دلالات برنامجَيْ كلينتون وترامب تجاه سورية وروسيا

محمد شريف الجيوسي

أظهرت مناظرة جرت بين مرشحي الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب عقم السياسة وكبار السياسيين الأميركان، في التعاطي مع قضية كبرى كالحرب الإرهابية الدولية التي ما تزال تشنّ على الدولة الوطنية السورية منذ 5 سنوات و7 أشهر ونيّف، والتي تنعكس تداعياتها سلباً ليس على سورية فحسب بل وعلى الإقليم والعالم أجمع.

وهو الأمر الذي أكده أيضاً أندرو جيه. تابلر خبير الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى باعتبارها أزمة جيوسياسية أكثر إلحاحاً في العالم، عكست بحسبه مناظرتهما التعقيد الكئيب للنزاع، وقلصت الخيارات القليلة الممكنة للتعامل معه، والطبيعة المتسارعة للأحداث.

لكن تابلر فهم هذه الأهمية على نحوٍ عدائي ومقلوب لسورية، إذ يقول انه «حتى موعد الانتخابات الأميركية، سيتضوّر ربع مليون شخص جوعاً، وسيُجبرون على الاستسلام إلى الأسد والروس، وسيضطر الرئيس المقبل إلى التعامل مع الوضع في وقت قصير جداً».

من جهته قال فيليب إتش. غوردون، المنسق السابق لسياسة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، والذي يقدّم المشورة لحملة كلينتون أن «لا أحد لديه إجابة واضحة حول حلب».

وبحسب مارك لاندلير وديفيد إي سنجر، اللذين نقلا تفاصيل المناظرة، حاول كلّ من ترامب وكلينتون جاهدين لشرح الطريقة التي سيتبعانها للتعامل مع الحرب، فقد تنصّل ترامب من موقف مرشحه لمنصب نائب الرئيس، الحاكم عن ولاية انديانا مايك بينس المتشدّد تجاه روسيا، ودافع عن رؤية مختلفة الأهداف الاستراتيجية. معارضاً بذلك، التزام بينس الذي قطعه قبل 5 أيام فقط في مناظرته مع مرشح كلينتون لمنصب نائب الرئيس، تيم كين من فرجينيا، باستخدام الغارات الجوية ضدّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد رداً على ما وصفه الاستفزازات الروسية.

وأقرّ ترامب أنه يختلف في الرأي مع نائبه… معتبراً أنّ حلب «قد سقطت فعلياً»، ما يدلل على ضحالة ما يتوفر لترامب من من معلومات وهو ما أقرّ به.

وأشار غوردون إلى أنّ ترامب ليست لديه خبرة في غرفة العمليات للقيام بهذه الأحكام، يقصد تحديد خيارات عسكرية تجاه حلب، وظهر من خلال وصفه للسياسة التي سينتهجها في سورية أنه لم يكن محضّراً بشكل جيد، وكانت بياناته مليئة بالأخطاء المتعلقة بحلب.. وتبنى الحجة المقدّمة من قبل الرئيس السوري الأسد والرئيس الروسي بوتين بأنّ الحرب هي نزاع ثنائي بين الحكومة السورية والإرهابيين الإسلاميين.

ويرى ترامب، أنّ الهدف العسكري الوحيد للقوات الأميركية في النزاع السوري هو التركيز على داعش، وهو موقف قريب من موقف أوباما، الذي وجه البنتاغون بإبقاء اهتمامه على داعش، لأنّ داعش، وليس الأسد، من يشكل تهديداً مباشراً على المصالح الأميركية، بحسب توصيف غوردون لرؤية ترامب.

ويتابع ترامب: «في الوقت الراهن، تقاتل سورية داعش. ولدينا أشخاص يريدون محاربة كليهما في نفس الوقت»، وباختصار، لدينا ما يدعو للقلق من داعش قبل أن نصبح متورّطين بشكل أكبر.»

وأكد ترامب في مقابلتين أجراهما مع صحيفة «نيويورك تايمز»، خلال شهري آذار وتموز، أنه لا معنى لمحاولة الإطاحة بالرئيس الأسد إذا كان يحارب نفس العدو الذي تحاربه الولايات المتحدة.

ودعا بينس، الذي عمل لمدة 10 سنوات في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وتلقى مذكرات سرية عديدة، إلى عدم تمكين الروس من السيطرة على حرب بالوكالة في دولة صغيرة في الشرق الأوسط وإلى إبعاد بوتين لأسباب إنسانية واستراتيجية.

وقال ترامب في حديث أدلى به لصحيفة «التايمز» أنه سينظر في استخدام القوة الأميركية لمنع وقوع مأساة إنسانية، دون أن يأتي بأمثلة حول متى يمكن القيام بذلك.

وفي ما يتعلق بكيفية التعامل مع روسيا سعى ترامب باستمرار للتقليل من شأن التأثير الروسي، وتحدث عن بداية علاقة طيبة مع بوتين وتجاهل أيّ نقاش ضدّ إجراءات بوتين في سورية، أو حول محاولات ما يُقال إنه تخويف الدول السوفياتية السابقة، استونيا ولاتفيا وليتوانيا التي هي الآن جزءاً من حلف شمال الأطلسي.

وقال ترامب مرة أخرى إنه لا توجد أدلة على أنّ روسيا كانت وراء عمليات القرصنة على بريد اللجنة القومية الديمقراطية أو على رسائل البريد الإلكتروني لأميركيين بارزين، بما في ذلك بعض الجمهوريين.

وأضاف ترامب «أنا لا أعرف بوتين»، محاولاً وضع مسافة بينه وبين الرئيس الروسي، «لكنني لاحظت، أنّ أيّ خطأ يحدث، يقولون إنّ الروس وراءه»، وقال «إنها أيّ كلينتون لا تعرف ما إذا كان الروس هم من قاموا بالقرصنة. ربما لا يوجد قرصنة. لكنهم دائماً يلقون باللوم على روسيا. لأنهم يعتقدون أنهم بذلك يشوّهون موقفي من روسيا».

لكن مدير الاستخبارات القومية الأميركية ووزارة الأمن الداخلي الأميركي صبا اللوم علناً على روسيا وقيادتها، بعد 48 ساعة من حديث ترامب هذا.

من جهتها هدّدت كلينتون بتوسيع الانقسام السياسي حول سورية مع الرئيس الذي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية خلال ولايته، لكنها لم تعارض سياسة أوباما الرئيسة، مكرّرة دعوتها لإقامة منطقة حظر جوي فوق شمال سورية، وهي خطوة رفضها أوباما وكبار مستشاريه العسكريين منذ فترة طويلة.

معتبرة أنّ تلك الخطوة، من شأنها الضغط على الروس، الذين حاول معهم وزير خارجية أوباما، جون كيري، على حدّ تعبيرها على مدى 7 أشهر ـ التفاوض على وقف إطلاق النار دون جدوى. لكنها قالت إنها لن تلزم القوات البرية بمثل هذا الفعل .

ويقول خبراء إنّ هناك مخاطر إضافية تواجه كلينتون، تتمثل في إبعاد نفسها عن أوباما خلال الحملة التي ثبت خلالها أنّ دعمه أكثر أهمية مما توقع الكثيرون، نظراً لما يتمتع به من قبول عال وشعبية في أوساط الناخبين الشباب، لكن غوردون، يتحدّث عن أسباب وجيهة للسيدة كلينتون بعدم إعلان تفاصيل استراتيجيتها، وإنّ الخوض في تفاصيل فرض منطقة حظر جوي ليس أمراً تقوم به خلال الحملة، بل عليها الجلوس في غرفة العمليات، والتشاور مع الجيش، وفريق من الخبراء، وتقييم ذلك.

ويعتور قول البعض إنّ كلينتون الوزيرة، اختلفت مع أوباما حول تسليح الثوار في سورية، وإنه اتخذ قراراً بذلك بعد خروجها من الإدارة، عدم الدقة فـ كلينتون حرّضت من أسمتهم بالمعارضة على عدم محاورة الدولة السورية، كما أنّ وثيقة عرضها كيري على الملك السعودي الراحل عبدالله، حمّل فيها الرياض مسؤولية الفشل باعتبار أنّ واشنطن سلّحت ما أسماه المعارضة بناء على طلب الرياض، وأنّ هذا التسليح لم يعط ثماره المرجوة.. وعندما يتحدث كيري عن ذلك التسليح فإنه يتحدث عن ماضٍ تمّ في عهد سابقته.

وبزعم كلينتون فإنّ الروس يرفضون وقف إطلاق للنار، تكون قد ابتعدت عن الحقيقة تماماً، فالأميركان هم من يماطلون في تحقيق وقف حقيقي موقت أو دائم لإطلاق النار، باستغلالهم الهدن بتزويد العصابات الإرهابية بالسلاح والعتاد والمقاتلين، بالتعاون مع تركيا والسعودية وقطر، والقول بوجود اختلاف في الرأي بين كلينتون وأوباما عندما شغلت منصب وزير الخارجية، أو الآن، لا ينطوي على دقة كافية، فـ كلينتون حثت في آب 2011، من وصفتها بـ المعارضة على رفض الحوار مع الدولة السورية، وبرّرت ذلك بالقول كما أسبقنا إنهم مسلحون ومدرّبون ومموّلون جيداً .

ويقول لاندلير وسنجر إنّ كلينتون لم تقدّم تفاصيل لمقترحها، ولكن عباراتها كانت تشير إلى أنها مستعدة لفرض منطقة حظر في شمال سورية، دون تعاون روسيا.

ويهوّل الخبير تابلر إلى جانب عدائه لسورية، معتبراً أنّ سكان مدينة حلب سيكونون موتى أو مشرّدين، وأنّ المسلحين الذين تحصّنوا في المناطق النائية، سيتناثرون، وأنه من المرجح شنّ حرب عصابات ضدّ حكومة الأسد»… والصحيح أنّ العصابات الإرهابية موجودة في الجزء الشرقي من مدينة حلب وليسوا في مناطق نائية ومارسوا حرب عصابات بشكلها القديم مع إضافات، واستخدموا المدنيين دروعاً بشرية، وأعدموا من يعارضهم أو لا ينفذ رغباتهم، واستخدموا الأنفاق والسيارات المفخخة والانغماسيين ومواد محرمة دولياً ولغموا البيوت التي اضطروا لمغادرتها وغير ذلك، فضلاً عن قصف المرافق المدنية والمدنيين وتدمير البنى التحتية، واغتصاب النساء بفتاوى خارجة عن الدين، واستعبدوا البشر وتاجروا بهم وقطعوا الأعناق وأكلوا الأكباد وفرضوا رؤيتهم الاجتماعية المتخلفة والمذهبية على السكان في المناطق التي فرضوا سيطرتهم عليها.

واعتبر خبراء أميركان أنه كان على المرشحيْن عدم الخروج بمواقف صارمة ومتسرّعة لعدم توفر خيارات جيدة لحماية مدينة حلب والتي قد لا تنطوي على خيار نشر قوات أميركية.

لكن ما الذي يمكن استخلاصه مما سبق… لا بدّ أولاً أنّ السياسة الأميركية غير مستقرة تماماً تجاه سورية ومن ضمنها حلب.. فـ ترامب متناقض مع نائبة المفترض في حال نجاحه في الإنتخابات.. وكلينتون على غير تنسيق ظاهر مع أوباما الحريص على نجاحها في الانتخابات.

لكن ذلك ليس نهاية العالم، فالولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات محكومة لمؤسسات رأس المال العالمية التي تقودها في السرّ والعلن الحركتان الصهيونية والماسونية العالميتين، ولن يختلف الحال نوعياً ولا جزئياً عندما يتعلق الأمر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية الاستراتيجية وبخاصة في الخارج، ولن يأتي رئيس للولايات المتحدة الأميركية من هو مختلف أو خارج رضا أو قبول مؤسسات رأس المال العالمي والحركتين العالميتين المشار إليهما، وبما يضمن أمن واستمرار وتفوّق الكيان الصهيوني.

ونذكر هنا، أنّ أوباما الذي جاء تحت شعار التغيير، وكان أول قرار يوقعه إنهاء معتقل غوانتانامو، لكن المعتقل ما زال قائما حتى الآن، وألقى أوباما خطاباً في جامعة القاهرة ولكن ذلك لم يشفع لحسني مبارك عند أميركا عندما تعارضت مصلحتها مع استمراره في الحكم، ولا استدعى الخطاب الذي علّقت عليه آمال وأوهام تغييراً أميركياً إيجابياً تجاه العرب، بل على النقيض من ذلك بدأ تطبيق الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة خارجية بوش كونداليزا رايس، فكانت الفتن والعصابات الإرهابية والاحترابات الداخلية تحت مسمّى الربيع العربي، ودفع العرب وما زالوا أثمان الحفاظ على المصالح الأميركية والغربية والإسرائيلية من دمائهم وأموالهم، بدل الدم والمال الأميركي.

بهذا المعنى، وكما نلاحظ فإنّ الفروق جزئية وشكلانية بين مرشحي الرئاسة الأميركية، وبالنسبة لنا سواء نجحت كلينتون أو ترامب، فالسوء سيان، والفوارق في الكيفية والتفاصيل الجزئية والصغيرة فقط، وصولاً إلى أهداف الولايات المتحدة في المنطقة بخاصة.

لقد كانت فترة حكم أوباما أشدّ نفعاً للولايات المتحدة الأميركية من فترة سلفه بوش، الذي كان يتلقى الوحي!؟ إذ وفر على بلاده الدم والمال والإضطرابات الداخلية الناجمة عن ذلك، والمزيد من الكراهية التي يجلبها وجود قوات أميركية بكثافة.. لتتحوّل الكراهية الى شروخ مذهبية وإثنية وطائفية وجهوية، عربية عربية، وعربية إيرانية، وعربية تركية، وإقليمية إقليمية، وإسلامية إسلامية، واسلامية مسيحية، واسلامية أقلياتية .

وفي هذا الإطار لا بدّ من تذكر مراهنة أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، بن غوريون، على اختلافنا، وليس على السلاح النووي، اعتماداً على جهلنا وغبائنا، وليس على ذكائهم كما قال هو، وبالتالي تفتيت المنطقة إلى دويلات متقاتلة طائفية ومذهبية بدءأ بالعراق فسورية فمصر.

ملاحظة المعلومات الواردة اعتماداً على تقرير كتبه مارك لاندلير وديفيد إي سنجر ونشره المركز الوطني للإبحاث وإستطلاع الرأي في دمشق.

M.SH.JAYOUSI HOTMAIL.CO.UK

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى