بقعة ضوء
بقعة ضوء
مقال في جريدة السائح بتاريخ 25/10/1920
يا أخي السوري… أنت أخي لأنك سوري، والبلاد التي لفظتك كلمة في مسامع الأبدية قد همستني كلمة أخرى.. أنت أخي لأنّ البلاد التي حبلت بك ولدتني والفضاء الذي حمل أول صرخة خرجت من أعماقك، حمل أول صرخة تمخضت بها أحشائي.
أنت أخي لأنك مرآتي. فكلما نظرت إلى وجهك رأيت ذاتي وبكلّ ما فيها من العزم والضعف. من الائتلاف والتشويش. من الهجوع واليقظة.
أنت أخي بكوارث خمسين قرناً. بالقيود التي جرّها آباؤنا وأجدادنا. بالنير الذي أثقل عاتقنا. بالألم والدموع، ومن تجمعهم نكبات الدهور وأوجاعها لن تفرّقهم أمجاد الدهور وأفراحها.
أنت أخي أمام قبور ماضينا وأمام مذبح مستقبلنا. أنت مصلوب ولكن على صدري، فالمسامير التي تثقب كفّيك وقدميك تخترق حجاب قلبي.
نحن متساويان في كلّ ما جلبته الحياة إلى ماضينا، وكلّ ما ستجلبه إلى حاضرنا. نحن متساويان وما الفرق بيننا سوى أنك كنت هادئاً، ساكناً أمام مصابك، بينما أنا كنت أصرخ متسرّعاً، قانطاً في مصابي.
غداً، إذا ما مرّ عابر طريق بهذه الجلجلة لن يميّز بين قطرات دمك وقطرات دمي، بل سيسير في طريقه قائلاً: ها هنا صُلِب رجل واحد.
جبران خليل جبران