إضاءة
نصّار إبراهيم
«لماذا؟»، أداة السؤال الأكثر دهاءً ومكراً وخطورةً. فهي تمارس غوايتها بما يشبه مشاغبة الطفولة. قد تقف عند المباشر والسطحيّ والمعلَن من الأجوبة. ولكنها في اللحظة ذات ماهرة في الذهاب إلى العميق والمُضمَر الذي لا يصل إليه أحد سواها.
«لماذا؟»، أداة سؤال مدهشة، فهي عابرة للحدود، للسياسة والاقتصاد والمجتمع والنفس والعواطف والسلوك والثقافة والوعي، وعلم النفس، والفلك… وكلّ شئ.
قد تكون الإجابة على هذه الـ«لماذا؟» ضجيجاً شاملاً على مسرح الحياة، ولكن من دون أن تقول شيئاً جدّياً… مجرّد ثرثرات لا نهاية لها.
في هذه الحالة تتقدّم «لماذا» وتتحدّى: أنا لا أقصد هذه الإجابة أقصد الأخرى العميقة.
من يملك يا ترى الجرأة والعزيمة والوعي على الذهاب إلى التحدّي الحقيقي والعميق الذي تطرحه «لماذا» حيث يكون؟
لماذا يحدث هذا؟ لماذا لم يكن الواقع غير ذلك؟ لماذا الهزيمة؟ لماذا لم يتحقّق الانتصار؟ لماذا الانقسام؟ لماذا لم تتحقّق الوحدة؟ لماذا ينتصر العدو؟ لماذا التخلّف؟ لماذا الجهل؟ لماذا التبعية؟ لماذا الفساد؟ لماذا الفشل في الأسرة؟ لماذا الهبوط في الذوق؟ لماذا نحبّ هذا ونكره ذاك؟ لماذا ارتفاع الأسعار؟ لماذا البطالة؟ لماذا الفقر؟ لماذا النظام التعليمي هشّ إلى هذه الدرجة؟ لماذا العنف الاجتماعي؟ لماذا التطرّف والإرهاب؟ لماذا لا نستطيع الكلام؟ لماذا لا تعني المواطَنة ما ينصّ عليه الدستور؟ لماذا هذا هنا وهذا هناك؟ لماذا لا يفهم أحد ما تقول؟ لماذا ولدت لماذا لم تعترض؟ ماذا لو اعترضت؟ لماذا الصمت؟ لماذا تغضب؟ لماذا لا تغضب؟ لماذا السطحية في الوعي؟ لماذا النفاق… لماذا… لماذا … لماذا…. لماذا؟
و«لماذا» هذه من السهل الإجابة عليها، إنما من الصعب أن تكون الإجابة مقنعة.
فكل إنسان لديه الإمكانية للإجابة على «لماذا» بطريقتين وربما ثلاث أو أكثر، الأولى التي يقدّمها للعلن والأخرى التي يحتفظ بها في داخله. يعرفها هو فقط، لكنّه لا يعلنها حذراً، خوفاً، ضعفاً، مكراً، أو جبناً، وربما جهلاً بها أو خوفاً من نتائجها، وربما هناك أجابة هي مزيج غريب من هذا وذاك.
و«لماذا» هذه، تملك القدرة أيضاً على التوالد كالكائن الحيّ، ولديها القدرة على الانفتاح على سلسة أو متوالية لا نهائية من «اللماذوات»، لماذا مثلاً كلّ هذا القهر الاجتماعي؟ جواب: بسبب الفقر، مثلاً… ولماذا الفقر؟ جواب: بسبب ضعف الاقتصاد مثلاً… ولماذا الاقتصاد ضعيف؟ بسبب الفساد… ولماذا الفساد موجود؟ وهكذا…
عند هذه النقطة، أتوقف عن الكتابة وأنا أتساءل: لماذا كلّ هذا الكلام أعلاه عن لماذا؟ أجيب: لأن لماذا هي فاتحة الوعي.
طبعاً، هذا هو الجواب المعلن فقط… أما المضمَر فهو أمر آخر!