المراوغة الأميركية سلاح وحلفنا المقاوم خيار…!
محمد صادق الحسيني
انّ واشنطن الغارقة في وحل الاستحقاق الرئاسي الانتخابي، قرّرت على ما يبدو إطلاق يد أذنابها الصغار في المنطقة من أردوغان الى سلمان الى نتنياهو ليتصرّفوا بناء على معطيات الوقت الضائع ولحظة الهروب الأميركي من المنطقة…!
وهكذا فإنّ كلّ التقارير الواردة من الميدان، كما الواردة من أروقة السياسة والديبلوماسية تؤكد بأنّ المنطقة ذاهبة الى مزيد من التصعيد على خلفية نكث القوة الامبريالية الأميركية لوعودها مع الإيرانيين كما مع الروس كما مع العراقيين.
ومع كلّ يوم يمرّ تثبت الوقائع والأحداث ايضاً بأنّ من سيحقق النصر على الإرهاب هو نحن في محور المقاومة بشكل أساس، ومعنا حلفاؤنا الدوليون الروس والصينيون حصراً، ولا مكان للولايات المتحدة وأذنابها الإقليميين من عثمان ووهابيين في مهرجان النصر المبين…!
وكما تصرفت مع ملف الحرب على النصرة في حلب وقبله في تعاطيها مع الملف النووي الإيراني بكلّ خسة وتزوير، فإنّ الإدارة الأميركية اليوم تثبت من جديد بأنها تمارس أسوأ أنواع المراوغة والاحتيال والخداع في ما يسمّى بمعركة تحرير الموصل…!
ـ وإلا لماذا تمكنت وحلفاؤها من تدمير الجيش العراقي والدولة العراقية في اقلّ من ثلاثة أسابيع، خلال حربها على العراق غزوها له عام 2003 ولم تتمكن من تدمير جيش داعش هي وحلفاؤها الستون خلال اكثر من سنتين؟
ـ الجواب يكمن في انّ الولايات المتحدة ليس فقط لا تريد القضاء على داعش، ليس لأنها من صناعتها راجع تصريحات ترامب وغيره ، وإنما لأنها تريد الاستمرار في استخدامها، كما أدواتها وأذنابها الآخرين في المنطقة، من آل سعود الى نهيان الى خلفان الى أردوغان…، أقول تريد الاستمرار في استخدام هذه الفزّاعة لتحقيق العديد من الأهداف وعلى رأسها:
– محاولة إطالة أمد سيطرة القطب الواحد على العالم من خلال إشعال منطقة غرب آسيا وإرغام دولها على الانخراط في حروب تبعد احتمالية توجّه القدرات العربية لمواجهة «إسرائيل»، وذلك من خلال خلق حلف «عربي» متصالح مع الكيان الصهيوني الغاصب.
– إنّ السبب الأساس في اتباع هذه الاستراتيجية لا يتمثل فقط في محاولات القفز عن حقائق التاريخ، ايّ انتهاء عصر أحادية القطبية، وإنما خلق الظروف الملائمة لضمان أمن «إسرائيل» بعد الانسحاب الأميركي من غرب آسيا باتجاه الشرق الأقصى استعداداً لمواجهة التنين الصيني الذي بدأ يبتلع ولايات الامبراطورية الأميركية واحدة تلو الأخرى.
بمعنى أنه يريد أن تتعمّق حالة التمزق العربي الى حدّ يصبح من المستحيل استمرار أو قيام أيّ عمل عربي مقاوم لـ «إسرائيل»، ايّ المصالح الامبريالية في المنطقة.
– إنّ ذلك يعني استمرار العمل على إطالة مدى المواجهة مع إيران المقتدرة، خاصة بعد الاتفاق النووي، وذلك لمنع انتشار المثال الإيراني الى دول أخرى أيّ التمرّد على الجبروت الامبريالي وإنجاز الاستقلال الوطني الكامل والخروج من تحت عباءة الدول الامبريالية .
إذ إنني، ومنذ بداية غزوات داعش في العراق، كنت مقتنعاً بانّ الهدف الاستراتيجي لداعش وصانعيها لم يكن إسقاط الدولة العراقية فقط، وإنما نقل المعركة الى داخل إيران لمنعها من الانتقال الى مصاف الدول العظمى، وما لهذا الانتقال من مخاطر على المصالح الامبريالية في المنطقة.
فإذا عدنا بالذاكرة قليلاً لسنة 2014 نرى انّ الهجوم الرئيسي لعصابات داعش كان باتجاه الحدود الإيرانية العراقية ديالى قبل بغداد…
– تأتي كلّ تلك الخطط في إطار إجراءات الولايات المتحدة وحلفها لاستكمال عمليات التطويق الاستراتيجي لكلّ من الصين جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ وروسيا في شرق وسط أوروبا بولندا تشيكيا رومانيا ، مروراً بمنطقة البحر الأسود جنوب اوكرانيا وجورجيا… وصولاً الى دول البلطيق من الشمال الغربي لروسيا.
– وهذا ما اضطر القيادة الروسية، بالإضافة الى الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري وحلفائه، الى اتخاذ قرار الانخراط في الحرب السورية عسكرياً. وذلك بعد وصول حبل الناتو الى الرقبة الروسية لينينغراد واوديسا مركزا قيادة أسطول الشمال وأسطول البحر الأسود .
أيّ أن القيادة الروسية قد اتخذت قرارها انطلاقاً من:
1 – أنّ التدخل العسكري المباشر في سورية، دعماً للدولة السورية، يؤمّن لها سبباً قانونياً الاتفاق على ذلك مع الدولة السورية لبناء قوة بحرية/ جوفضائية عملاقة في شرق المتوسط.
2 – إنّ بناء هذه القوه يشكل خطوة هامة في حزمة إجراءات الحصار الاستراتيجي الروسي الصيني لحلف الناتو من الخاصرة الجنوبية وما يعنيه ذلك من سيطرة القوات البحرية الروسية على الملاحة عبر قناة السويس إغلاق استراتيجي غير مباشر لباب المندب .
– إنّ ضرورات المحافظة على أمن هذا الوجود العسكري الروسي العملاق في شرق المتوسط يفرض على القيادة الروسية، لأسباب جغرافية تتعلق بشؤون الإمداد، أن تنشئ تواصلاً جغرافياً برياً بين لينينغراد، عبر إيران/ العراق وصولاً الى السواحل السورية، حيث القواعد الجوية والبحرية الروسية.
– وهنا يظهر جلياً سرّ ثبات الموقف الروسي الداعم لكلّ من إيران والعراق وسورية، وهو ما يمكن أن يقدّم لنا التأكيد المستمرّ على ضرورة المواقف الحازمة عند مناقشة أيّ خلافات تكتيكية ميدانية مع حلفائنا الروس لأنّ القاعدة المتينة هي تأمين المصالح المشتركة بعيدة المدى… .
– وأيضاً وانْ كان في سياق آخر لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الاتفاقية الأمنية التي وقعت قبل يومين بين روسيا والصين في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة البند المتعلق باستخدام قوات البلدين خارج حدودهما في مكافحة الإرهاب…
ختاماً نقول إذا كان من واجبنا في هذه اللحظات التاريخية الحساسة أن نقف ملياً أمام الموقف الداعم لكلّ من روسيا والصين وتقدير دورهما الفيصل والأساس في معركتنا الكبرى ضدّ الهيمنة الامبريالية والاستكبار العالمي، ولكن من نافل القول التأكيد بأنّ هذا لم يكن واقعاً اليوم لولا صمودنا وتضحياتنا الجسام أولاً في محور المقاومة مجتمعين، وثانياً ما تعزز وترسخ لدى الدولتين الصديقتين خلال هذه السنوات العجاف بانّ الدفاع عن أسوار موسكو وبكين بات أمراً منحصراً الى حدّ كبير بالدفاع عن أسوار دمشق، فضلاً عن كون ذلك بمثابة المدخل الطبيعي لدحر العدو المشترك للإنسانية جميعاً، أيّ الإمبريالية الأميركية عن كلّ بلاد الشام والهلال الخصيب وشرق البحر الأبيض المتوسط مرة واحدة والى الأبد…!