الانتخابات الرئاسية الأميركية وديمقراطية «الكاوبوي»

د. قحطان السيوفي

العالم كله اليوم مهتم بانتخابات الرئاسة الأميركية. صراع مرير بين هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي شعاره الحمار ودونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري شعاره الفيل . هذا الصراع والسجال المثير للجدل، اخترق كلّ الحواجز والخطوط الحمراء.

المتتبع لهذه الانتخابات، لا سيما من خلال الإعلام الأميركي، قد يُصاب بالذهول والغثيان. هناك نفاق سياسي واضح لدى هيلاري كلينتون ولدى دونالد ترامب، لدرجة أنّ وسائل الإعلام الأميركية والصحافة هناك، صارت مجالاً واسعاً لعدم الموضوعية والنفاق السياسي.

نتحدث هنا عن وسائل إعلامية رصينة الى حدّ ما، في تغطية أغلب الأحداث التي تتعامل معها. قناة فوكس نيوز ضربت رقماً قياسياً في النفاق، من خلال خطاب متحيّز ومتحزّب.

مديح وموقف مساند للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، رغم عنصريته وكراهيته للمختلف عنه. وما تنقله قناة سي.أن.أن أو جريدة نيويورك تايمز من مديح وموقف مساند للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، رغم فسادها وتقلب مواقفها.

المتابع للمواقع الإخبارية المؤيدة لترامب، يرى العجب. هذا الإعلام لا مكان فيه لتحرشه وتاريخه المشين وكلامه البذيء. والإعلام المناصر

لكلينتون، يمارس الكذب والمراوغة والفساد والنفاق، الذي يتراكم يوماً بعد يوم، لما يتمّ تسريبه من مراسلات وما تمّ، حتى الآن، معرفته عن عشرات الملايين من الدولارات، التي جمعتها هي وزوجها، بطرق قد لا تقبل بها أيّ دولة لديها حدّا أدنى من الديمقراطية.

لقد سجل إعلام الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية، رقماً قياسياً في التحيّز والعبثية وفقدان النزاهة والموضوعية.

المراقبون يلاحظون عدم وجود خطوط حمراء في هذه الانتخابات، في دولة حاولت فرض هيمنتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية. وأيّ قراءة متعمّقة لتاريخ وخطاب هذين المرشحين، ستظهر لنا أنهما عديما الفكر النيّر ولا اعتبار لديهما لأيّ خطوط حمراء، حتى تلك المتعلقة بالأخلاق العامة.

الكثير من المحللين يرون أنه في أيّ ديمقراطية عادية، ربما كان المرشحان يقبعان وراء قضبان السجن، لما اقترفاه ولما تفوّها به، كما جاء

في بعض الصحف العالمية.

مشهد الانتخابات الأميركية يشير الى أنّ السلطة الرابعة الإعلام التي كان يفترض إنها حارسة الحرية والديمقراطية، شوّهها المرشحان وصارت إما مع أو ضدّ.

وسائل الإعلام الأميركية منقسمة. وكم كانت الصفحة الرئيسة في «نيويورك تايمز» مُقزّزة، عندما أعلنت بالخط العريض وفي أعلى صدر صفحتها الأولى، فوز كلينتون ونحن على مسافة أسبوعين من الانتخابات، استناداً إلى بعض استطلاعات الرأي.

وكم كانت «فوكس نيوز» مُقزّزة أيضاً، عندما أعلنت أنّ حظوظ ترامب في الفوز واضحة أيضاً، استناداً إلى استطلاعات الرأي الخاصة بها.

بشكل عام، فإنّ الناخب الأميركي، الذي سيدلي بصوته، لن يختار الأكفّأ والأكثر نزاهة وحكمة، بل سيختار أهون الشرين في رأيه.

في المقابل، هل هناك من اقتصاديات تحكم عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

هل يمكن تطبيق فكرة السوق على عملية الانتخابات؟ الإجابة بالطبع نعم. في سوق الانتخابات لدينا طرفان، المرشحون وحملة الأصوات، الذين لهم حق التصويت.

يمكن أن نتصوّر أنه في سوق التصويت، تجري عملية بيع وشراء الصوت. بالطبع، عملية الشراء هنا، ليست مقابل مال وإنما مقابل برنامج أو سياسة، سيطبقها الحزب أو المرشح.

في مواجهة هذا، قد يقرّر بعض الناخبين البقاء بعيداً عن صناديق الاقتراع، أو حتى عن العملية السياسية برمتها. وهي ظاهرة يسمّيها الاقتصاديون «الجهل العقلاني».

مناظرات الانتخابات الرئاسية تُمثّل ديمقراطية «الكاوبوي» الأميركية في أفضل حالاتها. المناظرة الثانية بين هيلاري وترامب، تركّزت حول الاتهامات الدنيئة من قبيل: الاعتداء الجنسي، التهديدات، الأكاذيب والاحتقار المتبادل.

في مرحلة، أثناء المناظرة، تبجّح ترامب بأنّ هيلاري ستكون «في السجن» لو كان مسؤولاً عن النظام القانوني.

مناظرة الانتخابات الرئاسية الثانية، كانت بمثابة إعلان ضعيف بشكل يائس، عن الديمقراطية الأميركية. ترامب يرش أكاذيب منتنة الرائحة، ضدّ أعدائه. كما جاء في «الفاينانشال تايمز». طريقته وأكاذيبه مفضوحة إلى درجة أنّ الحقيقة تبدو ببساطة وكأنها تُدفن وسط مجموعة من الأكاذيب.

في المقابل، السياسة الأميركية سبق وأنتجت أشراراً وأحداثاً مثيرة من قبل، منها فضيحة ووتر غيت التي أظهرت «رجلاً سيئاً» يطلق تصريحات مخزية في تسجيل سري. غضب كثير من الأميركيين من الألفاظ النابية ونزعة التهكم لدى ريتشارد نيكسون، رئيسهم.

ترامب وهيلاري أدخلا النظام الأميركي في حالة ارتباك، تاركين الصحافة والإعلام يتخبّطان. ومن الصعب مسح ذكرى الحملة الرئاسية التي قدّمت صورة عن ديمقراطية الولايات المتحدة، المضطربة والمنقسمة والواهمة. السنوات الأربع المقبلة ستكون قاسية على أميركا والعالم، لأننا سنكون وجهاً لوجه أمام ديمقراطية الكاوبوي.

كاتب وباحث سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى