العيد: هدف أميركا تسليم المنطقة العربية للإخوان التكروري: إمكان تدخل عسكري في سورية يعزز
سعدالله الخليل
أبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما رؤساء الكونغرس إن لديه السلطة اللازمة لتنفيذ استراتيجيته لمحاربة تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية». وأتى كلام أوباما عشية كلمة لتحديد استراتيجيته ضد التنظيم، بعد أن اجتمع مع رئيسي الحزب الديمقراطي في مجلسي الشيوخ والنواب هاري ريد ونانسي بيلوسي، ونظيريهما في الحزب الجمهوري ميتش مكونيل وجون بينر، بهدف مناقشة المرحلة التالية من حملته في العراق… فمن منح أوباما السلطة لضرب «داعش»؟ وهل يكون القرار الأممي 2071 مقدمة لحرب أوباما على «الإرهاب» كما كان القرار 1373 مقدمة لغزو العراق؟
هل تحققت الفوضى الخلاقة؟
حول مدى قدرة أوباما على القيام بعملية وامتلاكه لعمل كهذا، اعتبر المفكر السوري سهيل العيد أن أميركا وغيرها من الدول العظمى تمتلك حق اﻻستناد إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي اتخذ إثر اعتداءات 11 أيلول. لكن عليها أﻻ تتخذ أي إجراء منفرد، وهي ملزمة بالرجوع إلى مجلس اﻷمن من الناحية القانونية. وأضاف في حديثه إلى «البناء»: «تبقى الناحية اﻷخلاقية وغيرها من المعايير غير الخاضعة لتعريف موحد، بل يتخذ بشأنه موقفاً بحسب الحالة».
وأكد العيد أن الدافع اﻷساس والفكرة التي نشأت عنها الفوضى الخلاقة قد تحققا. أما الهدف الرئيس فهو تسليم حكم المنطقة العربية برمتها للإخوان المسلمين مقابل تعهداتهم وتوقيعهم على اتفاقية سرية، أولها اﻻعتراف بيهودية الدولة العبرية وترحيل سكان غزة إلى سيناء كوطن بديل. وكذلك سكان الضفة إلى شرق نهر اﻷردن. توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم ومنع الجهاد وحصره داخل بلاد المسلمين وإقامة دولة كردستان بين العراق وسورية فقط حالياً، ﻷن اﻷجزاء اﻷخرى في إيران وتركيا خارج نطاق حكم الإخوان. هذا إﻻ إذا رغبت تركيا في قيادة العالم السني.
وحول إمكان توجيه ضربات أميركية في سورية والعراق، أم ستكتفي بالعراق في مسعى للحفاظ على تلك الورقة لقابل الأيام، رأى العيد أن ﻻ شيء يمنعها من ضرب أهداف في سورية لكنها ستكون انتقائية بحيث ﻻ تصب في مصلحة النظام السوري، وأضاف: «للعلم أن تدخل اﻷميركيين عسكرياً لن يترك فرصة سانحة وسيوجه ضربة إلى النظام في الوقت الذي تراه مناسباً».
«داعش» أداة مرحلية
واعتبر العيد أن داعش ما هو إﻻ أداة مرحلية لفتح بوابة المرحلة المقبلة، وأضاف: «إذا تساءلنا عن سهولة اختراق جبهتنا الداخلية يجب أن ندرك أن الحصون ﻻ تخترق إﻻ من داخلها ومن خواصرها الرخوة، وعلينا أن نعترف بأن الرئيس بشار اﻷسد ورث إرثاً ثقيلاً ومحملاً باﻷحقاد لم يُعمل على ترميمه بطريقة سليمة، وأعتقد أن اﻻصلاح يتم بوسائل الترضية، وتنشيط الجانب الديني وفتح المعاهد الدينية، بينما كان شعبنا قد قطع شوطاً مهوﻻً في الثقافة العلمانية، ولم يكن الدين وحرية العبادة من ضمن حاجاته الفعلية، بل كان بأمس الحاجة لإزالة مصادر الرعب الأمنية وإطلاق حرية العمل الفكري والسياسي عبر حرية التعبير، فالمواطن المقموع ﻻ يشعر بمسؤوليته عن الوطن كونه يحس بأنه ملك للآخرين. أما المواطن الحر الكريم فهو جندي جاهز للدفاع عن وطنه ووجوده في كل لحظة وفي شتى الميادين».
التاريخ يعيد ذاته
من جهة أخرى، يرى الدكتور عصام التكروري أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة دمشق، أن التاريخ يؤكد أن الجثث التي يخلفها الإرهاب لا تملك القيمة ذاتها في نظر الغرب، فالمليون ونصف مليون ضحية الذين سقطوا نتيجة لإرهاب الدولة الذي مارسته آلة القتل التركية بحق الأرمن عام 1915 لم يحرك قبعة مسؤول غربي، بينما أدى اغتيال الكسندر الأول ـ ملك يوغسلافيا ـ ولويس باروتو وزير خارجية فرنسا ـ عام 1934 إلى استنفار عصبة الأمم المتحدة لصوغ «اتفاقية جنيف لقمع ومعاقبة الإرهاب» التي حصرت الإرهاب بالأفعال التي تستهدف عليّة القوم وأزواجهم وموظفيهم وخدمهم من دون أن تقيم وزناً لاستهداف العامة، ويؤكد التكروري أن التاريخ يعيد ذاته فبعد أن سرعت هجمات 11 أيلول تشكل تحالف دولي عريض ضد أفغانستان بدعوى القبض على منفذيها ليصحو العالم على حقيقة مفادها أن واشنطن باتت تستخدم الإرهاب غطاء لممارسة جريمة العدوان، وهي حقيقة تأكدت عشية ذهاب واشنطن لغزو العراق في آذار 2003 من خارج إطار الشرعية الدولية فاستبقت واشنطن مجلس الأمن بقرار سمح للرئيس بوش بإرسال الجيش الأميركي إلى العراق من دون أي إذن.
بين 1373 و2170
يقارن التكروري بين القرار 1373/ 2001 الذي كان فاتحة الحرب على العراق والقرار 2170 ويتساءل في حديثه إلى «لبناء»: هل يكون 2170 عنوان الحرب المقبلة على المنطقة؟ من حيث المبدأ مضمون القرار 2170 الصادر لا يختلف عن بقية القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة والتي تحض على مكافحة الإرهاب (القرار 1373/2001، القرار رقم 1566/ 2004 القرار 1624 /2005)، لكن ما هو مختلف هو أن القرار الحالي جاء تتويجاً للحرب التي شنَّها محور واشنطن على سورية عبر استخدام الإرهاب من أجل ارتكاب جريمة العدوان، إذ لم تدَّخر واشنطن جهداً في دعم التنظيمات المسلحة التي تقاتل في سورية، والتي تتوالد من عباءة بعضها بعضاً إلى أن ظهر ـ ما يُعرف باسم «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، في غضون سنة ونيف اكتسح هذا التنظيم مساحات جغرافية واسعة من الأراضي السوريّة والعراقية، الفعَّالية القتالية لهذا التنظيم تجد تفسيرها بتصريح.
وأضاف التكروري أظهرت تقارير ووثائق أميركية أن واشنطن لديها أسماء الغالبية الساحقة للجهات التي تمول «داعش»، وهي (28) شخصية سعودية و(12) عراقية و(10) باكستانيين و(8) من الجزائر و(6) فلسطينيين و(6) مغربيين و(6) شخصيات من السينغال و(6) إندونيسيين و(5) شخصيات كويتية و(4) من أرتيريا و(3) من تركيا و(4) أشخاص من مصر ولبنان و(2) من بريطانيا، إلى جانب شخصيات من دول عربية وأفريقية أخرى، وآخرون مقيمون في السويد وهولندا وأستراليا.
وتابع التكروري: «الدعم الخليجي للمجموعات الإرهابية يتم بعلم واشنطن ولندن وهو ما أكّده الكاتب البريطاني روجر بويز والمعلومات تتيح لمجلس الأمن الدولي ـ أن يتخذ الإجراءات الزاجرة ضد الدول والأفراد المنخرطين في عمليات التمويل والتسليح والترهيب».
الحاجة إلى قرار دولي
وعن حاجة واشنطن إلى قرار خاص لمكافحة إرهاب داعش والنصرة في سورية يقول التكروري: «يعود الأمر إلى سببين: الأول له علاقة بمؤتمر جنيف ـ 2، أما الثاني فيعود إلى نيّة مبيَّتة لدى واشنطن وحلفائها في غزو سورية بحجة مكافحة الإرهاب بدليل أن الفترة الممتدة ما بين انتهاء جنيف 2 وصدور القرار 2170 عزز محور واشنطن من إمدادات السلاح والمال المرسلة إلى جميع التنظيمات الإرهابية العاملة على الأرض السورية سواء عبر شراء النفط أو عبر الدعم المباشر، على التوازي مع ذلك عملت وسائل إعلام محور واشنطن على تظهير جماعات المعارضة المسلحة «المعتدلة» على أنها شريكة الغرب في محاربة «تنظيم الدولة» و«جبهة النصرة» الموضوعين على لائحة الإرهاب الأميركية، هذا الحراك هدف إلى الإيحاء بأن محور واشنطن لم يكتفِ فقط بتحقيق رغبة دمشق المتمثلة بإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، بل إن واشنطن وحلفاءها قاموا بخطوات ميدانية على صعيد مكافحة الإرهاب وذلك عبر انخراط المعارضة المعتدلة في الحرب ضد داعش والنصرة جنباً إلى جنب مع الحكومة السورية، لذلك لن يتردد محور واشنطن ـ سواء في جنيف 3 أو قبله ـ بالطلب إلى الحكومة السورية تشكيل حكومة انتقالية تتولى تجمعها مع «المعارضة المعتدلة»، وقد يصل الأمر بها في حال الرفض إلى التلويح بالتدخل العسكري في سورية، إما بذريعة محاربة الإرهاب أو بحجة التدخل العسكري الإنساني.
ويؤكد التكروري أن إمكان تدخل عسكري غربي في سورية بذريعة مكافحة الإرهاب تعزز عشية إخفاق مؤتمر جنيف ـ 2، حين صرّح مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلايبر بأن «سورية باتت مركز جذب قوي للمتطرفين، ولطوفان المقاتلين الأجانب، وللمجموعات الإرهابية ـ جبهة النصرة تحديداً ـ هؤلاء جميعاً لديهم نية بمهاجمة الأراضي الأميركية».
هذه التصريحات تعبر عن رؤية محور واشنطن للقرار 2170، رؤية تحمل دعوة إلى الالتفاف حول إدارة أوباما لخوض حرب مقدسة ضد الإرهاب المستوطن في سورية والعراق، ولن نستغرب إذا استحضر أوباما عبارة بوش الصغير القائلة: «كل من ليس معنا في حربنا على إرهاب داعش في سورية فهو ضدنا» بل قد يصل الأمر إلى حد الزعم بأن الدولة السورية تدافع عن «داعش والنصرة» في حال اعتراضها على القيام بأي عمل عسكري على الأرض السورية من دون تنسيق مُسبق معها انطلاقا من قضية احترام سيادتها التي كرّسها القرار 2170، هكذا زعم قد يكون مُنطلقاً لحربٍ هدفها الأول هو إسقاط الدولة السورية تحت شعار القضاء على إرهاب «داعش والنصرة» تحت شعار ما بات يُعرف «بالتدخل العسكري الإنساني».
وحول سيناريو التدخل العسكري الإنساني يؤكد التكروري أن التدخل العسكري الإنساني له عوامل النجاح التالية، جامعة عربية لديها استعداد فطري حاقد لدعم أي غزو لسورية ومعارضة خارجية افتتحت ترحيبها بالقرار 2170 بدعوة واشنطن للتدخل عسكرياً في سورية لمساندة «الجيش الحر» للقضاء على الإرهاب وجوار إقليمي لم يدخر جهداً في دعم الإرهاب في سورية على مدى السنوات المنصرمة، ولعل كلام نائب مندوب الأردن في مجلس الأمن محمد الحمود بتحميل الحكومة السورية المسؤولية المطلقة عن تفشي الإرهاب في المنطقة إشارة إلى دور دول الجوار.
ويؤكد التكروري أن ما يطمح محور واشنطن إلى تحقيقه عبر الاستثمار في القرار 2170 يتجاوز بكثير ما حققه في العراق بعد اجتياح الموصل حيث نجح هذا المحور ولو مبدئياً في إجراء عملية انتقال سياسي للسلطة من المالكي إلى العبادي، التي كانت مطلباً سعودياً لم يرَ الإيرانيون ضرراً في تلبيته مقابل إرسال الطائرات الأميركية لقصف «داعش» ووقف تقدّمه نحو بغداد وأربيل والحصول على دعم السعودية في تشجيع السنَّة على الانضمام إلى العملية السياسية.