العدالة والتنمية… هل يقود تركيا إلى جحيم الفوضى والتقسيم؟

هشام الهبيشان

في هذه المرحلة، يبدو واضحاً لجميع متابعي تداخلات الفوضى في الحالة التركية، أنّ النظام التركي أصبح يعاني من حالة فوضى، باتخاذ القرارات الخارجية، خصوصاً بعد غزو القوات التركية للأراضي السورية والعراقية ومن تخبّط وأزمة داخلية يصعب تجاوزها الآن، خصوصاً بعد تكثيف الاعتقالات لمعارضي النظام التركي، بحجة مشاركتهم بـ «مسرحية الانقلاب المفتعل».

داخلياً، في هذه المرحلة تحديداً، يؤكد معارضو النظام التركي أنّ الدولة التركية تعاني من أزمة اجتماعية، أمنية، اقتصادية، ثقافية وسياسية مركبة، فهي اليوم تعيش كدولة على وقع أزمة أمنية عاصفة، تتزامن معها أزمة اقتصادية خانقة، خصوصاً بعد الأرقام الاقتصادية السلبية، التي ظهرت أخيراً والتي رافقتها سياسة قمعية ينتهجها النظام التركي ضدّ معارضيه. هذه المؤشرات تؤكد، بحسب معارضي النظام التركي، أنه بات يمرّ بأزمة ثقة خارجية وداخلية، خصوصاً بعد أن تبخّرت أحلام تركيا في أن تكون واحدة من دول الاتحاد الأوروبي. وعلينا ألا ننسى هنا، أنّ تركيا بدأت تعاني، في الفترة الأخيرة، من عزلة إقليمية وضغوط دولية، بعد فشل الرهان على «الإخوان» في مصر وعدم حدوث اختراق ملموس في الملف السوري، الذي كانت لها فيه مساحة نفوذ كبيرة ودور بارز في تطور أحداثه المتلاحقة، على الأرض السورية، من خلال دورها في دعم المجموعات الإرهابية.

بالإضافة إلى كلّ ذلك، يعاني الشعب التركي من أوضاعا اقتصادية صعبة، فبعض مكونات الشعب التركي تعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، فلا يغرّ البعض إنْ شاهد حجم العمران واتساعه ونشاط الاقتصاد المحتكر الضيّق. ويعلم أغلب المطلعين على الخفايا، خصوصاً الاقتصادية ويدرك الخبراء الاقتصاديون حجم الأزمة الاقتصادية، في الداخل التركي، التي تحاول الحكومة التركية ومن أمامها الرئيس التركي أردوغان، إخفاء حقيقتها عن الشعب التركي، الذي بات يشعر بنتائجها في شكل ملموس، في الفترة الأخيرة تحديداً. فهناك تقارير غير رسمية، تشير اليوم إلى وصول ما مجموعه 31 في المئة من أصل مواطني المجتمع التركي، إلى حدود معدلات خطوط الفقر و12 في المئة إلى ما دون معدلات خطوط الفقر، في بعض المدن التركية، خصوصاً المدن التي يقطنها الأكراد في شرق وجنوب شرق تركيا: ديار بكر، موش، بينغول، أورفة، عنتاب وبطمان. ففي هذه المدن يظهر، بشكل واضح، ازديادا في عدد مناطق جيوب الفقر فيها، وعلى هذا، يتمّ قياس معدلات البطالة والتضخم ونمو الاقتصاد وحجم الأزمات الاقتصادية مجتمعة، المتولدة عن هذه الأرقام في عموم هذه المدن والمحافظات التركية الـ81 الأخرى.

داخلياً، أيضاً، أصبح واضحاً في الفترة الأخيرة، أنّ الكثير من المؤسسات والجمعيات والأحزاب ووسائل الإعلام المعارضة، في الداخل التركي، باتت تفتقد إلى أدنى حقوقها السياسية والإعلامية وحقها في التعبير عن آرائها وامتلاك حريتها، كلّ ذلك، يتمّ بحجج واهية، هي شماعة المشاركين بـ «مسرحية الانقلاب المفتعل». والهدف من وراء ذلك، هو كمّ الأفواه المعارضة والتشديد على عمل وسائل الإعلام المعارضة، التي بدأت، في الفترة الأخيرة، بالكشف عن الكثير من ملفات الفساد المتعلقة بالحكومات التركية المتعاقبة، التي يقودها، أو يشرف عليها، منذ سنوات، «حزب العدالة والتنمية» الذي وصل إلى الحكم في تركيا عام 2002.

إنّ مجموع هذه الملفات، في هذه المرحلة الاقتصادية والأمنية والسياسية والقبضة البوليسية ومصادرة حرية الشعب التركي، بحجج واهية، بالإضافة إلى الاتهامات العالمية للنظام التركي بتمويل الإرهاب في سورية والعراق تحديداً، هذه بمجموعها، بالإضافة إلى الأحكام الجائرة بحقّ المعارضين للنظام التركي، تطرح مجموعة تساؤلات عن المصير المستقبلي للدولة التركية ككلّ، إنْ كان هذا النظام سيأخذ البلاد بكاملها، مستقبلاً، إلى حالة الفوضى وإلى المزيد من تعميق حالات الانقسام المجتمعية في الداخل التركي، عرقياً وطائفياً وإلى المزيد من التضييق على معارضي هذا النظام.

ختاماً، إنّ المرحلة المقبلة، في الداخل التركي، تنبئ بمزيد من التعقيدات الشائكة في الحالة التركية، خصوصاً بعد أخذ النظام وسيلة القمع وتشديد القبضة البوليسية على معارضيه، كخيار مستقبلي قابل للتطبيق في جميع المراحل، ما سيعمّق حالة الشرخ بين النظام التركي وبين مكونات كثيرة من عموم الشعب التركي، خصوصاً مع الأكراد، الذين باتوا يضيقون ذرعاً من سياسة النظام التركي نحوهم وهي سياسة تهميش وإقصاء كما يتحدثون. ومن جهة أخرى، بات واضحاً، أنّ النظام التركي بدأ بمعاقبة حلفائه، قبل أعدائه، في الداخل والخارج التركيين، ما يثبت أنّ النظام التركي بات فعلاً، يمرّ بمرحلة صعبة، فهل سيستطيع أن يعبرها بأمان؟ والإجابة هنا متروكة للأيام المقبلة، لعلها تعطينا إجابات واضحة عن طبيعة المسار المقبل للنظام التركي، لاستيضاح معالم المرحلة المقبلة في الداخل التركي وأثرها المستقبلي على النظام التركي وعلى الدولة التركية ككلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى