تركيا «قدوة» في محاربة «داعش»!
سعدالله الخليل
تركيا مثال يحتذى به في محاربة «داعش» عنوان تصدّر وكالة ««الاناضول»» التركية الرسمية، الناطقة، بطبيعة الحال، باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب الحرية والعدالة، الجناح التركي لتنظيم «الإخوان المسلمين».
وقد استفاض التقرير في شرح، ما وصفه، المواجهة التركية القوية للتنظيم الإرهابي، منذ نشأته وحتى اللحظة. وركز على الضربات «الاستباقية التركية» للتنظيم. لم يقدّم أي مبرّرات لصدوره، أو المناسبة التي استدعت إعداد تقرير لا يستند لأيّ مصادر رسمية تركية، على أقلّ تقدير. وبالتالي، فإنّ التقرير لا يخرج عن سياق إيجاد المبرّرات، ضمن الحملة الدعائية المواكبة للتصريحات التركية الرسمية، المطالبة بدور فاعل في عمليات تحرير الموصل من التنظيم الإرهابي، على الرغم من رفض الأطراف العراقية المشاركة في العملية. وبالتالي، يبدو التقرير مكمّلاً لمشهدية دعوة زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، التنظيم، لمهاجمة تركيا، لقرارها الدخول في معركة تحرير الموصل. ويتماهى التقرير، مع التصريحات التركية الرسمية، المطالبة بتعديل اتفاقية لوزان عام 1923، التي رسمت حدود دول عدة واعتبرت تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية. وفي هذا السياق، ذهب سلطان العثمانية الجديد، أردوغان، للتذكير بتبعية الموصل وأجزاء من سورية، في سياق الترويج للخريطة التركية الموسعة، التي يبدو أنّ الرؤية التركية، تعتبر أنّ الظروف السياسية والعسكرية، قد تسمح بترسيم خارطة المنطقة من جديد.
من جديد، يسعى أردوغان للاستثمار في تنظيم «داعش» بشكل مزدوج، بالادّعاء بشنّ حرب على التنظيم، ما يعرّض أمن بلاده للخطر ويضعها في مرمى هجمات التنظيم المتطرف، من جهة، فيما يسعى لإعادة الحلم العثماني، عبر تكرار سيناريو دخول القوات التركية جرابلس، في شمال سورية، بطريقة الاستلام والتسليم بين حلفاء، لا خصوم وأعداء.
يرى التقرير، أنّ خطر تنظيم «داعش» على تركيا، يعود لعام 2013 ، حين أدرجته على قائمة المنظمات الإرهابية. وازداد خطر التنظيم ضدّ أنقرة، بعد احتجازه 49 شخصًا من موظفي القنصلية التركية في مدينة الموصل، عقب سيطرته على المدينة عام 2014. في الشكل، ربما التقرير على حق، لكن المقاربتين تكشفان من المغالطات الكثير. والوقائع تطرح تساؤلات أكثر، فكيف تنشئ تركيا معسكرات لتنظيم مدرج على لوائها كإرهابي، في «هاكارى وأورفة وماردين»، يضمّ المعسكر الواحد ما يقرب من 500 مسلح، من عناصر التنظيم، لتدريب المسلحين على العديد من الفنون القتالية المتعلقة بحرب الشوارع. وكيفية التعامل مع ضربات الطيران وغيرها من فنون القتال. وهو أحد جوانب الدعم العسكري التركي للتنظيم، على أراضيها. فيما شكلت قضية الإتجار بالنفط «الداعشي» أبرز فضائح أردوغان، التي تورّط بها نجله، بلال، بشكل مباشر. أما قضية الدبلوماسيين، فلا يمكن، بطبيعة الحال، اعتبارها مواجهة بين التنظيم وتركيا، خصوصا أنّ الإفراج عنهم يكشف العلاقات الجيدة بين الطرفين، حيث دخل الرهائن الـ 49 تركيا عبر بلدة تل أبيض، الخاضعة للتنظيم في الرقة، من دون الكشف عن آلية التفاوض، بين التنظيم الأكثر دموية في التاريخ والحكومة التركية ولا عن ثمن بقائهم على قيد الحياة ولا مبرّرات ظهورهم بكامل أناقتهم، بعد عودتهم من الاحتجاز، من دون أن ينالهم أيّ سوء.
تدّعي أنقرة أنّ قواتها المسلحة منذ 17 كانون الأول 2015 ولغاية 16 تشرين الأول 2016، استهدفت نقاطًا لـ«داعش» شمالي الموصل بـ 6 آلاف و820 رشقة. نجحت خلالها في تحييد 690 إرهابيًا وتدمير 555 مبنى وملجأ و106 عربات، و34 منصبة إطلاق صواريخ «كاتيوشا» ودبابة وخمسة مدافع وعدد كبير من القاذفات الصاروخية، إضافة إلى 11 مربض رشاش من طراز «دوشكا»، عائدة للتنظيم. الأرقام والادّعاءات فاجأت الجميع، حتى العراقيين أنفسهم، الذين اعتادوا على أخبار مهاجمة «داعش» لقاعدة بعشيقة التركية، شمال العراق، التي تنتهي، عادة، بحسب وكالة «الاناضول»، بردّ العسكريين الأتراك الموجودين في القاعدة، للهجوم، من دون أن يسفر عن سقوط أيّ قتلى أو جرحى بين هؤلاء العسكريين. أيّ أنّ كلّ معارك «داعش» مع الجيش التركي نظيفة، لا قتلى ولا جرحى، فالأتراك، يبدو أنهم وحدهم القادرون على انتزاع مخالب التنظيم الإرهابي، بحسب الرواية التركية.
من العسكرة والاقتصاد، إلى الفكر والايديولوجيا، ثمة تورّط تركي مفضوح في دعم «داعش»، فقد عثرت «قوات سورية الديمقراطية» على مناهج تدريبية باللغة التركية، في معسكرات تدريب انتحاريي مرتزقة «داعش»، في المنطقة الواقعة بين الهول وبحيرة خاتونية وكتب دينية لأحد مسؤولي «داعش» في تركيا، يدعى خالص بوينجوك ،الملقب بـ «أبو حنظلة». والغريب، أنها كتب مرخصة من وزارة الثقافة التركية، من بينها كتاب «واجبات المسلم تجاه الله»، الذي يحمل رقم ترخيص صادر عن وزارة الثقافة التركية وطبع بمطبعة تركية وتوزيعه تركي في الأسواق. والكتاب يكشف عن شبكة «داعش».
مواجهة تركيا لـ«داعش» تستحق فعلاً أن تكون «قدوة» وتدرّس في المدارس العسكرية، على أنها أفضل مدرسة في الكذب الممنهج المفضوح، في الشكل والمضمون. وما عنونته وكالة «الأناضول» صحيح، إنما في الاتجاه المعاكس لما تفوّهت به.