لحّام: نرفض المشاركة في جلسة ملتبسة استُغلّت لإطلاق مواقف معادية للأنظمة والشعوب والعيش المشترك
تصدّى عدد من المشاركين في مؤتمر دعم مسيحيّي الشرق، وفي مقدّمهم بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام، لمحاولة قام بها أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لتحويل مسار المؤتمر عن هدفه الأساسي وجعله مؤتمراً لدعم «إسرائيل».
فخلال حفل العشاء الذي أقامته أمس جمعية حماية المسيحيّين في الشرق IDC، أخذ السيناتور الأميركي تيد كروز دفة الحديث وقال: «ليس للمسيحيّين حليف في منطقة الشرق الأوسط إلا إسرائيل»». وعلى الفور علا صوت البطريرك لحّام اعتراضاً على مثل هذا الكلام، وسانده في ذلك عدد من المشاركين، وانسحب السفير اللبناني في واشنطن أنطوان شديد من القاعة وتبعه النائبان جان اوغاسبيان وعاطف مجدلاني والنائب السابق غطاس خوري، فيما تعالت صيحات الاستهجان في القاعة مطالبة عضو الكونغرس بمغادرة المنصة، ما أدّى إلى إجباره على ترك المنصة وطرده من القاعة.
ونشر شريط فيديو على موقع «يوتيوب» يظهر الاعتراض القوي الذي أبداه لحّام، الذي قال: «لا يمكن أن أقبل بما قيل… لا أقبل أن أسمع ذلك»، سائلاً: «من أخرج اليهود من عندنا؟ من لبنان وسورية؟ هم من أخرجوهم الأميركيون . ومن العراق وبغداد؟»
وفي بيان أصدرته البطريركية الكاثوليكية، كرّر البطريرك لحّام موقفه الذي أطلقه اثر انسحابه من حفل العشاء اعتراضاً على كلام كروز، الذي دعا المسيحيّين الى السلام مع اليهود وندّد بالمسلمين وصوّرهم على أنهم أعداء المسيحيين واليهود»، رافضاً «المشاركة في جلسة حول أوضاع المسيحيّين لأنها ملتبسة في مواضيعها وفي شخصية المتحدثين فيها، حيث كان من المقرّر ان يلقي عضو الكونغرس كريس سميث كلمة تبيّن للحّام انها عبرة عن وثيقة حضّرها العام الماضي، وتتضمّن إدانة للرئيس بشار الاسد ودعوة إلى محاكمته امام محكمة الجنايات الدولية، وهذا ما اعتبره لحّام خروجاً عن موضوع المؤتمر، واستغلالاً للمناسبة من أجل إطلاق مواقف معادية للأنظمة والشعوب والعيش المشترك».
وذكرت البطريركية «أنّ لحّام كان رفض حضور الجلسة وسجل اعتراضه، كذلك رفض بطريرك السريان الكاثوليك يوسف الثالث يونان وممثل بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي المطران جوزف زحلاوي حضور الجلسة، ما دفع مدير المؤتمر الى إبلاغ البطريرك الماروني بشارة الراعي والبطريرك آرام الاول كشيشيان بالأمر، فاعترضا بدورهما وغادرا الجلسة».
الراعي
وكان البطريرك الراعي الذي تحدث قبل وقوع الإشكال، أكد أنّ الأزمات الخطيرة والمؤلمة التي يعيشها مسيحيّو الشرق خصوصاً في العراق وسورية هي التي جمعتنا في هذه القمة للدفاع عن المسيحيين والحفاظ عليهم وخلق أجواء من شأنها أن تعزز السلام والانسجام بين كلّ الاديان والمجموعات العرقية التي مرّ دهور على وجودها في أراضي الشرق.
ودعا الراعي إلى وقف انتشار الفكر التكفيري على الصعيدين السياسي والديني، فهذا الفكر يرفض التنوّع وتعدّدية المؤسسات السياسية وحرية الرأي والدين، كما دعا إلى القضاء على كلّ المنظمات الإرهابية في الشرق الاوسط لكي يستطيع كلّ مسيحي تهجّر من بلده تحت التهديد بالإعدام الجماعي، أن يعود اليها بسلام، وإلى وضع خطة شاملة ومنصفة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والمالي بما يسمح للمسيحيين بإعادة بناء حياتهم التي دمّرت على أيدي الإرهاب.
وأكد أنّ المسيحيين يلعبون دوراً مهماً في تأمين الاعتدال السياسي والتوسع الحضاري، حتى أنّ المسلمين المعتدلين والمتحضّرين يعترفون بأهمية الوجود المسيحي في بلادهم ومقتنعون بهذه الحقيقة.
وقال: «انّ الأحداث الأخيرة في كلّ من العراق وسورية ولبنان وغيرها من البلدان يجب أن تذكرنا أنه لن يكون هناك ربيع عربي في غياب المثل العليا للديمقراطية والاعتدال، إضافة الى الاعتدال الاقتصادي الذي يمثله المسيحيون في الشرق الاوسط».
كما شدّد البطريرك الراعي على أهمية الحفاظ على وحدة اللبنانيين وعيشهم المشترك، ليس لنا فقط بل لكلّ المنطقة وخصوصاً في هذا الوقت المحدّد من التاريخ.
يونان
وألقى البطريرك يونان كلمة في العشاء أيضاً، لفت فيها الى أنّ المسيحيّين ليسوا وحدهم من هم في حاجة الى الحماية، انما الأقليات الاخرى في الشرق الاوسط يحتاجون إلى ذلك أيضاً، جميعهم في حاجة الى اتخاذ إجراءات جذرية لحمايتهم، غير أنّ المسيحيّين استُهدفوا أكثر من غيرهم لأنهم اتهموا بأنهم «الطابور الخامس». وأضاف: «جميعنا سمعنا بالغزو الوحشي الذي حصل قبل ثلاثة أشهر في «الموصل»، ثاني أكبر مدينة في العراق، ومحاولة الإبادة الجماعية البشعة التي تعرّض لها المسيحيون والايزيديون والشيعة في سهل «نينوى»، حيث كانت مجموعات كبيرة تقطن في جبل «سنجار» واتخذت الاقلية الايزيدية ملجأ لها لقرون طويلة، كما في مناطق أخرى في شمال العراق».
وتابع: «يؤسفني القول إنّ هذا التطهير الديني الرهيب يتمّ في القرن الواحد والعشرين تحت أعين العالم واللامبالاة الصاعقة للأمم للدول المتحضّرة. يبدو أنّ المسيحيّين قد تركوا وحدهم عمداً لمواجهة قدرهم المأسوي». وأكد «انّ البلدان الغربية بسيطة لا بل متواطئة في تقبّلها لمزج الدين والدولة، كما يحدث في البلاد العربية باستثناء لبنان. وان الغرب بقيامه بهذا، يناقض مبادئه في تأمين حرية الدين لجميع المواطنين». وأضاف: «أعتقد أنّ الدول الغربية أضاعت فرصة نادرة عند نهاية فترة الاستعمار قبل 60 عاماً، اذ لم تساعد سكان ما يسمّونه العالم العربي للدخول في مشروع بناء مجتمعات مرتكزة على المبادئ المدنية التي تدعو لها الامم المتحدة. إنّ بطاركة الشرق ذكروا في اجتماعهم الأخير في بكركي – لبنان قبل بضعة أسابيع أنّ التفريق بين الدين والدولة هو شرط أساسي لنهوض دولة مدنية». وقال: «يبدو أن البلدان الصناعية الكبرى لا تهتمّ للمسيحيّين في الشرق الذين هم صانعو سلام ومتسامحون ومروّجون للإصلاحات الحضارية، آسفاً أن هذه البلدان الأخرى لا تحرّكها إلا فرصة الاستفادة من نفط البلدان الغنية، والخوف من نهوض التطرف الاسلامي.
كلمات
كما كانت كلمات لكلّ من المطرانين زحلاوي وابراهيم ابراهيم تطرّقا فيها الى أعمال العنف ضدّ حقوق الإنسان في الشرق.
وفي الختام، تلا رئيس جمعية الدفاع عن المسيحيين في الشرق توفيق بعقليني رسالة موجهة الى المؤتمرين من مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط طوني بلير، أعلن فيها «تأييده لأعمال المؤتمر ورفضه كلّ أنواع الاضطهاد»، مشدّداً على «ضرورة قمع المنظمات الارهابية».
مؤتمر دعم مسيحيّي الشرق في مبنى الكونغرس
وكان مبنى الكونغرس الاميركي استضاف في إحدى قاعاته في العاصمة الأميركية واشنطن مؤتمراً لبطاركة الشرق دعماً لمسيحيّي الشرق، بدعوة من IDC، واستمع الحاضرون الى عدد من أعضاء الكونغرس الاميركي عن نظرتهم إلى ما يحصل مع المسيحيين في الشرق من قتل وتهجير على يد المنظمات الارهابية.
وحضر اللقاء وفد من كتلة المستقبل ضمّ النائبين اوغاسبيان ومجدلاني والمستشار السياسي للرئيس سعد الحريري غطاس خوري، والنائب جوزف المعلوف ممثلاً رئيس القوات سمير جعجع، رئيس مجمع كنائس الشرق الكاردينال ليوناردو، رئيس أساقفة واشنطن دونالد وارل ساندري، الأمين العام لمجلس البطاركة الكاثوليك في العالم المونسينيور خليل علوان، الأباتي ايلي هاني، وفد المؤسسة المارونية للانتشار، عضو مجلس أمناء المؤسسة البطريركية المارونية العالمية للإنماء الشامل انطوان ازعور، وفد الرابطة المارونية برئاسة ندى عبدالساتر وحشد من أبناء الطوائف المسيحية في بلاد الاغتراب.
الراعي
ودعا البطريرك الراعي الدول العربية إلى التحرك قبل غيرها تجاه المآسي التي يتعرّض لها المسيحيون في الشرق، كما دعا المجتمع الدولي إلى التحرك سريعاً لوقف المجازر التي ترتكب في حق المسيحيين.
وقال الراعي: «إنّ اضطهاد المسيحيين في العالم اليوم حقيقة موثقة، وقد قال البابا فرنسيس مؤخراً أنه في تاريخ المسيحية لم يكن المسيحيون مضطهدين مثل اليوم، كلنا نعلم كيف أنّ المسيحيّين والإيزيديين وغيرهم في الموصل وسهل نينوى اضطهدوا من قبل داعش».
وأشار الراعي إلى «أنّ هذا الوضع مؤلم لكن ما يجعله مؤلماً اكثر هو سكوت العالم، شاكراً الولايات المتحدة وأوروبا على مساعدتهما ودعمهما»، وقال: «أتوقع من الدول العربية المعنية التدخل مباشرة قبل أي دولة أخرى».
وطالب الراعي المجتمع الدولي «باتخاذ الاجراءات التي تهدف الى تحرير القرى المحتلة من قبل الدولة الاسلامية في سورية والعراق، وتسهيل عودة النازحين الى قراهم وبيوتهم في الموصل وسهل نينوى، وايجاد منطقة آمنة وضمان سلامة هؤلاء الناس بالتنسيق مع الحكومة العراقية والكردستانية، لوقف تهجيرهم مجدداً والحؤول دون خسارة التراث الثقافي وإلغاء وجود المسيحيين من التاريخ، ودعوة المجتمع الدولي للبحث عن الدول التي تدعم الحركة الإرهابية إنْ كان على صعيد تدريبهم أو إعطائهم المال ومنع المدارس والجوامع من نشر الفكر الجهادي».
وشدّد الراعي على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة، «فالتهديد يطاول اليوم لبنان وسورية والعراق وغداً واشنطن ولندن وباريس».
أعضاء في الكونغرس يستغربون سكوت المجتمع الدولي
وتوالى على الكلام عدد من أعضاء الكونغرس الاميركي الذين أجمعوا على التأكيد «أن تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية تشكل خطراً كبيراً على الشرق بمجمله وخصوصاً على المسيحيين، وأبدوا تخوّفهم من وصول داعش إلى الأردن وإلى بلدان أخرى في المنطقة. ودعوا إلى ضرورة التحرك بسرعة لمكافحة الإرهاب وحماية الحريات، كاشفين أنه سيصار إلى تحضير مشروع قانون في الكونغرس يتناول حماية الاقليات الدينية في الشرق الاوسط».
وتطرق المتحدثون الى «المآسي التي شهدها الشرق الاوسط في الأشهر الماضية، لا سيما ما تعرّضت له الأقليات من قتل وتهجير. وشدّدوا على أهمية دعم المسيحيّين في المنطقة، معتبرين أنّ ما قام به تنظيم داعش في سورية والعراق أمر محزن ويجب التصدي له ولا يجوز أن يبقى الوضع على ما هو عليه، مستغربين سكوت المجتمع الدولي إزاء ما يحصل، وطالبوا بتدخل عسكري لضرب هذه المنظمات الإرهابية والوحشية التي يتصرف بها تنظيم داعش»، داعين المجتمع الدولي إلى «التحرك سريعاً قبل فوات الأوان وتفاقم الوضع».
وشدّد الجميع على ضرورة «عودة المهجرين إلى ديارهم والحفاظ على حياتهم وكرامتهم، لافتين إلى أنّ المسيحيين يتعرّضون للخطر في الشرق الاوسط فيما المجتمع الدولي لا يتحرك، مشيرين إلى أنّ لغة الحرب والحقد غلبت على لغة التسامح التي هي لغة المسيحيين».
مذكرة من الجاليات المسيحية
وتقدم أبناء الجاليات المسيحية في الولايات الأميركية بمذكرة الى أعضاء الكونغرس تحضّهم على وضع قانون للتحرك السريع لمواجهة المنظمات الإرهابية والوقوف مع الأقليات المسيحية التي هي همزة وصل بين الشرق والغرب، وأكدوا على تخصيص جزء من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الاميركية الى الدول العربية لهذه الاقليات المسيحية.
وشددت الجاليات في المذكرة على ضرورة عودة الذين هجروا من أرضهم بالقوة والعنف إلى ديارهم بكرامة وممارسة شعائرهم الدينية وبناء أماكن العبادة التي هدمت من قبل التنظيمات الإرهابية.
المعلوف
وأكد ممثل جعجع في المؤتمر النائب جوزف المعلوف «ان المسيحيّين ليسوا أقليات على صعيد الشرق، بل هم شركاء أساسيون عبر التاريخ في بناء هذه المنطقة وفي النهضة العربية ككلّ وسنبقى شركاء في المستقبل»، مشدداً على «ضرورة حماية الاقليات الموجودة في المنطقة والتأكيد أن المسيحيين هم شركاء أساسيون في المستقبل».
رومانوس
ووصف عضو المؤسسة المارونية للانتشار فادي رومانوس المناقشات الجارية في المؤتمر وأهداف انعقاده بالجيدة جداً، متوقعاً ان تكون لمقرراته آذان صاغية لدى المسؤولين في الادارة الاميركية لوقف آلة الاجرام التي ترتكبها المنظمات الارهابية في حق المسيحيين في الشرق.
الأشقر
وأشار القيادي في التيار الوطني الحر وليد الاشقر الى «أنّ موضوع المؤتمر يعنينا كمسيحيين في لبنان في شكل خاص وفي الشرق في شكل عام»، وقال: «يجب عدم السكوت عما يحصل اليوم في المنطقة وعلينا إيصال رسالة قوية واضحة الى الإدارة الاميركية بوجوب عدم التغاضي عما يتعرّض له المسيحيون في هذه الأيام في بلدان الشرق من تهجير وقتل على يد التنظيمات الارهابية». وأضاف: «في الماضي، اعتبرت الادارة الاميركية أن تنظيم داعش هو ضدّ النظام السوري وعلى هذا الاساس ربما دعمتها في شكل غير مباشر، أما اليوم فنحن نطالب الادارة الاميركية بموقف واضح ضدّ هذه الهجمة البربرية التي يتعرّض لها ليس فقط المسيحيون بل أيضاً المسلمون المعتدلون، ويجب أن يكون هناك موقف دولي واضح داعم لحق هذه الشعوب في المنطقة لتبقى في أرضها».