قاسم شمخة … تألّق في الملاعب وهدفه «الشهادة»
إبراهيم وزنه
قاسم علي شمخة شهيداً. هو ابن العشرين ربيعاً، الذي فضّل الدفاع عن الوطن والشعب والمقدّسات على فكرة الدفاع عن ألوان الفريق الكرويّ، هو لاعب نادي العهد المتألّق في كلّ المراكز، المتميّز بدماثة أخلاقه، القريب إلى كلّ رفاقه ومحرّك جماهير الفريق في المدرجات، صغيراً وجد نفسه في أحضان صرح رياضيّ يحمل اسم سيّد شهداء المقاومة السّيد عباس الموسوي، وسريعاً راح يرتقي مع فرق الفئات العمريّة لنادي العهد معاهداً نفسه الموازنة ما بين الهواية والمقاومة، فمن البراعم إلى الأشبال وصولاً إلى الشباب ومسيرة التألّق تواعده بمغريات الإنجازات والوقوف فوق المنصّات، فيما قاسم المملوء بالحيويّة وحب العطاء كان يواصل في مقاربة الملاعب بشغف للريادة وساحات الجهاد عاشقاً للشهادة، إلى أن أطلق القدر صافرة النهاية، ليتوّج «عريس العهد» ثلاث سنوات من عمره الجهاديّ بشهادة مباركة، لطالما سعى إليها بجوارحه وآمن عن قناعة بأنّها أسمى الأهداف، فهنيئاً لك يا قاسم، لقد فزت وربّ الكعبة.
عروض الأخ المغرية!
منذ أعلن نادي العهد عن شهادته في الثالث من تشرين الثاني الحالي، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي الرياضيّة رثاءً وصوراً بطلها «القاسم»، عبارات داعمة وأخرى غير لائقة كانت تنطلق من منطلق العداوة الكرويّة وغير الكرويّة مع نادي الشهيد، ولا داعي لذكرها لأنّها لا تمتّ إلى الإنسانيّة بصِلة، ليردّ شقيق الشهيد الأستاذ سمير شمخة بعبارة تختصر الروح الرياضيّة الحقّّة «الله يسامحهم»، ولمّا استدرجناه لـ«فلفشة» صفحات الأخوّة وذكرياتها بين كبير البيت وصغيره، قال: «لطالما كنت ألتقط معه الصور من منطلق شعور داخليّ كان يحدّثني بأنّ قاسم
سيودّعنا يوماً ما، وكنت أرفض تصديق هذه الفكرة، فمع تطوّر أدائه الكرويّ عرضت عليه السفر إلى الخارج لخوض التجارب مع عدد من الفرق الإسبانيّة التي تربطني بها علاقة صداقة واحترام متبادل، لكنّه كان يرفض الموضوع من أساسه، فقط لأنّه يعشق العيش في لبنان والدفاع عن وطنه، أمّا بالنسبة لما وصلتني من «خبريّات» فيها شيء من التطاول على حرمة الشهيد بشكل عام ، فما عساني إلّا التأسّي بالإمام الحسين ع الذي كان يبكي على أناس سيدخلون النار بسببه مع فارق في القياس والتشبيه».
شهادة العهد
«لاعب لا تفارق البسمة ثغره، برحيله ترك أثراً طيباً عند جميع عارفيه، فمع دخوله إلى النادي تشعر بأنّ الملعب يمشي فهو المميّز بكلّ التفاصيل، انتسب إلى النادي في العاشرة من عمره وتدرّج في فئاته العمريّة وحمل في سن 13 أوّل كأس بطولة لبنان ، ثمّ كرّت سبّحة الإنجازات وقاسم يرتقي فوق المنصّات رافعاً الكؤوس». كلمات لأمين سرّ نادي العهد الحاج محمد عاصي، قالها في سياق الإضاءة على شخصيّة ومسيرة اللاعب الشهيد، ثمّ لفتنا إلى أنّ قاسم هو المحرّك الرئيسي لجماهير نادي العهد في المدرجات. عند حضوره يسلّمونه المذياع ليبدأ إنشاداً وتشجيعاً، منذ بدء مشاركته في المعارك الدائرة في سورية صرنا ننظر إليه وكأنّه سيفارقنا يوماً ما، فهو اختار الطريق وكان يتمنّى الشهادة ونالها. في الفترة الأخيرة كان يحضر إلى الملعب ويتمرّن مع أيّ فئة موجودة على أرض الملعب، بصراحة كان مالئ النادي وشاغله. رحمه الله، سيبقى في ذاكرة اللاعبين كباراً وصغاراً.
شهادة من الميدان
التقينا أحد المقاتلين العائدين من حلب، وكان قد شارك مع الشهيد جنباً إلى جنب في كثير من المعارك، فأفادنا بالآتي: «ذات يوم اختار مسؤول الوحدة عدداً من المقاومين لمهمّة أماميّة محفوفة بالمخاطر مستثنياً قاسم من المهمة، فما كان منه إلّا الصراخ والمواجهة مع إصراره على أن يكون ضمن المجموعة، ويومها رضخ
المسؤول إلى طلبه ورغبته … وفي عزّ احتدام المعارك كان ينشد ويطلق الصرخات، وخصوصاً «لبّيك يا زينب».
.. ومن الملاعب
كثيرون هم اللاعبون الذين بكوا وتأثّروا لفراق قاسم، أكان في نادي العهد أو في باقي الفرق، وجهه البشوش في ذاكرتهم وصوته الرخيم في مسامعهم، هو المجتهد الذي يكره الخسارة والقائد الذي يعرف كيف يرفع المعنويّات، وفي ختام مجلس العزاء والمواساة الذي جمعهم كانت أبصارهم شاخصة نحو صورته الكبيرة المعلّقة على الجدار. كلّهم نعتوه بالكريم وبالمسامح، آلمهم فراقه وأفرحتهم شهادته، الكلّ في نادي العهد يحفظ ملامحه ولهم معه ذكريات و«خبريّات». قاسم شمخة وداعاً، اعتزلت الملاعب واحترفت القتال حتى نلت مبتغاك .. الشهادة الحلم.