إضاءة
أحمد طيّ
قليلةٌ هي الفرص التي تواتيني كي أشاهد نشرات الأخبار لا سيما على المحطات اللبنانية. وإذا حظيت بفرصة ما، أجدُني متنقّلاً بين محطّة وأخرى، لا حبّاً بسماع الأخبار السياسية، إنما لأقفر الفرق في تقديم هذه الأخبار، أو لمشاهدة تغطية حدثٍ مهمّ حصل في ذلك اليوم.
أمس، كانت فرصتي كافيةً لأشاهد كيف تعاملت قنوات التلفزة اللبنانية مع مصابٍ وطنيّ جلل، المتمثّل برحيل الموسيقار الكبير ملحم بركات. ولهذا التعامل سنفرد حيّزاً إضافياً في مقالٍ آخر، إذ إنّي سأتحدّث عن خبرٍ ورد ضمن نشرة أخبار قناة «الجديد» مساء السبت، ظنّت مقدّمته الزميلة كريستين حبيب، أنّه سيمرّ مرور الكرام، لكن هيهات، لم يعد مسموحاً أن يُخدَع المشاهدون بأخبارٍ واهية قديمة ولّى عليها الزمن.
المشكلة لم تكن في الخبر الذي قدّمته كريستين حبيب، التي هي ـ للصدفة ـ شاعرة أو هاوية نَظم الشعر. الخبر كان عن جمعيةً نظّمت فعالية تحت عنوان «اسرق كتاباً»، تشجيعاً للقراءة والمطالعة.
حسناً، الفعاليات المؤدّية إلى زيادة نسبة المطالعة والمطالعين «على راسنا من فوق»، مهما اختلفت الأساليب والخلفيات طالما الهدف واضح. ومشكلتنا ليست في الفعالية والخبر «الصحافي» عنها كما أسلفت، إنما المشكلة في المقدّمة التي استهلّت بها حبيب الخبر، مستندة إلى إحصائية سلبية عفا عليها الزمن وصارت في خبر كان منذ أكثر من عشر سنوات. وتلك الإحصائية التي تُنسب إلى منظمة «يونيسكو»، تدّعي أن الإنسان العربي يقرأ في السنة ربع صفحة مقارنةً مع الفرنسي والأميركي اللذين يقرآن عدداً من الكتب سنوياً. كما تدّعي الإحصائية التي أحيتها كريستين حبيب، أنّ الطفل العربي يقرأ سنوياً سبع دقائق فقط!
عجبي!
هل تعلم الزميلة الشاعرة أنّ لبنان وحده شهد نهضةً منقطعة النظير خلال السنوات الـ13 الماضية على صعيد التأليف والنشر وافتتاح المكتبات العامة في المدن وفي القرى البعيدة إلى أن وصل عددها إلى أكثر من 180 مكتبة؟
هل تعلم كريستين حبيب أنّ هذه المكتبات تعمل ضمن منظومة إعارة كتب عالمية، تفضي إلى معرفتنا بعدد مرتادي هذه المكتبات يومياً وأسبوعياً وشهرياً وسنوياً، وأيضاً إلى معرفتنا بعدد الكتب التي أعيرت، وعدد الكتب التي قُرأت؟
هل تعلم زميلتنا العزيزة أنّ هذه المكتبات العامة تنظّم فعاليات قرائية وأمسيات شعرية وتظاهرات ثقافية دائماً؟
هل «تفركشت» الزميلة الشاعرة بتظاهرة ثقافية سنوية تنظّمها وزارة الثقافة كلّ نيسان بالتعاون مع «الهيئة اللبنانية لكتب الأولاد» ودور النشر والمكتبات العامة ومكتبات البيع، وتُسمّى «الأسبوع الوطني للمطالعة»؟
هل اطّلعت الزميلة العاملة في قناةٍ تدّعي أنّ أخبارها استقصائية إلى حدّ ما، على إحصاءات وزارة الثقافة في ما يخصّ الكتب المُعارة في المكتبات العامة، والكتب التي تحصل على الترقيم الدولي «ISBN»؟
هل أجرت زميلتنا قبل إحياء عظام الإحصائية الرميم، تحقيقاً استقصائياً بسيطاً يستهدف مكتبات البيع الكبيرة والصغيرة، وأكشاك الكتب في المدن، لتعرف إن كانت حركة بيع الكتب بخير، ومن ذلك تستنتج أنّ القراءة في لبنان بخير، وتستلزم إحصائية دقيقة لندفن إحصائية «يونيسكو» إلى الأبد.
لن نتحدّث عن جميعة «أنا أقرأ» في لبنان ونشاطها المستمر، ولا عن جمعية «السبيل» النشيطة دائماً، ولا عن مشروع «تحدّي القراءة العربي» الناجح بامتياز. فقط نقول لزميلتنا العزيزة، أن تبحث عن المعلومات لتتحفنا بخبر أو مقدّمة خبر صحيحين، وألّا تحكم على القراءة في لبنان أو العالم العربي سلباً إن لم يحظَ ديوان ما بحركة بيع سليمة… المشكلة ساعتئذٍ يا عزيزتي لا تكون بالقارئ أو المواطن… المشكلة تكون في الكتاب الذي نقدّمه للقارئ أو المواطن.
أخيراً، لا بدّ من إشارة إلى أنّ المصيبة عظيمة إن كانت الزميلة كريستين هي من حرّرت الخبر مع مقدّمته، أما إن كان قسم الأخبار في «الجديد» «بأمّه وأبيه»، هو المسؤول عن تحرير الخبر إياه، فالمصيبة أعظم!