وللأمّة السوريّة سُلافُها العسجد!
أحمد طيّ
لطالما أبهرتنا النجمة السورية سلاف فواخرجي بأدائها الراقي وأعمالها المبدعة، من أمام الكاميرا أو من خلفها. ولطالما جعلتنا نشعر بالعزّة والافتخار لدى اتّخاذها أيّ موقف وطنيّ، تدعو خلاله إلى الدفاع عن سورية وعن ترابها وتراثها وثقافتها وحضارتها ومكانتها، وعن شعبها وجيشها.
ولسنا بمبالغين ومُرائين إن قلنا إننا صرنا ننتظر أخبار سلاف يوماً بيومٍ، لنقرأ عن نجاحٍ هنا، وجائزةٍ هناك، وتكريمٍ هنا، وعرضٍ هناك. صرنا نتقفّى تصريحاتها كلّ ساعةٍ، عبر الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، وعبر المواقع الإلكترونية وشاشات التلفزة وعبر الإذاعات.
مؤخراً، قرأتُ تقريراً مقتضباً، يتضمّن حديثاً خصّت به نجمتُنا المتألقة إذاعةَ «المدينة FM»، وتحديداً برنامج «المختار» كضيفةٍ أولى في موسمه الجديد مع الزميل الإعلامي باسل محرز. وتناولت فواخرجي في هذا الحديث جديدَها للموسم الرمضانيّ المقبل، ووضع الدراما السورية بشكل عام.
أما ما لفتني، فيكمن في تصريحها الصريح حول ما تؤمن به إزاء الوطن، معلنةً بملء ثغرها، أنّها مؤمنة بفكرة الأمّة السوريّة، وأنّها تميل إلى الفكر السوري القومي.
لعلّ ما صرّحت به سلاف يكون نابعاً من إيمانٍ متأتٍّ من وجدان متّقد، ومن دراسة واقعية لمفهوم الأمّة ومقوّماتها. ولعلّ هذا الإيمان وصلت إليه بعدما رأت وشاهدت ولمست تخاذل العرب إزاء ما تتعرّض له سورية، لا بل لأنها رأت تآمر بعض العرب على سورية، والتواطؤ الذي بدر منهم في هذه الحرب الخبيثة التي تُشنّ على أقدم عاصمة في التاريخ ما زالت مأهولة، وعلى الأرض التي أنجبت العلماء والنجباء، والشعراء والأدباء، وأعطت الحرف والأرقام والاختراعات لعالمٍ كان لا يزال حينذاك في ديجور الجاهلية.
ربما آمنت سلاف بسوريّة سورية لأنّها أيقنت مؤخراً أن لا أمّة عربية واحدة تدافع عن سورياها، بل أنّ هذه «الأمّة العربية» أرسلت «سلفيين جهاديين» إلى سورية لتدميرها ولقتل رجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها، ولإرسالها إلى جاهليةٍ ظلماء نقول إرسالها لا إرجاعها لأنّ سورية لم تعرف قط عصرَ جاهليةٍ . بينما شاهدت بأمِّ عينيها، السوريين الأتقياء الأنقياء، يستبسلون في الدفاع عن سورية، إن كانوا جنوداً في الجيش السوري، أو مقاومين متطوّعين من الشام ولبنان والعراق.
مهما تكن الدوافع التي أوصلت سلاف فواخرجي إلى هذا الإيمان بسورية الطبيعية، بالهلال السوريّ الخصيب فكراً وزراعةً وصناعةً وفلسفةً وفنّاً وجمالاً عبر العصور، فهذه الدوافع مُلك سلاف وحدها. أما ما يهمّني الإشارة إليه، أنّ الأمّة السورية تليق بسلاف فواخرجي، وأنّ سلاف تليق بسورية.
دائماً كانت سلاف مبهرةً، باهرةً، ذكيةً، حكيمةً، وطنيةً، ثوريةً، مقدامةً، رقراقةً، لألاءةً، نوّارةً، سوريّةً نقيّةً نقاء جلنار الشام، وفوّاحة فوح ياسمين الشام، وعريقةً عراقة الشام.
هكذا هي سلاف فواخرجي في قلوب كلّ محبّيها، منذ «بنت الضرّة» و«خان الحرير»، مروراً بـ«العنب المرّ»، و«سيرة آل الجلالي»، و«أحلام لا تموت»، و«الأيام المتمرّدة»، و«ورود في تربة مالحة»، ووصولاً إلى «أسمهان»، «ولادة من الخاصرة»، «كليوبترا»، «عصيّ الدمع»، و«أحمر».
وإذا كانت قواميس اللغة العربية تفسّر اسم «سُلاف» بأنّه روح الأشياء وخالصُها وأنّ السلاف هو أفضل الخمر وأَخلصُها، فإنّ سُلاف فواخرجي هي روح سورية، وهي أيقونتها، وعسجدها الذي يتحدّى الزمن، فيتبدّل الزمن من حالٍ إلى حال، ويبقى هو ذهباً.