الديمقراطيون الجدد و«الحرب العادلة» ضدّ الهمجيّين
عامر نعيم الياس
مع انتهاء الحرب الباردة «الأولى» في تسعينات القرن الماضي، برزت توجّهات سياسية متنوّعة تتذرّع بضرورة السلام الدائم والاعتماد على السوق لتحريك ديناميات التغيير، إلى جانب مؤسّسات تدعى «بالمجتمع المدني» التي قادت الحراك الانقلابي في أكثر من دولة ضدّ أنظمة وصفت حينذاك بالشمولية. قاد هذه الحركة القانونية إن أردنا توصيفها بدقة، مَن سُمّيوا بـ«الديمقراطيين الجدد»، ووُصفوا أيضاً بـ«الليبراليين الجدد». شخصيات قادت العالم، وعلى رأسها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي قال: «إن الأنظمة الديمقراطية لا تتحارب، وبالتالي فإن الفكرة المثالية المتعلقة بسلام عالمي ديمقراطي صارت اليوم جزءاً من أفقنا الإيديولوجي».
منذ ست سنوات، تولّى الرئيس باراك أوباما سدّة الرئاسة في البيت الأبيض. رأى البعض في وصوله إلى الحكم، انقطاعاً هاماً مع مرحلة جورج بوش الابن، وذلك لسببين أساسيين:
الأول: أنّ الرئيس الأفريقي الأميركي جاء إلى الحكم عبر برنامج انتخابيّ يقوم على أساس انسحاب الولايات المتحدة من مستنقَعَيْ العراق وأفغانستان، وإغلاق معتقل غوانتانامو، والالتفات إلى الداخل الأميركي لتحسين الوضع الاقتصادي الذي عانى تداعيات كارثية لإدارة المحافظين الجدد السابقة.
الثاني: الرئيس أوباما رجل قانون متأثر بالتجربة الكلينتونية في الحكم، وبالتالي فهو أقرب إلى دسترة أيّ خطوة يريد القيام بها وقوننتها، سواء على المستوى الداخلي، أو على المستوى الدولي، وبالتالي فإنه ينتمي إلى مدرسة الديمقراطيين الجدد.
فمن هم الديمقراطيون الجدد؟
مجلة «ضفاف» السورية أوردت في أحد مقالاتها المترجمة التعريف التالي: «يهتم الديمقراطيون الجدد بمسألة حقوق الإنسان، وهم مقتنعون بأن اللجوء إلى العنف يضرّ بالأهداف المرجوّة حتى لو كانت نبيلة، وهم يرون أنه تتوافر على الدوام وسائل أفضل من الحرب في إطار نظام عالمي جديد يسعى إلى أن يكون أكثر تحضراً، ويتنامى فيه عدد الدول الميّالة إلى الحكم الديمقراطي التعدّدي. كما أنهم مؤمنون بأهمية المجتمع المدني بالنسبة إلى قضيتَيْ التقدّم والديمقراطية. وعليه فإن المجتمعات المدنية المحلية صارت اليوم قادرة على الاستناد إلى مجتمع عالمي جديد في سبيل الفوز بالرضا عن قناعاتهم الأكثر تبريراً، وبفضل الشكل الحالي للنظام الدولي بمختلف هيئاته من الأمم متحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية وصندوق النقد الدولي، والمنظمات غير الحكومية، فقد صار بالإمكان الضغط على الدول بخلاف حركات التمرّد، إذ إنّ من المتاح فرض شروط تجبر تلك الدول على الرضوخ للمطالب الديمقراطية، لا بل على دعم المجتمعات المدنية التي تشيد بها الوثائق الدولية».
إننا هنا في مواجهة نمط تفكير يستند في مجمله إلى وضع من يخالف الإرادة الأميركية في مواجهة خيارين، فإما الرضوخ وقبول التغيير على قاعدة المشاركة في الحكم وتغيير مفاهيمه وتوجّهاته وعقيدته وسياساته، وإما استبدال النظام عبر الدعم القانوني الدولي والاقتصادي العالمي لما يسمى بحراك المجتمع المدني. لكن الشرط الوحيد لتطبيق هذه الاستراتيجية، يتمثل بالدول لا حركات التمرّد، فما الذي حصل مع الربيع الأميركي في المنطقة؟ هل نجحت خطة استبدال الأنظمة بأنظمة أخرى، أم أنّ البديل في بعض الحالات كان الفوضى وخطر انفلات حركات «التمرّد» ذات الهوية الطائفية الإلغائية؟
«الحروب العادلة» تقوم على فكرة الفرز بين من هو داخل العالم المتحضّر، والآخر البربري، مع ما يحمله ذلك من تبرير لاستخدام مختلف صنوف القوة، والانقلاب على فكرة العالم الديمقراطي أو العالم الخالي من الحروب بحجة العمل على إعادة من هو خارج المجتمع المثالي للديمقراطيين الجدد إلى الطريق الصحيح. إلّا أنّ هذه العملية قد تستغرق وقتاً وتتطلّب تدميراً هائلاً من غير الممكن السكوت عنه، سوى بتضخيم الخطر على الحالة الديمقراطية والمثل العليا الإنسانية وعلى الأمن والسلم الدوليين، إلى مستويات لا سابق لها، خصوصاً أمام الرأي العام الدولي والرأي العام المحلي في الدول الكبرى.
وهنا تحضر حالة «داعش» وحرب الاستنزاف الطويلة باعتبارها النموذج الأقرب للمطابقة العملية لتوصيات استراتيجية الديمقراطيين الجدد. وبالعودة إلى مجلة «ضفاف»، «هناك من يمدح التحضيرات لحرب عادلة ضدّ التهديدات الجديدة، خصوصاً ضد الدول المارقة، ويشيد بهذه التحضيرات. إن المستبعدين عن النظام العالمي الجديد يصبحون منتمين بشكل حقيقي إلى عالم مختلف غير مفهوم وهمجي، وينتج عن ذلك نوع من القبول بحلول جراحية قد تكون جذرية عندما يتعلق الأمر بمصلحة الديمقراطية والإنسانية، بحيث تصبح الخسائر البشرية أضراراً جانبية».
كاتب سوري