حزب «الشعوب الديمقراطي» التركي يقاطع البرلمان بعد اعتقال قادته
أوقف حزب «الشعوب الديمقراطي» المقرّب من الأكراد، أمس، كل أنشطته في البرلمان التركي، رداً على اعتقال رئيسَيه وتسعة من نوابه، فيما اندلعت تظاهرات احتجاج متفرقة. وأبدى الاتحاد الأوروبي غضبه تجاه حملة الاعتقالات التي «تضرب الديمقراطية البرلمانية في تركيا».
وأعلن الحزب، الذي يمثل القوة الثالثة في البرلمان 59 مقعداً ، في بيان: «قررت كتلتنا البرلمانية وقيادة الحزب وقف أنشطتنا في الهيئات التشريعية، في مواجهة هذا الهجوم الشامل والغاشم».
وكانت السلطات التركية اعتقلت رئيسَي الحزب، صلاح الدين دميرطاش وفيغان يوكسك داغ وتسعة من نوابه، فجر الجمعة الماضي، لإحالتهم إلى المحكمة بتهمة الانتماء إلى «حزب العمال الكردستاني» المحظور والترويج له، ما أثار موجة انتقادات محلية ودولية واسعة.
ونفى الحزب باستمرار الاتهامات، بأنه يشكل واجهة لحزب العمال، الذي يخوض مواجهات مع الجيش التركي منذ ثلاثة عقود، بهدف الحصول على حكم ذاتي أوسع للأقلية الكردية.
وكانت محكمة في اسطنبول، أمرت، أول امس السبت، بسجن تسعة من المسؤولين والصحافيين في صحيفة «جمهورييت» المعارضة، بصورة احترازية بانتظار محاكمتهم.
وإثر اعتقال النواب، قيّدت السلطات التركية الوصول إلى وسائل الإعلام الاجتماعية وتطبيقات الشبكات الخاصة. وتراجع من جديد، سعر صرف الليرة التركية.
وقال المتحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطي، إيهان بلغين، في تصريحات نشرتها وسائل الإعلام التركية: إن قرار الحزب يعني أنه «لن يشارك في الجلسات العامة للبرلمان أو في لجانه»، مضيفاً: أن تركيا «عند منعطف طرق» وأن الحزب سيقرر، خلال الأيام المقبلة، إن كان سيتم تعيين رئيسَيْن للحزب بدلاً من دميرطاش ويوكسك داغ.
أضاف: بدلاً من الجلوس في البرلمان، سينتقل نواب الحزب، الذين لم يتم توقيفهم «من منزل إلى منزل، ومن قرية إلى قرية، ومن حي إلى حي» للقاء الناس. وفي نهاية هذه المشاورات الشعبية، سيدرسون مقترحات حول الخطوات اللاحقة.
وأثارت هذه الخطوة، مخاوف في أوساط حلفاء تركيا الغربيين. وأبدى الاتحاد الأوروبي غضبه تجاه الاعتقالات. وقالت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني والمفوض المسؤول عن شؤون التوسيع، يوهانس هان، في بيان مشترك: إن الاعتقالات «تضرب الديمقراطية البرلمانية في تركيا وتؤجج الأوضاع، المتوترة أصلاً، في جنوب شرق البلاد».
وكانت الشرطة التركية، أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، أول أمس السبت، لتفريق تظاهرة في اسطنبول ضد الاعتقالات. كما انطلقت مسيرة مماثلة أمس في مدينة ديار بكر.
وأدى انفجار في ديار بكر إلى مقتل 11 شخصاً، نسبته السلطات التركية إلى «حزب العمال الكردستاني». لكن وكالة «أعماق»، التابعة لتنظيم «داعش»، تبنت الانفجار، لكن مجموعة تدعى «صقور حرية كردستان» أعلنت أمس الأحد، مسؤوليتها.
وبحسب متابعين، فإن بقاء الأكراد في البرلمان يمثل عقبة كبيرة أمام مساعي «حزب العدالة والتنمية» الحاكم لتعديل الدستور. أولاً، لأن مقاعده قدت من حصة الحزب الحاكم. وثانياً، خلق تواجد الأكراد في البرلمان هوة واسعة بين العدالة والتنمية والحركة القومية، بزعامة دولت بهتشلي، الذي لم يخف رفضه لعملية السلام مع الأكراد. وبالتالي، أصبح الحزب الحاكم مضطراً، لاستئصال حزب الشعوب، إذا أراد كسب الحركة القومية في معركة تغيير النظام السياسي التركي، إلى نظام رئاسي.
وربما، ذلك، يفسر لقاء أردوغان بدولت بهتشلي، قبل يوم من شن حملة الاعتقالات، التي طالت قيادات حزب الشعوب.
ومع اعتقال ديميرطاش والنواب الآخرين، تعود تركيا وفق البعض، بالزمن إلى الوراء، إلى سنوات التسعينيات التي سادتها الصراعات الداخلية والاقتصاد المتعب، ففي عام 1994 اعتقلت السلطة مجموعة من النواب الأكراد ودخلت البلاد في مرحلة من العنف المتصاعد. وإذا ما تكرر المشهد هذه المرة، فإن ما بناه حزب العدالة والتنمية في عقد من الزمن فقط، قد نجده في أي لحظة منهاراً، لأن بذور الصراع بدأت بالانتعاش ولم يتبق الكثير لحصادها.