الانتخابات الأميركية وتداعياتها في الداخل والخارج

رضا حرب

جرت يوم أمس الثلاثاء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الانتخابات الرئاسية الأميركية الأكثر إثارة في تاريخ الولايات المتحدة لما لها من تداعيات في الداخل الأميركي والخارج. انه يوم الفصل، وعلى الشعب الأميركي الاختيار بين شرين، بين الشوفيني والعنصري دونالد ترامب الذي أعلن بكلّ وضوح غير مسبوق معاداته للأقليات الملوّنة ومعاداته لكلّ ما هو مسلم بغضّ النظر إسلامي او اسلاموي، وهيلاري كلينتون المدعومة من دعاة الحرب وسياسة الانخراط المباشر في أزمات العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط.

تعرّضت المرشحة الديمقراطية لفضيحتين متتاليتين، واحدة تتعلق بزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون والثانية تتعلق بمساعدتها. مع انّ المدعي العام لم يثبت ايّ عمل جرمي إلا انّ شعبية ترامب ارتفعت مقابل انخفاض شعبية كلينتون. «عدم كفاءة هيلاري كلينتون» بات الشعار الذي يرفعه اعداؤها.

الفضيحتان ساهمتا بشكل واضح في تقدّم دونالد ترامب بنقطة واحدة وفقاً لـ«واشنطن بوست» قبل اسبوع من الانتخابات، بينما اشارت «نيويورك تايمز» الى تقدم كلينتون بثلاث نقاط. على العموم، وفقاً لأحد المحللين، سقطت كلينتون عن حافة الجبل وقام ترامب من الموت.

الفضيحة الأولى: نشر مكتب التحقيقات الفيدرالية «اف بي آي» تحقيقاً قديماً من 129 صفحة. جاء في التقرير انّ بيل كلينتون أصدر في اليوم الأخير لولايته الثانية عفواً رئاسياً عن الهارب من العدالة مارك ريتش، أحد ممولي الحزب اليموقراطي. وصف الرئيس الاسبق جيمي كارتر العفو بأنه «عفو منفعي، عمل مخزي». توقيت إعادة نشر التقرير في الاسبوع الاخير من الحملات الانتخابية المسعورة مثير للجدل.

كان مارك ريتش يخضع للتحقيق بتهمة التهرّب من الضرائب والقيام بتعاملات تجارية مشبوهة عندما هرب الى سويسرا عام 2002 حيث عاش إلى حين وفاته عام 2013، علماً أنه يحمل أيضاً الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الجنسية الأميركية وثلاث جنسيات أخرى، وقد ودُفن في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

على اثر نشر التقرير بدأ التشكيك بنزاهة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي، خاصة انه كان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي قد تولى شخصياً بصفته المدّعي العام في ملاحقة مارك ريتش. كما انه تولى شخصياً التحقيق بالعفو الذي أصدره الرئيس بيل كلينتون.

الفضيحة الثانية تتعلق برسائل هيلاري كلينتون الالكترونية التي وُجدت في الكمبيوتر المحمول لمساعدتها الأولى وصديقتها الوفية المعروفة بلقب «هيلاري الصغيرة» و«أخت هيلاري الصغيرة»، والمرشحة لاحتلال مركز متقدم في البيت الابيض اذا فازت كلينتون. الطامة الكبرى، كيف وصلت الرسائل الى الكمبيوتر المشترك لها ولزوجها السيّئ الصيت.

تتفوّق هيلاري على منافسها بالنفاق. ركزت في حملتها الانتخابية على «حقوق المرأة» وفي نفس الوقت تسلّمت هي و«مؤسسة كلينتون» المشبوهة دعماً مالياً كبيراً من المملكة العربية السعودية التي ترفض منح المرأة ايّ حقوق. السفير السعودي وصف ضرب اليمن كـ»ضرب الرجل لزوجته».

فضائح آل كلينتون لم تسحب البساط كلياً من تحت أقدام هيلاري كلينتون، لكن فرص ترامب باتت أقوى واحتمالات فوزه لم تعد مفاجأة. لكن السؤال المهمّ: ما هي تداعيات النتائج في الداخل والخارج؟

في مقال سابق اشرت الى أنّ الانقسام الحادّ يمكن ان تصل ارتداداته الى الشارع الأميركي خصوصاً بعد التقارير التي قالت انّ الميليشيات اليمينية التي خرجت من رحم كو كلوكس كلان ستنزل الى الشارع للجم الأقليات من التصويت لكلينتون. وعلى الأرجح، سيكون المشهد أسوأ بكثير إذا فاز ترامب بمجموع «الأصوات الشعبية Popular Votes» وخسر الرئاسة في مجموع «الأصوات الانتخابيةElectoral Votes»، عندها حتماً ستنتقل المواجهة الى الشارع الأميركي.

من الواضح انّ ترامب لن يمشي على خطى المرشحين المهزومين في التقليد الأميركي المعروف، وهو، بعد إعلان النتائج يخرج المرشح المهزوم لإلقاء خطاب حماسي أمام مؤيديه يعلن فيه هزيمته ويشكرهم على تأييدهم ومن ثم ينتقل ليشكر عائلته الواقفة الى جانبه ويهنّئ الفائز ويتمنى له التوفيق. على الأرجح، سيخالف ترامب ذاك التقليد وقد ألمح الى ذلك في المناظرة الثانية.

ترامب سيشكك بالنتائج، وسيشكك بشرعية أصوات الملوّنين، وسيتحدث عن مؤامرة قادها الحزب الديمقراطي ومشى فيها رموز من الحزب الجمهوري، وسيعلن رفضها وبالتالي فإنّ احتمال انتقال المعركة الانتخابية الى الشارع وارد جداً، عندها سنشهد السيناريو التالي: يعلن أوباما حالة الطوارئ، وسيأمر بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة نزول الحرس الوطني الى الشوارع لوقف الاعتداءات المتبادلة. احتمالات «ربيع أميركي» ضعيفة جداً، لكن فلننتظر وسنرى. الاتحاد السوفياتي بكلّ جبروته سقط في ليلة.

في السياسة الخارجية سنشهد نهاية لـ«عقيدة أوباما» في حال فازت هيلاري كلينتون. في حملتها الانتخابية أشارت الى العودة الى الانخراط المباشر في أزمات المنطقة وتبني الخيار العسكري بدل «الحرب بالوكالة» او ما يسمّى «القيادة من الخلف» التي تبناها أوباما. هذا من جهة كلينتون، اما من جهة ترامب، يبدو انه يتبنى سياسة «الانعزال» من خلال رفع شعار «اميركا اولاً»، لكن ليس بالمطلق.

عندما تهدّد كلينتون بتوجيه ضربات جوية للقوات السورية هي تعلن بالفم الملآن دعمها للإرهاب التكفيري. وعندما يقدّم العرب المؤيدون للإرهاب التكفيري الدعم المادي لكلينتون ولمؤسسة كلينتون المشبوهة ويعمل إعلامهم على شيطنة ترامب، اضافة الى انضمام «المحافظين الجدد» الى معسكر كلينتون، لا بدّ ان نستنتج خطورة انتخاب كلينتون، وقد أشارت تقارير عن بدء فريقها العمل على وضع خطط عسكرية استفزازية، ليس لمحور المقاومة فقط، بل لروسيا والصين. من جهته قال ترامب انّ بوتين رجل قوي وأعلن عن استعداده للتعاون مع قيصر الكرملين بوتين في الحرب على الإرهاب التكفيري.

عندما تشير كلينتون الى انها ستحاصر الصين بالصواريخ وهجومها المتواصل على بوتين واستخدامه كسلعة انتخابية، يمكن تفسير هذه الخطابات الاستفزازية على استعداد كلينتون إشعال وسط آسيا الذي بات يشكل عمقاً استراتيجياً للصين ويعتبر «الخاصرة الرخوة» لجنوب روسيا. اجتماع أردوغان بعلماء وسط آسيا لم يكن أبداً بنوايا حسنة. كما ينبغي ان لا ننسى ان القوقاز منطقة قابلة للاشتعال.

عندما تعّلن كلينتون نواياها بفرض منطقة «حظر جوي» شمال سورية تعلن استعداداها للمواجهة المباشرة مع روسيا ومحور المقاومة.

بعد فشل السعودية في كلّ رهاناتها، من الملف النووي الإيراني الى اقناع أوباما التدخل المباشر في سورية، الى استمرار الدعم الأميركي لها في حربها الهمجية على اليمن، إلى اقناع الكيان الصهيوني بتوجيه ضربات جوية للمواقع النووية الإيرانية، تكون كلينتون آخر أمل لآل سعود. وفي حال فاز ترامب سيُصاب حكام السعودية بانهيار عصبي.

المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية

www.cgsgs.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى