الحريري «يغازل» السيد.. حردان يحدّد أولويات «القومي»
هتاف دهام
تتقاطع عوامل تسهيل تشكيل الحكومة محلياً مع رغبة إقليمية ودولية. الدفع الإقليمي والدولي نحو إكمال التسوية هدفه تثبيت الأوضاع في لبنان لملاقاة الحراك على المستوى السوري أو المنطقة.
لا يرى قطب سياسي بارز لـ «البناء» عائقاً من دون أن تتشكل حكومة سريعة خلال شهر كحدّ أقصى. لا وقت كافياً للتعطيل. الوقت المتبقي عن موعد الانتخابات النيابية في أيار 2017 أقلّ من سبعة أشهر. أصبح الهامش المسموح للقوى السياسية للمماطلة والتسويف قصيراً.
باتت الهوة بين القوى السياسية أقلّ حول إجراء الانتخابات على أساس النظام الأكثري المحض. كانت التوجّهات قبل التشكيل ذاهبة نحو الستين باتفاق غير معلن بين القوى السياسية. بعد التأليف المنتظر، ستذهب الأمور نحو إقرار القانون المختلط، والأرجح هو الدمج بين المختلط المقدّم من الرئيس نبيه بري والصيغة الثلاثية الاشتراكية المستقبلية والقواتية. الفرق بينهما ضئيل جداً.
أنهى الرئيس المكلف سعد الحريري أول أمس، استشاراته النيابية. كان أبرزها مع كتلة الوفاء للمقاومة، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الطاشناق، وختامها كان مع كتلته الزرقاء. دخل نوابها جميعاً بمن فيهم أحمد فتفت. كان اسمه في صفوف المستقلين، حضر مستقلاً، لكنه سرعان ما عاد إلى بيته الداخلي. لم يدم تغريده خارج السرب المستقبلي طويلاً. انضمّ إلى اجتماع نواب كتلة لبنان أولاً حضروا قبل الموعد المحدّد . أنهوا الاجتماع مع رئيس تيارهم «المكلّف» قبل وصول «العمة» بهية التي شاركها الرئيس فؤاد السنيورة اللقاء بعدما غادر بهو المجلس وعاد مسرعاً، كي لا يفوته شيء.
حفلة الاستشارات دامت يومين وطُويت. قبل أن ينطلق إلى قصر بعبدا ليُطلع رئيس الجمهورية ميشال عون على حصيلة نتائجها، خرج الحريري ليعلن نتائج جولة نقاشاته مع الكتل النيابية. الشيخ سعد يستذكر دائماً والده الشهيد رفيق الحريري. فهل يسير على خطى الرئيس الراحل في تشكيل الحكومة الثلاثينية، وإنْ كان حزب الطاشناق برئيسه النائب هاغوب بقرادونيان يطمح لأن تكون من 32 وزيراً لتمثيل الأرمن الأرثوذكس بوزيرين والأقليات بوزير مع تشديده على موضوع الميثاقية؟
الحكومات الخمس للرئيس الحريري الأب غابت عنها صيغة الـ 24 وزيراً. تمثل فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي على سبيل المثال دائماً بوزارة أساسية.
لقد دعا الحزب القومي دائماً لانتخاب رئيس وتفعيل عمل المؤسسات كافة. كان دائم الحرص على ضرورة الشروع في الإصلاحات السياسية من خلال قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية من خارج القيد الطائفي. شدّد على إيلاء القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية كلّ اهتمام. أكدت كتلته هذه الأولويات في الاستشارات غير الملزمة مع الرئيس المكلف.
بعد اللقاء، أعلن النائب أسعد حردان هذه الأولويات بوضوح، مجدّداً تشديده على ضرورة نيل الحزب حقيبة وزارية أساسية ومجموعة من العناوين الإصلاحية والاقتصادية والاجتماعية. عبّر عن رؤية «القومي» المتكاملة للإصلاح السياسي. إصلاح من شأنه أن يؤسّس للدولة المدنية القوية والعادلة. حرص حردان على تبيان رؤية «القومي» للإصلاح السياسي وتأكيد مشروع الدولة. أشار إلى الأوضاع المعيشية التي تثقل كاهل الناس والأوضاع التربوية البيئية والصحية. شدّد على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة كعنصر تحصين للبنان في مواجهة العدوانية الصهيونية، في إشارة واضحة لما يجب أن يتضمّنه البيان الوزاري للحكومة العتيدة.
«غازل» الرئيس المكلّف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. خلال اجتماعه بوفد من 6 نواب من كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة النائب محمد رعد. قال الحريري «كيفو السيد سلّمولي عليه». تحيات الرئيس المكلّف تحمل أجواء تهدئة داخلية ورغبة من الحريري بأن يتمكّن من تشكيل الحكومة سريعاً.
في أسطع مظاهر المصالحة أتت تحية الشيخ سعد لسيد المقاومة. لا تشبه هذه «المغازلة» كلام الحريري من على باب المحكمة في لاهاي، أنه سيدخل مع حزب الله حكومة ربط نزاع حكومة تمام سلام .
تسليم ما بعده تسهيل. أكد النائب محمد رعد في حفل تأبيني «أبلغنا الرئيس المكلف أننا مع حركة أمل، ندخل معاً ولا نقبل أن نكون في الحكومة، إذا كانت حركة أمل خارجها». لن يذهب حزب الله إلى تجريد هذه الحكومة من الميثاقية الشيعية. الميثاقية تتوافر عند التشكيل.
وضع البعض التحية في خانة رسالة الرغبة في اللقاء. لكن المنطق يقول إنّ الظروف غير ناضجة، بالأخصّ بالنسبة للحريري. لا يزال الأخير مضطراً لحمل شعارات المرحلة القديمة لفترة ما بعد الانتخابات النيابية.
ربما يكون العهد الجديد أكثر تمايزاً عن العهود السابقة. رغبة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف التعاون في التشكيل. انتفت اليوم كيدية العلاقة التي سبقت تشكيل الحكومة السلامية برفض تيار المستقبل توزير الوزير باسيل. وإنْ أشارت بعض المعلومات والتكهّنات إلى أنّ باسيل صديق نادر الحريري قرّر أن يكون خارج التركيبة الوزارية.
الأكيد أن لا إشكالية حول صيغة البيان الوزاري، ربما سيكون من منطلق صيغتَيْ خطاب قسم الرئيس عون وحكومة الرئيس سلام، حيث تمّ اللجوء خلال كتابة بيانها إلى فن صياغة أرضى المكوّنات كلها.
كلّ ذلك يشي بأنّ ما يُسمّى عقدة الجيش والشعب والمقاومة انحلّت أو تمّ تجاوزها، كما قال النائب رعد بعد لقائه الرئيس المكلف.
لم يعد الثلث المعطل عقدة، كما كان في الحكومات الثلاث الأخيرة. التحالفات «تخربطت» واختلطت. لم يعُد هناك 8 و14 آذار. غابت الانقسامات العمودية. ربما سيكون رئيس الجمهورية مع حصته هو الضامن للأطراف كلها نتيجة دوره مرجعاً وحَكَماً، وسيشكل صلة الوصل بين حزب الله وتيار المستقبل.
قال مصدر مطّلع قريب من فكر فخامة الرئيس وقلبه لـ «البناء» إنّ التوجّه هو إلى حكومة سريعة طالما أنّ الكلّ يرغب في ما يسمّى بحكومة الوحدة الوطنية. القول إنها حكومة انتقالية وموقتة لا يقصد بأنها حكومة لا طعم ولا لون لها، وهمّها الوحيد وضع قانون انتخاب يتوافق عليه الأفرقاء السياسيون ومن ثم إجراء هذه الانتخابات.
هذه الحكومة ستكون أولى حكومات العهد الأولى، وكلّ حكومة في عهد الرئيس عون، سوف تكون على قدر طموحات الرئيس. الخوف في مثل هذا الكلام ان كان يقصد التطمين من أنها حكومة قد لا ترضي جميع الطامحين، لا سيما ما يُسمّى الحقائب السيادية أو الأساسية، بينما كلها متساوية في الخدمة العامة.
وفق المصدر، يريد الرئيس الحريري تطمين جمهوره وقاعدته ومكوّنه وبيئته، إنْ كان رئيساً مكلفاً بهذا الإجماع، فهذا يعني الكثير له، وإنْ كان ذاهباً في التأليف إلى إرضاء بعض الأطراف الذين كان معهم على خصومة سياسية، فالأمر ممكن بالنظر أيضاً إلى أنها حكومة انتقالية، حسب ما يتمّ وصفها، وإنْ كان من وراء هذا الكلام شيء آخر، لكنها حكومة تشكل طليعة عهد رئاسي قوي.
سوف تكون المقاربات مختلفة بعد الاستحقاق الانتخابي، وربما أنّ الأحجام ستتغيّر، لكن ذلك لا يعني أنّ الحكومة يجب أن تتجاوز الأحجام الحالية.
يظنّ المصدر خيراً. لا يفترض سوء النية. صاحب العهد قال أمس، مردّداً من «بيت الشعب» أنّ عبر الماضي تجعله يقول إنه محاور وإنه متفهّم وإنه جامع وإن لا أحد فوق سقف الدستور. ما يعني أنّ الكلّ سوف يلتزم سقف الدستور وسيتمّ استئصال الفساد. الشراكة الوطنية هي شراكة مفروضة ميثاقياً وليست خياراً. إنّ لبنان الشتات أصبح اليوم لبناناً واحداً يلتفّ حول هدف دولة قوية. هذه الدولة تبدأ بتأمين مستلزمات العيش وبديهيات العهد الرغيد، على ما قال الرئيس للمواطنين من صحة وضمان وبيئة وشيخوخة وحمايات أمنية وقضائية وعدم تجاوز وتنسيق. أتى هذا الكلام كصدى لخطاب القسم. يصلح بياناً وزارياً. خطاب القسم سيكون مصدر كلّ ما يرغب هذا الرئيس القائد أن يحققه في سبيل لبنان.
وإذا كان البعض يقول إنّ العُقد ستكون في عين التينة ومعراب، السؤال مَن يستطيع أن يتحمّل مسؤولية فرملة اندفاعة هذا العهد وأجواء المصالحة الوطنية التي بدأت بشائرها واضحة في المشهدية السياسية الراهنة؟ مَن يستطيع أن يتحمّل مسؤولية تطويق هذا العهد؟ مَن يستطيع إلى ذلك سبيلاً بعد مشهدية باحات قصر بعبدا أمس؟ أعطى الجنرال عيّنة وازنة عما يمكن أن نسمّيه استفتاء شعبياً لحظه الدستور لجهة إيلائه هذا الشعب السيادة ومنبت السلطات.
يشدّد المصدر القريب من فخامة الرئيس «أنّ ما يعرفه عن العماد ومنه أنه لن يكون مقيّداً بالتقاليد الموروثة. أما الأعراف التي من شأنها أن تطمئن، والتي لا تتعارض مع الميثاق والدستور لن ينقلب عليها.
لكن المؤكد أنّ جميع الأفرقاء سيتمثلون. المكوّنات السياسية لن تقف أمام حقيبة من هنا أو حقيبة من هناك أو توصيف لحقيبة من هنا أو توصيف لحقيبة هناك. الأمر جلل. هذا العهد المتوسم للإنجاز برئاسة الرئيس عون يحتاج إلى أداة تنفيذية سريعة اسمها السلطة الإجرائية. إن تشكيلها هو بداية تكوين الحجر الأساس لإعادة تكوين السلطة بعد ملء الفراغ للذهاب إلى قانون انتخاب فانتخابات لتكتمل عناصر السلطة من تنفيذية وتشريعية.
حتى جلاء الصورة في الأيام المقبلة، يؤكد المصدر أنّ أحداً من الوزراء العتيدين لم يُحسم حتى الساعة. لم تستقرّ حقيبة على كتلة أو على اسم. هناك أسماء يتمّ التداول بها، وما أكثرها لكنها لم تثبت بعد.
الحكومة على المرسوم. وزير العدل المستقيل أشرف ريفي ركب على المرسوم، فوزارة العدل كانت ذاهبة إلى النائب سمير الجسر.