أيلول شهر التورّط الأميركي… فهل نعتبر؟
د. حسام الدين خلاصي
مع اقتراب الحادي عشر من أيلول من كلّ عام يزهو الطاووس الأميركي، بأنه كان ضحية الإرهاب العالمي، إذ اخترق أمنه الذي لا يخترق مجموعة من شبان بن لادن الذي رمي بالبحر، وانطلق بعدها الغول الأميركي يعيث فساداً بحجة محاربة الإرهاب. وشرعن لنفسه في غفلة وضعف من باقي الأمم التي كانت تبني قدراتها الذاتية أن يقوم بتطهير المنطقة من إرهاب القاعدة والتي فجأة بقدرة استخباراتية عالية قذف برئيسها إلى البحر.
واليوم يطل أيلول وذكرى ناطحات السحاب تتجدد مع انبعاث مشروع داعش في العراق والشام وكأنه وليد الصدفة أو لقيط اسلاموي ليس له أصل أو أب روحي أو ممول، هذا اللقيط الإرهابي ظهر في العراق وفق النظرية الأميركية على أرضية بقايا القاعدة، أما في سورية فوجوده مقترن بأن النظام السوري بحسب النص الأميركي الدولة السورية لم تتنازل لما يسمى الجماعات المسلحة المعتدلة عن السيادة السورية فانبثقت داعش في بلاد الشام كضرورة لما يسمى حقيقة فشل المخطط الذي أعد لسورية بفضل تصدي الجيش العربي السوري لزحف هذا السيل من الدواعش مزودين بقنوات إعلامية تغض البصر عن جرائمهم في سورية وبرؤوس أموال ضخمة خليجية يتم إخفاؤها تحت مسمى أموال مسروقة من بنوك الموصل وأسلحة متنوعة عبر الحدود التركية يتم إخفاؤها تحت مسمى أسلحة مصادرة بعد قتال مع الجيشين السوري والعراقي.
إن مشروع داعش الحلقة الوسيطة لمشروع دولة الخلافة الذي بدأ يلوح في سماء الهند وروسيا والمغرب وليبيا ومصر ولبنان والصومال واليمن… إلخ ما هو إلا مجرد إعلان نوايا لمخطط مهد له منذ تسعينات القرن الماضي وفي الولايات المتحدة الأميركية بالذات في شيكاغو عام 1996 عقد أول مؤتمر لدولة الخلافة الإسلامية برعاية حزب التحرير الإسلامي وبإشراف أميركي صرف، فلا غرابة الآن أن تعتبر سورية خارج السياق وأنه يتوجب عدم الاتفاق معها لمحاربة الإرهاب لأن القضاء كلية على داعش في سورية والعراق الآن عبر الحلف الدولي الكرتوني من الناتو والأصدقاء العرب يعتبر ضربة قاصمة لمشروع دولة الخلافة الإسلامية – الصهيونية والذي لم يحقق أهدافه بعد، فلا بد إذاً وكما يقول المثل الشامي «الطبل بحرستا والعرس بدوما» أن تستمر الولايات المتحدة الصهيونية العربية في مسلسل القضاء على داعش إلى ما شاء الخليفة الصهيوني لتبقى سورية وفق مخططهم الحجة والملاذ الدائم لنبع يورد للعالم دواعش وفكر داعشي عبر تمويل الجماعات المعتدلة المسلحة والتهاون في الحسم، لذلك كلما طالت الفترة في القضاء على داعش كلما فرخ دواعش جدد في الدول التي يستوجب فيها ظهور التطرف الإسلامي الوهابي.
واليوم وبعد وضوح أن هناك سياسة بحسب رأي ليست استباقية تتبعها روسيا وإيران والصين وإنما هي سياسة تعتمد مبدأ إخماد النيران مكان اندلاعها، كما يحصل في لبنان ومصر والعراق وعلى الحدود الروسية، وكذلك على مسلسل العقوبات على الاتحاد الروسي. ولاحقاً قد نلاحظ تمدداً سنياً متطرفاً في الباكستان على حدود إيران قد تعتمد إيران إخماده بدلاً من الانهماك فيه، علينا أن نقول إن هذه السياسات لم تعد تجدي ولربما ينفد صبر الحلفاء القابعين شرق العالم، وعليهم إتباع النموذج السوري في المعالجة باكراً لأن المخطط مستمر لإنهاك العالم من حيث يدري ومن حيث لا يدري.
إن اختلاف وجهة النظر حول المحرك الرئيسي لهذا المخطط الشيطاني لشرق العالم اعتباراً من الشواطئ الشرقية للمتوسط، فمن جهة تعتبر إيران والعراق وسورية ولبنان محور المقاومة أن الكيان الصهيوني هو العدو الرئيسي الواجب مواجهته، ومن جهة أخرى تعتبر روسيا والصين أن العدو الرئيسي لهم هو المصلحة الاقتصادية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ومن هنا نقطة الاختلاف في المعالجة لأولئك الذين يتمنون قصف الكيان الغاصب اليوم قبل الغد على مبدأ قطع رأس الأفعى.
ولكن المتابع للمشهد العام يجد أن اختلاف تشخيص مسبب الفوضى الخلاقة، لا يلغي فكرة أن الأداة المستعملة هي واحدة ألا وهي الإرهاب الإسلامي الوهابي الداعشي حالياً والخلافي لاحقاً والذي سيضم في طياته كل متطرفي الإسلام في العالم، بالتالي على العالم المتبقي والذي يريد النجاة بنفسه، خصوصاً الدول الكبرى في المنطقة أن تسارع لتشكيل حلف إقليمي قوامه الدول المتضررة حقاً من الإرهاب الدولي الصهيوني وأن يباشر تطهير المنطقة من داعش وأعوانها عبر دعم الجيش العربي السوري علانية وليس سراً بطريقة تغيير عقيدة الجيش الروسي اليوم قبل الغد كما صرح بوتين، وأن تبادر الصين بإبراز دور أهم لها في المنطقة لأنها من أكثر الدول المهددة بخطر التقسيم تحت ضغط التطرف الإسلامي أولاً، وإيران الدولة الصديقة الشقيقة أن تباشر بالمجاهرة بأن حرب إضاعة الوقت حول الملف النووي لم تعد تجدي فالخطر القادم إليها من الشرق لن ينتظر ويحشد له بامتياز.
ختاماً عليكم بسورية ومن دون خجل أو وجل… من دون دبلوماسية أو أسرار، لأن الحادي عشر من أيلول نجح مع الماكرين في أول جولة في الضحك على العالم وها هم يكررونه بداعش في سورية وداعش في العراق.