مختصر مفيد



تعدّد الخطوط الاستراتيجية للإدارة الأميركية الواحدة، وتبديل واحدة بأخرى من إدارة إلى إدارة، لا يعنيان إمكانية القول إنّ هذه الاستراتيجية تخصّ هذه الإدارة، وتلك الاستراتيجية تخصّ غيرها، خصوصاً في الإجابة عن سؤال: كيف تتعاطى إدارات البيت الأبيض المتعاقبة مع الإرهاب المتناسل من الفكر الديني التكفيري.

تراوحت الاستراتيجيات مع الإدارة ذاتها، من استعمال هذا الإرهاب ضدّ عدو تراه واشنطن أشدّ خطراً على مصالحها، كحال الحرب مع السوفيات في أفغانستان والحرب على سورية. فيصير العنوان «لا بد من النوم مع الشيطان»، إلى استشعار خطر هذا الإرهاب ومواصلة الحاجة إلى استخدامه، فتنتقل إلى «الاحتواء المزدوج»، أي قتال ضد الإرهاب والقتال معه، وعند اليأس من جدوى الاستخدام وتزايد الضرر ومخاطر المواجهة مع الإرهاب، ترسم خطوطاً حمراء وتحصر تدخلها بما تسميه «ممنوع الاقتراب من غرفة النوم». وعندما تجد عناداً من حلفائها ضدّ استداراتها لبناء تحالفات فعّالة من خصوم الأمس، وتريد الحفاظ على حلفائها على رغم عنادهم، فلا تجبرهم على الاستجابة ولا تستعجل الاستدارة، خصوصاً إن كان الحلفاء الذين تريد الاحتفاظ بهم كمصدر قوة أو مال أو مصدر تأثير في اللعبة الداخلية كحال السعودية و«إسرائيل»، فتعتمد استراتيجية «دعهم يصدمون رؤوسهم بالجدار»، فتجاريهم بخياراتهم وهي تعلم لا جدواها غالباً حتى يكتشفون عقمها. وعندما تستغني عن خدمات بعض الحلفاء الصغار الذين استخدمتهم وصاروا عبئاً على مصالحها، تكبّر حجمهم قبل ذلك للمساومة على رؤوسهم مع مشاريع حلفائها الجدد، الذين كانوا خصوم الأمس وكان القتال ضدهم مهمة الحلفاء المنتهية صلاحية استخدامهم، فتلجأ إلى استراتيجية «تسمين العجول».

الرئيس الأميركي العازم على بناء حلف لمقاتلة «داعش» بعد زمن من ترك نمو الإرهاب كالفطر في سورية، أداة لقتال سنوات مضت ورهاناً على استنزاف الدولة السورية وخضوعها ينطلق في حلفه الجديد من حجارة حلفه القديم، والشريك الرئيس السعودية، وهنا يصبح التطبيق للمرة الأولى ربما، لخليط الاستراتيجيات الخمس معاً، فنوم مع شيطان «داعش» في القتال ضدّ سورية، أو شيطان «النصرة» إذا حسم الخيار نهائياً ضدّ «داعش»، أو شيطان إرهاب ثالث، ولا مشكلة بقتال إرهاب والقتال مع أو بوساطة إرهاب، فالاحتواء المزدوج نظرية جاهزة، إرهاب خبيث في العراق وإرهاب حميد في سورية، و يرسم خطوطه الحمراء بغرف النوم، استنزاف المقاومة في لبنان وصولاً إلى منع انهيار الوضع فهنا غرفة نوم. والتمدّد في العراق ما عدا بغداد وأربيل فهنا غرف نوم. والتوسّع نحو المدى الخليجي وصولاً إلى غرفة النوم الممنوعة في مكة والمدينة والرياض وجدة. أما مع السعودية فتجربة المجرّب بالرهان على الجمع بين القتال مع «داعش »وضدها حقداً وكيداً لسورية، وحفظاً لأمن «إسرائيل»، طالما السعودية ستموّل جموداً اقتصادياً قاتلاً في أميركا، وطالما ستستفيد أميركا إن نجحوا وإن فشلوا فهم وحدهم سيصدمون رؤوسهم بالجدار، ويتقبلون الاستدارة عندئذٍ بلا عناد نحو التحالفات الجديدة التي يصير أوانها، طالما الحوار تحت الطاولة وفوقها مع إيران يحرز التقدّم. أمّا «داعش» والمعارضات السورية كلّها ففي هذه الحالة ليست إلّا العجول التي سُمّنت للمفاوضة على جلدها ولحمها وشحمها وفروة رأسها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى