لبنان الكرامة… آفاق سياسية واقتصادية جديدة

بشير العدل

جاء انتخاب الرئيس ميشال عون، ليُنهي حالة من الانقسام السياسي دامت قرابة عامين ونصف العام، بين الفرقاء السياسيين، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو/ أيار من العام 2014، وليضع حداً للخلافات التي اتسمت بها العلاقة بين الفرقاء السياسيين، التي انعكست بدورها على الأوضاع الاقتصادية في لبنان الشقيق بلد الكرامة والشعب العنيد.

وبعد فشل محاولات عديدة لاجتماع البرلمان لانتخاب الرئيس عون، والتي امتدّت لعشرات المرات، قدّم الفرقاء مصلحة الدولة، وأعلنوا التوافق على شخص الرئيس عون، وهو ما شهدته الجلسة التاريخية للبرلمان الاثنين الماضي.

ووفقاً للدستور اللبناني يقوم الرئيس عون بإجراء مباحثات مع الكتل السياسية المختلفة والممثلة في البرلمان، وبالتشاور مع رئيسه، للاتفاق على الشخصية التي يتمّ تكليفها بتشكيل الحكومة، وهو ما رجّحت بسببه أن يكون سعد الحريري هو الشخصية التي سوف يتمّ التوافق عليها.

ورغم أنّ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرّت حتى عام 1990 قد قلّص من صلاحيات الرئيس اللبناني، وحدّ من سلطاته الإجرائية في تعيين وإقالة رئيس الحكومة ومجلس النواب والوزراء، إلا أنّ التوافق السياسي الذي شهدته جلسة انتخاب الرئيس عون قدّم للعالم رسالة أنّ جميع الأفرقاء في لبنان يحرصون على عودته قوياً، وأنّ جبل الخلافات السياسية التي دامت لسنوات، تمّت إذابته، وكان سبباً في التوافق على شخص الرئيس ميشال عون.

ويبدو أنّ أمر تشكيل الحكومة شبه متفق عليه أيضاً، ليبدأ لبنان مرحلة جديدة من تاريخه السياسي، وليكون على الساحة السياسية الإقليمية والدولية، يمارس دوره كبلد عربي كبير، له إسهاماته في دعم قضايا المنطقة.

ويأتي انتخاب الرئيس ميشال عون في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة يتعرّض لها لبنان، فرضت تداعياتها التغيّرات الاقتصادية الدولية، ليس فقط على لبنان، ولكن أيضاً على الاقتصادات الدولية بشكل عام. وهو ما يفرض على لبنان ضرورة تبنّي سياسات اقتصادية جديدة للخروج من أزماته التي يتعرّض لها، بفعل الضغوط الدولية، وللأسف العربية أيضاً.

فإلى جانب المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، قامت دول خليجية بفرض مزيد من القيود، التي وصلت الى حدّ عرقلة الأداء الاقتصادي في لبنان، والتي تمثلت في قرارات بعض الدول بحصار لبنان اقتصادياً، بمزاعم سياسية تتعلّق بحزب الله، وتصنيفه خليجياً على أنه وعلى غير الحقيقة تنظيم إرهابي، وذلك نظراً لموقف اتخذته إحدى الدول الخليجية تجاه لبنان، والذي تحفّظ على أحد القرارات المتعلقة بها في اجتماعات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وبنظرة إلى المشاكل الاقتصادية التي يتعرّض لها لبنان، فإنّ أزمة النفايات، وأزمة تراجع عائدات السياحة، وقيام دول خليجية في يونيو/ حزيران من العام 2013 بتحذير رعاياها من الذهاب إلى لبنان تحت دعوى عدم استقرار الأوضاع الأمنية فيه، الأمر الذي أصاب قطاعات كثيرة، خاصة السياحة، بالشلل نظراً لاعتماده في جزء كبير من نشاطه على الخليجيين.

وقبل شهور قليلة عادت دول الخليج مرة أخرى، وبعد أكثر من عامين من المرة الأولى، لتجدّد خنقها للاقتصاد اللبناني، حيث جدّدت دعوتها رعاياها لعدم التوجه الى لبنان بسبب مواجهات أمنية لتظاهرات شعبية خرجت احتجاجاً على بعض الأوضاع الاقتصادية، ومنها أزمة النفايات.

وبحسب بعض الأرقام الرسمية التي صدرت في لبنان انخفض الدخل السياحي في أعقاب الممارسات الخليجية من 8 مليارات دولار في العام 2010 إلى 3.5 مليار في عام 2014، بعد أن فقد لبنان معدل إنفاق شخصي للسائح الخليجي يصل إلى نحو 14 ألف دولار، وهي قيمة عالية مقارنة بما ينفقه السائح الأوروبي التي تمّ تقديرها في بعض الدوائر بنحو 3 آلاف دولار. هذا بخلاف الأرقام التي تقول بأنّ الخليجيين يشكلون نسبة 50 في المئة من إجمالي الإنفاق السياحي في لبنان.

ومن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها لبنان أيضاً تراجع حركة التجارة في السنوات الأخيرة بنحو 30 في المئة، فضلاً عن أزمات قطاع العقارات وتهديد الشركات اللبنانية العاملة في الخليج، وكذلك موقف الشركات الخليجية في لبنان.

أمر استعراض مشاكل الاقتصاد اللبناني لا يتسع له المقام هنا، ولكن الإشارة إلى بعضها يدلّ إلى أنّ لبنان وللأسف الشديد يتعرّض لحصار اقتصادي عربي، ليكون قدره معاناة من الحروب التي يشنّها الكيان الصهيوني عليه من آن إلى آخر، لتكتمل الأزمة بالحرب الاقتصادية العربية عليه، تحت مزاعم خضوعه لحزب الله.

غير أنّ قدرة لبنان على التوافق السياسي وانتخاب الرئيس ميشال عون، في حدث هو الأبرز في تاريخ لبنان، قادرة على أن تمتدّ إلى المجال الاقتصادي ليفتح لبنان الكرامة آفاقاً سياسية واقتصادية جديدة، وهو قادر على ذلك. فتاريخ نضاله ضدّ العدو الصهيوني، وضدّ المؤامرات التي يتعرّض لها وتريد النيل من قوته، كفيل بأن يعيد البناء السياسي والاقتصادي من أجل لبنان الجديد.

ويبقى على الفرقاء السياسيين أن يستمرّوا بالتوافق، خاصة أنّ هناك ملفات لا زالت تتسم بالخلاف حولها، خاصة ملف الأزمة السورية، وهو ما يفرض على الجميع أن يكون التوافق هو سمة المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان العريق، حتى يكون قادراً على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، ويعود قوياً أبياً كما سطّر له التاريخ نضاله.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى