التعديل صعب.. والاستمرار يعني السقوط!
مصطفى حكمت العراقي
بعد سنوات عجاف أطلق عليها «الربيع العربي»، الذي جاء بـ«الاخوان المسلمين» حلفاء أردوغان للسلطة في مصر وتونس وليبيا، كان الحالم بالسلطنة في ذروة ابتهاجه، حتى أصبح الواحد بلا ندّ، فلم تسعه أرض وأصبح يتطاول يمينا وشمالا. وما هي إلا أيام حتى ابتدأ منحنى السقوط وبدأت أجنحة أردوغان بالتساقط يمينا وشمالا. فتبخر حلمه تدريجيا باستعادة السلطنة المزعومة، حتى تحوّل إلى رئيس يرتجف من شعبه. وبدأت الاتهامات بالديكتاتورية وقمع الحريات تنهال عليه، من حلفائه قبل أعدائه، بسبب حملة الاعتقالات الشرسة التي نفذها مرتزقته، فلم يكتف بالضباط والموظفين، إذ شملت نواباً وكبار زعماء المعارضة ونشطاء سياسيين، وصل عددهم إلى أربعين ألف شخص والتحقيق مع 82 ألفا، حسب مصادر إعلامية تركية. والتهم لكلّ هؤلاء جاهزة، فإما الارهاب أو الانقلاب العسكري، مشاركة أو تعاطفاً. وكأنّ أجهزة الامن التركية أصبحت تحاكم على النوايا، فضلا عن الافعال.
السبت الماضي، اعتقلت قوات الامن التركية تسعة صحافيين من صحيفة «جمهورييت» المعارضة، اضافة إلى اعتقال جميع قيادات «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، ثاني أكبر احزاب المعارضة التركية. وشملت الاعتقالات رئيسي الحزب، صلاح ديمرطاش والسيدة فيفان يوكسيك وعددا من نواب الحزب، الذي وصف حملات الاعتقال هذه، بأنها نهاية للديمقراطية في تركيا وعودة إلى الديكتاتورية. كما أن هذه الحملة الاخيرة، أثارت سخطاً شعبياً واسعاً في الداخل التركي المستهجن لحماقات اردوغان. وحتى في الخارج، بما في ذلك الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، إذ استدعت الخارجية الألمانية السفير التركي في برلين، على خلفية حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات التركية بحق أعضاء «حزب الشعوب الديمقراطي» في تركيا، فيما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق إزاء احتجاز نواب الحزب المعارض وقيادته. وعبّر توم مالينوفسكي، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، قائلاً: «بصفتنا صديقاً وحليفاً، نشعر بقلق عميق إزاء قيام سلطات تركيا باعتقال رئيسي حزب الشعوب الديمقراطي ونواب آخرين». وأضاف: «على الدول الديمقراطية إثبات صحة تصرفاتها وصون الثقة بأجهزة القضاء، قبل أن تفتح ملفاً قضائياً ضدّ ممثلي السلطة المنتخبين».
كما أنّ تقريراً للمفوضية الأوروبية بشأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، يشير إلى مشاكل تتعلق بحرية الصحافة واستقلال القضاء بتركيا. التقرير الذي سينشر اليوم، يتحدث عن انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة في تركيا. ويشير إلى أنّ القرارات القانونية بشأن الأمن القومي والحرب ضدّ الإرهاب، تطبّق بشكل انتقائي وعشوائي في تركيا.
التقرير يتحدث عن انتكاسة لاستقلال القضاء. ويقول إنّ خمس القضاة وممثلي الادّعاء أقيلوا بعد محاولة الانقلاب. وأنّ بعض المعتقلين احتجزوا لمدة تصل إلى 30 يوماً، قبل مثولهم أمام قاض، أثناء حالة الطوارئ التي فرضت في البلاد، بعد محاولة الانقلاب. ويثير التقرير أيضاً، تساؤلات خطيرة بخصوص تصرفات الحكومة التركية ضدّ أناس تشتبه بأنّ لهم صلات برجل الدين المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، المتهم من سلطات أردوغان بالتحريض على الانقلاب.
كلّ هذا وأكثر، يجعل وضع أردوغان الداخلي اكثر سوءاً من معظم القادة الذين أسقطتهم شعوبهم. كما أنّ وضعه الخارجي في اقصى درجات السوء، فالحلفاء يختلفون معه في أمور عدة، كما أنّ الاعداء ينتصرون عليه، في المواقف التي زجّ اردوغان نفسه فيها ورفع سقف المطالب، حتى أنّه في حيرة من أمره، فلا يمكنه الاعتراف بهزيمته ولا يستطيع الحصول على أدنى المكاسب، فهو الآن يحارب خارجياً وينهزم يومياً. أما في الداخل، فسجون أردوغان مكتظة بسجناء الرأي، معظمهم بتهمة التورط في عملية الانقلاب الاخيرة، أو الانتماء لجماعة الداعية التركي فتح الله غولن، حليف أردوغان السابق وأستاذه. كما أنّ عمليات فصل الموظفين لم تتوقف إلى الآن، حتى أنّ اكثر من مئة الف شخص تمّ اقصاؤهم بالتهمة نفسها وبعضهم قضاة واكاديميون.
تركيا أردوغان الآن، تعيش أياماً صعبة للغاية، حيث تحيط بها الهزائم في مختلف الصعد والحروب في الخارج والتصعيد المحتمل مع «حزب العمال الكردستاني» داخلياً، خصوصاً بعد اعتقال قادة الاكراد في البرلمان التركي، فضلاً عن الإرهاب الذي يضرب الداخل التركي متى يشاء، في أماكن حساسة وبالأخصّ مناطق النفوذ الكردي، ما سيمهّد لتعميق الشرخ والانقسام التركي. فبعد أن اتخذت الحكومة التركية نهج اتهام «حزب العمال الكردستاني» في كلّ شيء يحصل في تركيا، جاءت عملية ديار بكر الإجرامية الاخيرة، لتؤكد أنّ تركيا أمام مرحلة معقدة جداً، لأنّ الاضطرابات في المناطق الكردية ومدن أخرى مثل انقرة واسطنبول، يقوم بها أنصار أوجلان وديمرطاش، ستزداد حتماً وقد يجعل الصراع المسلح في ذروته في قادم الايام.
الاقتصاد والاستقرار اللذان تقاخر بهما «حزب العدالة والتنمية» منذ أن تسلّم السلطة، يعيشان الآن أسوأ ايامهما، فالاستقرار اصبح معدوماً والامن أصبح معرّضاً للاهتزاز في ايّ لحظة. كما أنّ المعدلات السياحية تراجعت، ما جعل مؤشرات الاقتصاد متراجعة، أيضا. كلّ ذلك، يزيد من مؤشرات تهاوي أردوغان وحزبه، فالتعديل في السياسة الاردوغانية صعب والاستمرار يعني السقوط.