بغال أردوغان.. آخر الخوازيق!
نظام مارديني
لم يعُد لتركيا ما تخفيه خلف أقنعتها الأناضولية المُستَهلَكة، خصوصاً بعدما فشلت محاولاتها الحثيثة للجلوس على طاولة أقطار الاتحاد الأوربي. ثم جاء المدّ الأردوغاني ليدقّ آخر الخوازيق في جدران العلاقات الأوروبية، ويُغرق سفنه الدبلوماسية التي حاولت عبور مضيق البوسفور نحو الضفة الغربية لاسطنبول. الأمر الذي اضطرها إلى إحياء أحلامها التوسعية بالعودة إلى ولايات الإمبراطورية العثمانية السابقة. فركبت بغال التطرف الديني لإشعال فتيل الأزمات مدفوعة الثمن. وكانت هي اللاعب الأكثر خُبثاً في تأجيج الفوضى الأمنية والسياسية في كل من سورية والعراق، وقبلهما ليبيا ومصر، بينما كانت العواصم الخليجية، الملكية والأميرية، بمنأى عن كل هذا الخراب.. ولكن ماذا عن الخراب العقلي؟
استراتيجياً لم يُحسن أردوغان القراءة الجيوبوليتيكية لخريطة المتغيرات في المنطقة وحيث تجري المواجهة الأكبر على موقع الهلال السوري الخصيب، الغني بتاريخه وحضارته وثرواته.. والمعروف أن المتضادين «النقيضين»، تركيا والهلال، لا يجتمعان، لكن المعادلة كادت أن تختلف هنا وتتغير الموازين لو انتصر المحور المعادي.. حتى أن دُعاة من ينادون بالحرية ويدعون الآخرين الى تطبيق الديمقراطية، نجدهم هم أنفسهم لا يطبّقونها في بلدانهم. أنظروا إلى ما يحدث في تركيا من ملاحقات لوسائل إعلام لا تتماشى سياستها مع استراتيجية أردوغان المدمرة للمنطقة، بينما يساهم الشارع المعارض لقمع الحريات في تأكيد عمق الشرخ في المشهد السياسي التركي، ويشبه الإعلام حال أردوغان الآن، الذي بات ينعت بستالين وهتلر، بصاحب بساتين الورد الذي يشكو كل يوم من أشواكها وهو يردّد: «لولا هذه الأشواك لكانت الورود أكثر جمالاً وروعة وربحاً»!.
لقد صدق مَن قال إن «الأمم عندما تصاب بالجنون.. تستحقّ أن تكون عثمانية». وسلوك رجب طيب أردوغان، وعقله العثماني بامتياز، دليل على ما كان ينتظر المنطقة لو انتصر هذا العقل الجهنمي، خصوصاً في الهلال السوري الخصيب..
بثقة الباحث الذي توصل إلى اكتشاف عجزَ عنه المؤرخون، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليؤكد أن المسلمين اكتشفوا أميركا قبل كريستوف كولومبوس! من دون أن يعلم أو يشير إلى أن مؤرخين وجغرافيين كثيرين وثقوا ذلك، بينهم المسعودي وباحثون غربيون في العصور القديمة.
اكتشاف أردوغان ليس مهماً في حد ذاته، بقدر ما هو تأصيل لدعوته إلى نشر الإسلام السياسي.. تأصيل الأردوغانية لن يفيد في مواجهة واقع المنطقة المعاصر. بل يعقد الأمور، ويطيّفها من طائفة أكثر.
إن ما يميّز الأتراك اليوم ليس شعورهم بالفخر والأمل بتوسيع نفوذ بلادهم بل الشعور بالخوف من تفكّكها. فالمسألة الكردية تقلق الأتراك، إضافة الى شعورهم المتزايد بأنهم يفقدون السيطرة، في ما يتعلق بدعم الجماعات الإرهابية في كل من سورية والعراق. وفي هذا التوجّه يقول دومينيك مويسي، المستشار الأقدم في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية: إن التحدي الحالي لتركيا هو التغلّب على الأوهام الضائعة!
لخورخي بورخيس «إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء!».