النحات نزار علي بدر أعمالٌ بالآلاف تحكي وجع السوريين
على سطح منزله الكائن في الضاحية الجنوبية في مدينة اللاذقية، جمع النحات نزار علي بدر أطناناً من الحجارة الصغيرة والمتوسطة الحجم من جبل صافون أو الأقرع شمال اللاذقية، مجتازاً أكثر من ستين كيلومتراً في كلّ مرّة ليصل إلى تلك البقعة التي كانت شاهدة على حضارة أوغاريت، والتي يعتبر بدر نفسه متحدّراً منها ومتجذّراً فيها.
ويوضح بدر خلال حديث إلى وكالة «سانا» السورية، أنه يقضي ساعات طويلة يومياً في تشكيل حجارة جبل صافون الذي أصبح لقباً يكنّى به ويوقّع أعماله بِاسمه، ليرسل في كلّ عمل فنّي رسالة إنسانية تحكي حكاية وطنه سورية، مثبتاً أصالة فنانها وعمق جذوره الضاربة في التاريخ. فاستطاع على مدى نحو ستّ سنوات من عمر الحرب على سورية، تشكيل أكثر من خمسة وعشرين ألف عمل فنّي قام بتوثيق الكثير منها بالتصوير الضوئي لأرشفتها وخلق ديمومة لها، مشكّلاً مدرسة فنية جسّدت الأزمة فى سورية بمختلف مراحلها.
ويؤكّد بدر أنه سخّر الفنّ لخدمة وطنه محاولاً تصوير وجع السوريين، لا سيما الفقراء منهم الذين كانوا وقوداً لهذه الحرب وعماد الدفاع عن الوطن في وجه مؤامرة استهدفت وجودهم وحضارتهم. مبيّناً أنه يسعى من خلال الأحاديث الصحافية التي يدلي بها إلى وسائل إعلامية عالمية، إلى دحض المزاعم الغربية تجاه سورية.
ويشير بدر إلى أن علاقته مع أحجار جبل الأقرع بدأت قبل أكثر من ثلاثين سنة، مطوّراً خبرته في التعامل معها ومعرفة أماكن وجودها باختلاف ألوانها وأشكالها وتركيبتها وشكلها وملمسها ولونها الطبيعي، من دون أيّ تدخّل منه، فيقضي وقتاً طويلاً للحصول على الحجارة الصغيرة التي تتلاءم مع فكرة معيّنة في ذهنه لينظّفها ويفرزها وينسّقها ليشكّلها كما يريد، ويعيد الكثير منها إلى مصدرها الأصلي بعد استعمالها لتتلاحم مع الطبيعة من جديد وتكتسب خصائص جمالية منها.
ويشكّل الإيحاء أساساً لعمل الفنان بدر الذي يرى في تشكيلاته ضمير كلّ إنسان سوريّ محبّ لوطنه ويضيف قائلاً: وصلت إلى ما أنا عليه الآن من الانتشار ومحبّة الناس في سورية وخارجها نظراً إلى الصدق في طرح الأفكار، واحترامي عقلَ الجمهور. فأنا أخلق صوَراً فنية من تراب هذا البلد، من دون أن تكون لي أيّ دوافع تجارية، لتكون لي بصمتي الخاصة ولأكون محافظاً على أسلوبي لأنّني أعمل بروحي قبل يدي.
وعن معرضه الذي يقام حالياً في المتحف الوطني في اللاذقية كتكريم له من وزارة السياحة السورية، يوضح بدر أنه قدّم خلاله مجموعة كبيرة من أعماله النحتية التي تُبرز تقنياته الفنية في تطويع الحجارة على اختلاف أنواعها، لا سيما البازلتية القاسية لإظهار تشكيلات المجتمع بنسائه ورجاله والإضاءة على الحزن الذي يعيشه السوريون في أزمتهم.
ويلفت بدر إلى أن المعرض تضمّن أيضاً عرضاً لفيلم تسجيليّ لمخرج إيطالي أعجب بتجربته وعمل على إنتاج فيلم عنها، معتمداً على أكثر من 120 تشكيلاً من أعماله بمرافقة موسيقى تصويرية انسجمت مع روح الفيلم ومضمون الأعمال المنتقاة.
ويؤكد بدر أن أعماله نتاج أكثر من 25 سنة من العمل المتواصل لم يبع منها شيئاً حتى الآن، لأنه يريد أن تبقى إرثاً فنّياً للأجيال الصاعدة. مبدياً استعداده لتقديمها إلى جهات عامة لتضعها في مكان يليق بها، أو تباع ليخصّص ريعها لدعم أسَر الشهداء وذويهم.
ويأبى الفنان بدر مغادرة سورية على رغم العروض التي قدّمت له لنقل إقامته وتعميم تجربته في دول أوروبية مختلفة، ويفضّل أن ينشر تجربته بين تلامذته السوريين، وأن يقيم وُرَش عمل للأطفال لتعريفهم بأسلوبه الفنّي. خاتماً حديثه بالقول: أنا سوري حتى النخاع ولا يمكنني أن أكون إلا سورياً منتمياً هذا الوطن وعاشقاً ترابه.