هل يفسح خلاف أوباما ونتنياهو مجالاً لحماس؟

إبراهيم علوش

ليس كل شيء على أحسن ما يرام في علاقات إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو، فاليمين الصهيوني المتطرف غالباً ما يتصرف مثل «الولد الأزعر» الذي يتسبب بالإحراج والمشاكل لعائلته الإمبريالية، فدماء أهل غزة لم تجفّ بعد، وها هي قصة «الاستيطان» السرمدية تعود لترفع عقيرتها بعد مصادرة آلاف الدونمات في الخليل وبيت لحم، في حين تسعى إدارة أوباما إلى تشكيل تحالف عربي-إسلامي بذريعة مواجهة «داعش».

اليمين الصهيوني لا يترك لحلفاء أميركا العرب ما يحفظ ماء الوجه، فعقيدته الأمنية ترهن وجوده بقدرته على «تكسير رؤوس» اللاعبين الصغار والكبار جميعاً بشكل مزاجي تقريباً، أما الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي فيريان تقديم تنازلات تافهة من نوع «تجميد الاستيطان» لتسكين الملف الفلسطيني في لحظات مفصلية في المنطقة، من نمط «استحقاق أيلول» إبان العدوان على ليبيا إلى «مبادرة كيري» خلال التحضير للعدوان على سورية، لكن أنّى لليمين الصهيوني أن يتخلى عن نظرته الضيقة والأحادية لأجل المصالح العليا للإمبريالية العالمية، التي تمثل مصلحة الكيان الصهيوني أيضاً بحسب بعض الأحزاب الصهيونية مثل «العمل» و«الحركة» و«هناك مستقبل» وغيرها.

أن يقوم أوباما بحظر شحن صواريخ للكيان الصهيوني في خضم العدوان الصهيوني ليس بالأمر الهين، وأن يشكل واجهة يهودية مثل «الشارع اليهودي» J-Street لـ«مباطحة» اللوبي الصهيوني في ملعبه ليس باللعبة الافتراضية، وأن تندفع دولٌ أوروبية لفرض عقوبات على مستعمرات الضفة الغربية، وأن تصدر انتقاداتٌ أوروبية حول حقوق الإنسان أو بناء المستعمرات وتوسعتها أو تهديم المنازل الفلسطينية أو وقف «محادثات السلام»… ذلك كله يدلّ على أن هناك في الغرب من ضاق ذرعاً بإفراط اليمين الصهيوني باستخدام الشدة إذ يقتضي الأمر استخدام اللين، ما ينعكس سلباً على المصالح العامة للإمبريالية.

لا بد من التأكيد هنا، حتى لو كان الأمر واضحاً، على أن المشكلة تتعلق ببعض سياسات اليمين الصهيوني، فهي لا تمس من قريب أو بعيد التزام الغرب بالكيان الصهيوني وأمنه ووجوده، كما أنها لا تمس المصالح الإمبريالية في الهيمنة وسحق الشعوب ومنع الوحدة والتحرير والنهضة، فالعلاقة الصهيونية-الإمبريالية تبقى علاقة عضوية، وعلاقتنا مع الطرف الأميركيّ-الصهيوني لا يمكن إلا أن تكون علاقة تناحرية ما دمنا نعبّر عن مصلحة الأمة وما داموا إمبرياليين وصهاينة، إنما يدور الحديث عن بعد خلافي محدد في العلاقة الإمبريالية مع اليمين الصهيوني ببرنامجه الراهن.

أساس المشكلة أن الإمبريالية بعيد رئاسة بوش الابن الثانية، بعد العراق وأفغانستان، باتت ترى إعادة توجيه أولوياتها في السياسة الخارجية نحو احتواء صعود دول البريكس، خاصة الصين وروسيا، ولذلك اعتبرت أن تركيزها يجب أن يتمحور على «الشرق» لا على ما يسمى زوراً «الشرق الأوسط». اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة واليمين الصهيوني اعتبرا ذلك «خيانةً» لـ«إسرائيل»، وعندما اقتضى احتواء البريكس، بعد مرحلة «الحرب على الإرهاب»، إعادة إحياء تحالف «الحرب الباردة» مع بعض الحركات الإسلاموية جنّ جنون اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وراح يشير إلى باراك أوباما في وسائل الإعلام دوماً باسمه الأوسط «حسين»، وكذلك فعل يمين الحزب الجمهوري بالطبع، وأُثيرت قصص في الإعلام الأميركي عن عدم وجود شهادة ميلاد أميركية باسم باراك حسين أوباما، وبأنه مسلم، إلخ…

العبرة هي أن بعض الجهات المتنفذة في الغرب قد لا تكون منزعجة كثيراً من فشل المغامرة العسكرية الصهيونية في غزة. فليس هناك ما يعلّم التواضع مثل بعض الفشل، حتى لو كان المرء صهيونياً متغطرساً. وفي النهاية تنبع قوة الحركة الصهيونية العالمية من انسجامها مع مصلحة النظام الإمبريالي ككل، لا من العلاقات العامة على ما يعتقد التسوويون العرب، فإذا وصل الغلو والتمادي ببعض أقسام الحركة الصهيونية العالمية المندمجة عضوياً بالإمبريالية إلى عرقلة المشاريع الإمبريالية، فلا بد لها من أن تأخذ درساً في «الأدب» و«حسن السلوك» لا يقتل «الولد الأزعر» بل «يربّيه».

من الواضح في المقابل، أن أساس علاقة السعودية والمحور السعودي في الإقليم مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يقوم على مناهضة تقاطعات إدارة أوباما مع بعض الحركات الإسلاموية مثل «الإخوان المسلمين» وغيرهم، ومن الواضح أيضاً أن الحركة الصهيونية لا تتعارض مع سياسة إثارة الفتنة الطائفية في بلادنا ومشاريع التفكيك، بل تفيد منها وتغذيها، إنما المعارضة لسياسة إدارة أوباما في استبدال «الحرس القديم» في الأنظمة العربية بأنظمة حركات إسلاموية شعبوية، وما زيارات راشد الغنوشي لمعاهد اللوبي الصهيوني في واشنطن إلاّ محاولة بائسة للتخفيف من تلك المعارضة.

العبرة هي أنّ تنظيماً يوافق على دولة في حدود الـ«67»، لم يلقِ بجميع أوراقه في سلة التفاوض، مثل السلطة الفلسطينية، فيفقد تأثيره وفاعليته ووزنه، هو تنظيمٌ مرشحٌ بشدة لأن يلعب دوراً في الترتيبات الأميركية في المنطقة. فالقتال ضمن أفق تسووي بات ضرورةً أمريكية وأوروبية يصعب إعلانها مباشرة، فلا بد من أن يخفف من غلواء اليمين الصهيوني، من دون أن يقود إلى تهديم دولة «إسرائيل».

لا يعني ذلك بالطبع أن الغرب يمكن أن يثق بحركة إسلامية أو غير إسلامية مسلحة تقاتل «إسرائيل»، فثمة الكثير مما يتوجب أن تفعله لتحظى بثقة الغرب. غير أن مشروع «الدولة» بحد ذاته، في الظروف الواقعية التي تعيشها المنطقة، لا يمكن أن يعني إلاّ إيجاد موطئ قدم في الترتيبات الإمبريالية للمنطقة، والقتال بحد ذاته، مثلما قاتل أنور السادات عام 73 أو ياسر عرفات من قبل، لا يعني كثيراً إن لم يهتدِ بهدي برنامج للتحرير الكامل، ولا يمثل القول «والله نحن برنامجنا التحرير الكامل» موقفاً سياسياً لأن السياسة لا تقيم بالنوايا، ولو صدقت، فكل تنظيم أو شخصية فلسطينية تتبنى رسمياً برنامج «الدويلة» تمثل مشروعَ تفاهم مع الأميركيين واليهود كمقياس ثابت لا يقبل الزلل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى