طموحات أردوغان تراكم المشاكل في الخارج والداخل
د. هدى رزق
حشدت تركيا قواتها في منطقة سيلوبي على الحدود العراقية، في محاولة لتأكيد نيتها المشاركة في تحرير الموصل، اعتبرت الحكومة العراقية الأمر اعتداء على سيادتها. وفيما يحتدم الجدل السياسي حول القأنون الدولي، تستمرّ المعارك حول الموصل ضدّ «داعش». لجأت الحكومة التركية إلى البروباغندا مستعينة بتصريح البغدادي، الذي هدّد بالقيام بعمليات في الداخل التركي، من أجل تبرير زحف قواتها على الحدود والمشاركة بضرب الإرهاب. دخلت إيرأن على خط التفاوض لتهدئة تركيا، التي تبحث عن دور.
يدّعي «حزب العدالة والتنمية» بأنه يسأند السنّة في سياسته الخارجية، في العراق وسورية. وهو يطمح عملياً، إلى لعب دور في الشرق الاوسط، تحت ذرائع تاريخية تعود إلى فترة سيطرة الامبراطورية العثمأنية. حيث تتشابك هذه الطموحات مع «فكرة تركيا الجديدة» التي تعكس رؤية أردوغأن التي تمتدّ إلى ما وراء حدودها السياسة وتحت حجة ضرب «الكأنتون» الكردي في سورية، تحاول قواته التقدّم نحو مدينة الباب من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، الاول، القضاء على قوات الحماية الكردية والثأني، فتح طريق شمالي حلب للمعارضة السورية، مدعومة بالقوات التركية. وبذلك، ستصبح وجهاً لوجه مع الجيش السوري. فيما تدعم، في الوقت عينه، «جبهة النصرة» فتح الشام وقوات نورالدين الزنكي، في معارك حلب وتساعدها لوجستياً. طالبتها موسكو بفصل المعارضة المعتدلة عن تلك الإرهابية، إلا أنها تمنعت.
وفي الرقة، لم يعد العسكريون الأميركيون يصرّحون بأن عملية عزل «داعش» في الرقة ستجري سريعاً، بسبب عدم حلّ معارضة تركيا الشديدة لاستخدام الأكراد في أيّ عملية في سورية، إذ اعترف المسوؤلون الاميركيون، أن مشاورات مكثفة جرت مع تركيا في الأيام الأخيرة، بما في ذلك مكالمة هاتفية بين الرئيسبن الأميركي باراك أوباما والتركي رجب طيب اردوغأن، يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر. تحاول تركيا أن تكون الرقم الصعب، تحاور كلّ من روسيا في حلب والولايات المتحدة في الرقة وتضغط وتحشد في العراق، من أجل حصة في كعكة الموصل.
وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارت، بعد محادثات مع وزير الدفاع التركي، اعترف بأنه لا توجد أيّ ترتيبات جديدة ولم يتمّ التفاهم مع تركيا، على الرغم من تشديده على أن الجميع يتشاركون هدف القضاء على داعش. لكن كارتر يرى أن تنفيذ خطة عزل الرقة، يمكن أن تتمّ بواسطة قوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية، على الرغم من معارضة تركيا، التي اقترحت لنجاح العملية أن تكون القوات التي ستحرّر الرقة عربية وسورية وليس الأكراد. وتعني بها قوات المعارضة، التي اقترحت أن تدرّبها مع الولايات المتحدة. لكن العسكريين الاميركيين صرّحوا بأنهم لن يسمحوا لأية جماعة إسلامية بالمشاركة في عملية الرقة، لأن «احرار الشام» و«جبهة النصرة» استولوا في السابق، على الرقة وأعطوها لـ«داعش».
أبدت القوات الكردية قلقاً من دفع ثلثي قواتها، البالغ قوامها 25000 الف مقاتل، من اجل عزل الرقة وترك قوات قليلة للدفاع ضدّ الهجمات التركية المحتملة على المدن، في أجزاء من سورية خصوصاً حول تل أبيض ومنبج.
من إجل أن تحلّ هذه العقدة، تمّ تأجيل عملية الرقة. فالولايات المتحدة تريد التعاون مع وحدات سورية الديمقراطية، التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري. وهي تعتبرها منظمة بشكل مثالي، يتناسب مع طريقة الولايات المتحدة في الحرب. وهي ليست معادية لها. وبذلك، لن تقلق من اختطاف أيّ جندي أميركي، كما حصل مع بعض العناصر في الجماعات العربية التي تتبع لتركيا.
تنسحب سياسية أردوغأن الخارجية على تلك الداخلية. وتحت شعار محاربة جماعة محمد فتح الله غولن ومحاربة ارهاب «داعش» و«حزب العمال الكردستأني»، يقوم بالإنقلاب على الدولة الكمالية، فعملية القبض على رئيس تحرير جريدة «جمهورييت» وعدد كبير من أهمّ الصحافيين الأتراك، من دون مسوغات حقيقية وتوجيه الاتهام لهم بدعم جماعة فتح الله غولن، أمر يصعب تصديقه. ويثبت أن حكومة العدالة والتنمية جادة في ضرب وإقصاء معارضيها السياسيين وتحويل تركيا إلى نظام الحزب الواحد. فالجريدة التي وقفت منذ سنوات ضدّ جماعة غولن، متهمة، اليوم، بدعم غولن وحزب العمال الكردستأني، على يد من كانوا غولينيين وتحوّلوا إلى حزب العدالة والتنمية، بعد الإنقلاب الفاشل.
صحيفة «جمهورييت»، هي في جوهرها، صحيفة العلمأنيين والكماليين وميولها ليبرالية ويسارية. وهي تؤيد القيم الديمقراطية الأوروبية ومن أشدّ منتقدي أردوغأن وحزب العدالة والتنمية، بسبب سياسته وأسلوبه في الحكم. لذلك، لا يحتاج الأمر إلى كثير من التحليل لمعرفة لماذا تمّ استهدافها تحت حكم الطوارئ، الذي تمّ تجديده بعدما فرض في المرة الأولى لمدة ثلاثة أشهر، اثر محاولة الأنقلاب. وأعيد فرضه للمرة الثأنية، لمدة ثلاثة أشهر.
تدار تركيا اليوم بمراسيم، حيث يتمّ تدريجياً تركيز السلطة في يد أردوغأن، تمهيداً لحصوله على النظام الرئاسي، الذي يتمّ الإعداد له، بعدما أمّن حزب العدالة والتنمية دعم الجناح اليميني المتمثل بحزب الحركة القومية، على الرغم من احتجاجات أعضاء من هذا الحزب وعدم موافقتهم على مواقف وتصرفات رئيس الحزب دولت بهشلي، إلا أن أردوغأن الذي ساعد الرجل وتدخل لدى القضاء لمنع معارضيه من اقصائه عن رئاسة الحزب، يعتقد ورئيس وزرائه يلدريم، أن بإمكانهم اليوم التصرف في النظام السياسي والقضائي كما يريدون.
تتهم المعارضة العلمانية زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، بتقديم الدعم لاقتحام جريدة «جمهورييت»، بعدما أعلن عن استعداد حزبه لمساعدة حزب العدالة والتنمية من أجل إعادة عقوبة الإعدام، بما يتماشى مع رغبة أردوغان. وهو يعتقد أن الاعدام سوف يطال المعارضة الكردية، فيما أكد له رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، أن عبدالله أوجلان، الزعيم الكردي، هو أيضاً مع النظام الرئاسي.
يحاول حزب العدالة والتنمية الضغط على حزب الشعب الجمهوري، من أجل الموافقة على الدستور الجمهوري، وإلا فسيتهمه بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يركز على مشكلة الأكراد وتصويره بأنه يشجع الإرهاب، بعدما دافع عن اعتقال ممثلين منتخبين عن الاكراد.
أتت حادثة اطلاق النار على نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، من قبل أحد المقربين من حزب العدالة والتنمية، الذي علل سبب الحادثة بموقف حزب الشعب الجمهوري المؤيد لحزب الشعوب الديمقراطي.
يعترض أكاديميون، من الجامعات الرسمية التركية، على تعيين رئيس الجمهورية لعمداء الجامعات وتدخل السياسة في الشؤون الأكاديمية. يدير اردوغان تركيا اليوم بشكل أحادي، يطهّر الإدارة والجيش والشرطة والاستخبارات والجامعات ويبطش بالإعلام المعارض، في ظلّ شعار محاربة الإرهاب الذي حدّده. وتعيين موالين أو مقرّبين من حزب العدالة والتنمية في هذه المناصب. طموحاته في دور في الشرق الاوسط، سمح له بإدارة ظهره لأوروبا وشروط الديمقراطية الغربية بشكل جدي والسير في اتجاه مختلف، بعد أن أجرى تحوّلات أساسية في السياسة التركية التي وجهت الجمهورية منذ تأسيسها.