القوات… و«حلم» الدفاع والخارجية!

هتاف دهام

تُعَدّ التشكيلة الحكومية على نار حامية. يجري العمل على تذليل مشكلة معراب. لن يكون لحزب القوات اللبنانية حقائب سيادية بقرار محسوم عند المكوّنات الأساسية. لا عقد جوهرية أمام تأليفها، كما يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري. تمّ الاتفاق خلال اللقاء الثلاثي في بعبدا بين الرؤساء الثلاثة على إتمام التشكيل قبل 22 تشرين الثاني الحالي أو قريباً منه.

لا يتخيّل قطب سياسي بارز لـ «البناء» أن يُمسك حزب القوات بسلطة الوصاية على الأجهزة الأمنية. بعيداً عن ذلك لن يتخلى الرئيس المكلف سعد الحريري بكتلته الوازنة من 32 نائباً عن حقيبة الداخلية السيادية وعن الوزير نهاد المشنوق، إلا في حالة المداورة في الوزارات. المداورة تشوبها عقبات كثيرة، وهي غير مطروحة قبل الانتخابات النيابية. يريد الشيخ سعد للحكومة أن تبصر الحكومة النور سريعاً.

لن يقدِّم «الشيعة» وزارة المال هدية للدكتور سمير جعجع في ظلّ الاشتباك القائم أصلاً حول المالية، تحت عنوان الشيعة والمراسيم والطائف. أكد رئيس المجلس في لقاء الأربعاء أمس، تمسكه بالوزارة وبالوزير علي حسن خليل.

لكن ماذا عن وزارتي الدفاع والخارجية حصة رئيس الجمهورية وتكلته السياسي ؟ هل التيار الوطني الحرّ محشور بمطالب القوات بهاتين الوزارتين؟

لا تحتمل تركيبة البلد خيارات كهذه. لا يتناسب الخطاب السياسي لمعراب أبداً من القضايا الوطنية الكبيرة ذات الطابع الخارجي مع منطق تولي قواتي حقيبة وزارة الخارجية والمغتربين. السقوف المرنة التي ستعتمد في أي خطاب على رأس الدبلوماسية اللبنانية في المحافل الدولية والعربية والإقليمية غائبة عن هذا المكوّن. إنّ حزباً سياسياً يملك موقفاً عدائياً من المقاومة لا يستطيع أن يحجز لنفسه موقعاً في قصر بسترس.

الأكيد أنّ «الخارجية» يجب أن تكون منسجمة مع نهج الرئيس. من المرجح أنّ جبران باسيل باقٍ في موقعه على رأس هذه الوزارة. هذه الوزارة لها علاقة بالخلاف حول حساسية مواقف لبنان من نزاعات قائمة في المنطقة على رأسها الوضع السوري، العلاقة مع دول الخليج، الموقف من المقاومة.

لم يغرّد باسيل يوماً خارج السرب الوطني المقاوم، لم يُدلِ بأيّ موقف من دون التنسيق مع الحكومة السلامية… وإنْ حاول الـ «تمّام» أن يتملّص من التنسيق أحياناً.

تبقى وزارة الدفاع حصة رئيس الجمهورية . هل يمكن أن يأتي قواتي على رأسها؟ بين الجيش وحزب القوات خلاف تاريخي. وفق القطب نفسه، الذاكرة لا تزال مثقلة بالجروح، بعضها لم يندمل رغم مرور سنوات طويلة، ورغم الخطاب والجهد القواتي الذي يتحدث عن الدولة والعبور إلى الدولة. هناك تنافر فكري وثقافي بين كلمة قوات تشي بذاكرة عسكرية، وبين ديمقراطية جديدة يُنظّر لها الحكيم وحزبه.

لم تحضر القوات كعنصر مؤثر في حكومات الـ 11 عاماً الماضية. كانت مشاركتها رمزية وأحياناً غير موجودة. لكن الملاحظ اليوم الشراهة التي يقارب بها الدكتور جعجع التشكيلة الحكومية الأولى في العهد الجديد على قاعدة الملهم للعهد. جَهد الحكيم في المقابلات الكثيفة والمتكرّرة بعد انتخاب العماد عون رئيساً تقديم نفسه أنه أبو العهد وأمُه وعرّابُه وصانعُ المعجزة. غاب عنه أنه بالأحجام هو حزب من ثلاثة نواب واقعيين والنواب الخمسة الآخرين أتوا في كنف الأحزاب الأخرى المستقبلية والجنبلاطية. سيبقى واقعه على حاله إذا لم ينتفض على بوتقة «الستين» «التقدمي» و«المستقبلي»، وينضمّ الى صفوف المطالبين بقانون نسبي.

إنّ الحقيقة الأساسية وراء انتخاب الجنرال لا تُخفى على أحد. هل كانت القوات تريد أن يصل الجنرال إلى الرئاسة؟ تتكشّف الكثير من الحقائق وستتظهّر أكثر فأكثر في الأيام المقبلة. إنّ الهدف الأساس لجعجع العبث بمشاعر الجمهور البرتقالي والاستثمار على هذا العبث. كلّ هذا الكلام فشل. رئيس التيار الوطني الحر بعث من ساحة الشهداء رسائل لـ «الحلفاء الجدد» أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو الشريك بالنصر في الاستحقاق الرئاسي وأنّ التيار الوطني الحر وجمهوره لم يشكّكوا يوماً بصدق حزب الله و«السيد».

يؤكد القطب السياسي أنّ إرضاء القوات، إذا كانت الحكومة ثلاثينية، سيتمثل بوزارتين اجتماعيتين ووزارة قريبة من السيادية مثل الأشغال غمز لها النائب جورج عدوان في مجلس النواب بعد الاستشارات أو الاتصالات. لا شك في أنّ أهمية وزارة الاتصالات وتأثيرها لا يتوقف على حزب الله بل يطال لبنان كله، لما تتمتع به من حساسية أمنية ظهرت في 2008. لكن في النهاية كي لا يتمّ تصوير الواقع أنّ هناك من لا يريد حزب القوات في الحكومة، ربما تمنح هذه الوزارة لوزير مقرّب من «الحكيم».

يستعمل «الدكتور» كما يقول، القطب السياسي نفسه، منطقاً خطيراً في المقاربة، عندما يدعو الى عدم توزير كلّ مَن لم يصوّت للعماد عون. فهو يجمح نحو التخلص من تيار المرده وحزب الكتائب والمسيحيين المستقلين، مدفوعاً بأحلام أنه سينتقل من كتلة 8 نواب الى كتلة 13 أو 15 بناء على خطابه الجديد وتحالفه مع العونيين، علماً أنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف متفقان على تمثيل جميع الافرقاء في حكومة لن تدوم أكثر من ستة أشهر.

هكذا يبقى هاجس «الدفاع» و «الخارجية» مجرد حلم قواتي في ليلة صيف عابر!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى