعات الإرهابية، توظف في خدمته الحملة الإعلامية والدبلوماسية بذريعة الشأن الإنساني، وفيما كان الهجوم في ذورته على ضاحية الأسد غرب حلب، ويلقى المهاجمون نيران الجيش السوري والحلفاء ويتكبّدون عشرات القتلى وخسارة معظم الآليات المهاجمة، كانت الرياض تنظم حملة إعلامية للتباكي على المقدسات الدينية بذريعة اتهامها للحوثيين بقصف مكة المكرمة، وهو ما يكذّبه الصاروخ الذي تحدّث عنه السعوديون وسقط في جدة، في قاعدة الملك عبد العزيز، وما ردّ عليه أنصار الله والجيش اليمني ببيان مفصل يفنّد ما يتضمّنه الاتهام السعودي من فبركة.

مناخ التصعيد ذاته نقله الرئيس سعد الحريري في حوار تلفزيوني مخصّص للحديث عن خياره السير بالتسوية التي تضمّنت سيره بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مقابل ضمان عودته لرئاسة الحكومة، بعدم ممانعة من حزب الله، فحوّل المناسبة لشنّ حملة عدائية على حزب الله وسورية ورئيسها، بصورة مفتعلة لا تنسجم مع ادّعاءات السعي للتوافق وما يستدعيه من تخفيض لسقوف التوتر السياسي المعلوم المصادر والعناوين، والتي يشكل الموقف من سورية والحرب فيها أبرز محاوره، وعبرها دور حزب الله في القتال ضدّ الجماعات الإرهابية المدعومة من السعودية هناك.

كشف تصعيد الحريري هشاشة التسوية التي ينتظر اللبنانيون أن تمنحهم فرصة إعادة الحياة للدولة ومؤسساتها، ويظهر التعقيدات التي ستحول دون ولادة سريعة للحكومة المقبلة، بمحاولة فرض مواقف عدائية لسورية، لا يملك أيّ رئيس حكومة في لبنان أن يفرضها أو يسلكها، فيما لبنان يحتاج التنسيق مع سورية، في ملفات الحرب على الإرهاب على الحدود المشتركة للبلدين، وملف النازحين السوريين، كما يحتاج لبنان لدور حزب الله في حماية أمنه من خطر الإرهاب عبر التضحيات التي يقدّمها في سورية نيابة عن كلّ اللبنانيين، وفيما لم يكن منتظراً من الحريري ان يبارك هذا الدور ولا أن يبادر للحديث الإيجابي عن العلاقة اللبنانية السورية، ولا أن يصل لحدود المسؤولية الوطنية التي تتصرف على أساسها قوى المقاومة بعدم فرض مواقفها من السياسات السعودية على الدولة والحكومة، وكان أقلّ المتوقع لمن يقول إنه قدّم التنازلات والتضحيات لأجل الدولة والوطن، أن يكتفي القول إنّ العلاقة مع سورية موضوع خلافي وكذلك قتال حزب الله هناك، ونأمل مع الحكومة الجديدة التوصل لتفاهمات لا تعبّر عن مواقفنا كأطراف بل عن مصلحة لبنان التي تجمعنا، لكن كان واضحاً حجم النبض العدائي في كلام الحريري، ما يكشف خطة حرب على حزب الله، تفسّر الفقرة التي وضعها في مطلع بيان الحكومة السعودية، وزير الدولة السعودية ثامر السبهان قبل مجيئه إلى بيروت، والمخصصة لاعتبار المواجهة مع حزب الله تتقدّم سواها من الاهتمامات في السياسة السعودية.

لم يخف الحريري سعيه لوضع العماد عون كرئيس للجمهورية بوجه تحالف حزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، والإيحاء بأنّ هذا هو رهانه المشترك مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بينما كان الحدث أمس إعلان النائب وليد جنبلاط عن سيره مع نواب الحزب التقدمي الإشتراكي وأغلبية نواب اللقاء الديمقراطي في خيار التصويت للعماد ميشال عون، وسيكون الحدث اليوم ما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في إطلالة مخصصة للوضع في البقاع، عن الثنائية القائمة على التكامل بينه وبين الرئيس بري، كعلاقة استراتيجية لا تتغيّر بتغيّر الأحوال ولا فكاك فيها ولا تردّد، بما يشكل رسالة للمرحلة المقبلة واستحقاقاتها ما بعد جلسة الانتخاب، والدور الذي سيتولاه الرئيس بري بالنيابة عن حركة أمل وحزب الله معاً.

جنبلاط حسم موقفه

حسم رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط موقفه بشأن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وأعلن بأن غالبية نواب «اللقاء» توافقوا على تأييد ترشيح العماد ميشال عون رئيساً وأن الأمر سيترجم في جلسة الانتخاب الاثنين.

وبعد زيارة قام بها عون الى كليمنصو مساء أمس يرافقه وزير الخارجية جبران باسيل، وبحضور كتلة اللقاء الديمقراطي، أشار جنبلاط إلى أن «نواب اللقاء الديمقراطي توافقوا على تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية». أضاف: «سيترجم هذا الأمر عملياً نهار الاثنين في المجلس النيابي، وغداً سيكون اجتماع أخير للتشاور مع اللقاء الديمقراطي، وهناك من قد يعترض أو لا يوافق، ولكن أغلبية اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الاشتراكي مع ترشيح العماد عون». وتابع: «بعد انتظار عامين ونصف العام، آن الأوان كي نخرح من هذا المأزق، ويبدو أن ظروفا محلية، صُنع في لبنان، لكن أيضاً هناك ظروفاً دولية وإقليمية تساعد في هذا الأمر». وتمنى جنبلاط للعماد عون «كلّ التوفيق»، وقال: «نحن نقف بجانبه من أجل مصلحة لبنان».

بدوره قال عون: «جئت لأشكر وليد بك على تأييده لي لموقع رئاسة الجمهورية، وفي الوقت نفسه تحدّثنا عن المستقبل أثناء ولايتي في هذا الموقع، وسنتعاون سوياً لبناء لبنان ولتحسين الواقع الاجتماعي والوحدة الوطنية، فشكراً لك وليد بك على هذا التأييد».

وشدّدت مصادر مطلعة لـ«البناء» على أنّ «اللقاء بين عون وجنبلاط كان جيداً ويؤسّس لمرحلة جديدة من الثقة والتعاون بين الطرفين للنهوض بالوطن»، مشيرة الى أنّ عون منفتح على كافة القوى السياسية ويعمل على تذليل العقبات وتبديد جميع الهواجس وسيفصل بين أدائه في موقع الرئاسة الاولى وبين الخصومة السياسية».

… وفي عين التينة

وسبق لقاء عون – جنبلاط زيارة قام بها الأخير الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري العائد من جنيف مساء أمس، ورافقه الوزيران أكرم شهيب ووائل أبو فاعور والنائبان غازي العريضي وعلاء الدين ترّو بحضور الوزير علي حسن خليل.

وبعد اللقاء عقدت خلوة قصيرة بين بري وجنبلاط الذي قال بعد اللقاء: «شرحت للرئيس بري حيثيّات موقفي بما يتعلق بإنتخاب الرئيس نهار الإثنين، وإن بدا هناك بعض التفاوت فهذا التفاوت شكلي. في النهاية هناك تاريخ عريق وقديم بيننا من النضال تعمّد بالدم في سبيل قضيّة عروبة لبنان وفلسطين. ويبقى الرئيس برّي رجل الدولة الأول الحريص على سير المؤسسات والحريص على الدولة اللبنانية والحريص على الاستقرار. هذا كان ملخص ما جرى بيني وبين الرئيس برّي».

الطريق معبّدة الى بعبدا

وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أنه «بعد إعلان جنبلاط تأييده ترشيح عون باتت الطريق واسعة ومعبّدة أمام عون الى قصر بعبدا والمعيار الأساس الذي يتمّ البحث به الآن هو أن يحصل عون على 86 نائباً ويحسم فوزه من الدورة الاولى أم 85 صوتاً وبالتالي سيحتاج الى دورة ثانية»، لافتة الى أنّ «ثلاث أنواع من النصاب توافرت في انتخاب عون، النيابي والسياسي والوطني وإعلانه رئيساً ينتظر الموعد الإجرائي يوم الاثنين، وبالتالي لم يعد هناك من عقبات سياسية تحول دون انتخابه رئيساً»، أما القوى المعارضة بحسب المصادر فإمكان معالجة أسباب معارضتها رحّل الى ما بعد جلسة الإنتخاب»، وأكدت المصادر أنّ موقف جنبلاط الذي أعلنه بالأمس اتخذه في وقتٍ سابق لكنه فضّل التريث للقاء الرئيس بري للتنسيق معه كتعبير عن موقف لياقة تجاه رئيس المجلس وليؤكد على دوره السياسي والوطني وعلى متانة تحالفهما رغم التباين في موضوع الرئاسة الأولى، ولفتت الى أنّ «الرئيس بري كان يدرك مسبقاً موقف جنبلاط»، ولفتت الى أنّ «المساعي مع بري والوزير سليمان فرنجية لم تتوقف حتى الساعة لكن موقف جنبلاط لن يؤثر على قرار بري الرافض لانتخاب عون ما يعني أنه سيقترع للنائب فرنجية الذي سيبقى مرشحاً».

واعتبرت المصادر أنّ «انطلاق مسألة الحكومة يعني انتهاء مرحلة انتخاب الرئيس والانتقال الى الخطة رقم 2 ولا يمكن استباق نتائج مسارها منذ الآن، فهناك العديد من الاعتبارات والمسائل التي يجب أخذها بعين الاعتبار في مسألة التكليف والتأليف، فتشكيل الحكومة هي الحقبة الثانية في رحلة العهد والرئيس بري سيكون الطرف الأساسي في عميلة تشكيلها»، موضحة أنّ موقف حزب الله وحركة أمل سيكون موحداً تجاه عملية تسمية رئيس الحكومة وتوزيع الحصص والبيان الوزاري».

عون رئيساً من الدورة الأولى؟

وفي غضون ذلك انشغل الوسطان السياسي والإعلامي باحتساب عدد الأصوات التي سينالها المرشحان عون وفرنجية في جلسة الاثنين. فقد نشر النائب ألان عون عبر حسابه على «تويتر» صورة تجمعه بالعماد عون معلقاً: «عم نعدّ النواب… طلعنا مرتاحين وأكثر!»، مرفقاً التعليق بوجه ضاحك.

ورجحت مصادر تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن يفوز عون من الدورة الأولى ما يعطي قوة دفع وانطلاقة قوية للعهد الجديد ويمنحه حاضنة شعبية ونيابية وسياسية ووطنية واسعة».

ونفت المصادر ما يتمّ تداوله عن أنّ عضو التكتل النائب فادي الأعور سيصوت ضدّ العماد عون»، مؤكدة أنه سيصوت لعون»، ولفتت الى أنّ النائبين مروان حمادة وفؤاد السعد سيصوتان ضدّ عون إما لفرنجية وإما بورقة بيضاء».

الحريري: سأبقى مع بري ظالماً أم مظلوماً

وأكد الرئيس سعد الحريري «انني أحترم رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو صديق وأخ كبير وسأبقى معه ظالماً أو مظلوماً، مشكلته ليست معي بل لدى أحد آخر، ورفضه لعون موقف سياسي اختاره ولكن يمكن هو ليس قادراً على مواجهة من أوصلنا الى هنا فـ«عم بفش خلقو فيّي، بس هوّي بمون».

وفي حديث تلفزيوني، أوضح الحريري أنني نسّقت مع بري قبل مبادرتي وأبلغته سابقاً أنّ هذه الحال لا يمكن أن تستمرّ. وقلت له بعد 9 أشهر من مبادرتي بترشيح النائب سليمان فرنجيّة، وسألته هل من مخرج من أجل انتخابه رئيساًً؟ لكنني لم ألق جواباً لذا أبلغته انني ذاهب للتفاوض مع العماد عون».

ولفت الى أنّ «عون يعرف ماذا يريد أن يفعل من أجل البلد، ويعرف أنّ هناك صعوبات وتحديات كبيرة»، مشيراً الى أنّ «المجتمع الدولي يريد رئيساً للبنان أكثر من اللبنانيين. وعندما فاتحت السعوديين بخياري لم يُفاجأوا، فاستقرار لبنان وازدهاره وثبات اتفاق الطائف هو انتصار للسعوديّة».

وأوضح الحريري «أنني لم أقم بتفاهمات ثنائية للطعن بأحد، بل قمت بها من أجل مصلحة البلد، وهذه التفاهمات لها علاقة بحماية البلد والطائف، تطرقنا الى حكومة الوحدة الوطنية ولم نتطرق الى قانون الانتخاب ولم نتكلم عن قانون الـ60 أو تأجيل الانتخابات».

وشدّد على أنّ الحكومة اللبنانية سيكون قرارها واضحاً ونحن نرفض أي تدخل في أيّ شؤون عربية».

وأكدت كتلة «المستقبل» النيابية خلال اجتماعها في «بيت الوسط» برئاسة الحريري، دعمها خيار الرئيس الحريري تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهوري».

زيارة السبهان تغطية على هزيمة السعودية

والى ذلك، واصل الموفد السعودي الى لبنان ثائر السبهان في اليوم الثاني لزيارته مروحة لقاءات على القيادات اللبنانية، فجال برفقة القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد البخاري، على الرؤساء سعد الحريري، فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، النائب جنبلاط، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، العماد عون ثم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، ثم التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

وقال مصد نيابي لـ«البناء» أنّ «اللقاء بين عون والموفد السعودي كان جيداً وتقديم الموفد درعاً لعون له رمزية ومعنى سياسي، وبالتالي هدف الزيارة مدّ جسر التواصل مع رئيس الجمهورية العتيد وتغطية سعودية للعهد الجديد»، وتوقعت المصادر أن ينطلق العهد بمسار إيجابي»، لكنها لفتت الى بعض العقبات مع الرئيس بري والنائب فرنجية يجري العمل على تذليلها».

وقالت مصادر أخرى لـ«البناء» إنّ «الموفد السعودي يظهر أنّ السعودية حاضرة في قلب المشهد اللبناني وأظهرت أنّ ما روّج بعد زيارتي الوزير أبو فاعور من أنّ المملكة لا تؤيد التسوية الرئاسية أثبت عدم صحته، فالمملكة منذ الأساس داعمة للتسوية الرئاسية ولحركة الحريري لكنها في المقابل تريد إظهار أنّ الرئاسة شأن لبناني لتغطية تورّطها في تعطيل انتخاب عون طوال عامين ونصف العام»،

وبيّنت المصادر أنّ «توقيت الزيارة واللقاءات البروتوكولية وحفلة التقاط الصور وتبادل الهدايا بين الموفد السعودي والقيادات اللبنانية ومن دون إدلائه بأيّ تصريح محاولة لإظهار أنّ السعودية لا تشعر بأيّ هزيمة سياسية لها في لبنان من خلال قبول الحريري بمرشح حزب تقول عنه بأنه إرهابي».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى