مفتاح كاترين..ويد بوتين!
نظام مارديني
في لحظة المخاض التي تمرّ بها الأحداث المتعلقة بالأزمة السورية، وظهور آراء ومواقف لبعض السوريين والعراقيين وصلت حد الخيانة للأسف بتأييدها العدوان على الدولتين السورية والعراقية، وكأن الأمر مجرد مباراة لكرة القدم وليست مأساة شعب ودماء أبرياء ومصير أمة ستضيع.. في لحظة المخاض هذه نجد القوى الغربية تفكر بطريقة مختلفة تماماً لا مجال فيها لمشاعر الإنسانية والأخلاق. ولذلك يجب تحليل ظاهرة العدوان الحالي على كل من سورية والعراق من أجل مدّ النفود الجيوسياسي من وجهة نظر الحرب التقليدية بين القوى البحرية، المتمثلة في أميركا والناتو من جهة، وكيفية مواجهة هذا العدوان من القوى القارية الصاعدة، المتمثلة في روسيا الاتحادية والصين، من جهة ثانية.. وهذه ليست ظاهرة جديدة، إنها استمرار للصراع القديم الجيوسياسي والجيوستراتجي.. حيث مثلت التسعينيات فترة الهزيمة الكبرى للقوى القارية المتمثلة حينذاك بالاتحاد السوفياتي.. ميخائيل غورباتشوف رفض الاستمرار في الصراع.. كان ذلك بمثابة خيانة وهزيمة أمام العالم الأحادي القطب. ولكن مع فلاديمير بوتين، في بداية القرن الحادي والعشرين، ثمة إعادة تفعيل الهوية الجيوسياسية لروسيا كقوة قارية..
أدرك بوتين منذ بداية العدوان على المنطقة أن ما يحصل هو شبيه بما حصل بالسابق في بلاده، وفهم أن العالم الغربي، الذي أيّد الانفصاليين الشيشان والإرهابيين المتأسلمين في السابق ضد الجيش الروسي.. هم أنفسهم مع ما يقع اليوم بسورية والعراق من هجمات إرهابية من قبل متأسلمين من «جبهة النصرة» و«داعش». وكان من الضروري وفق ما تمليه المصالح الروسية ألا تبقى موسكو في منأى وتقبل بالتدخل الأميركي والأوروبي وتخون بالتالي قيمها ومصالحها وحلفاءها، وبخاصة الرئيس السوري بشار الأسد، وإلا كانت ستكون صدمة كبيرة للهوية السياسية الروسية لو نأى بوتين بنفسه بما يمثل، وهو لذلك مشى على خطى كاترين الثانية التي كانت تقول بأن «دمشق تمسك مفتاح البيت الروسي»، ويعلم بوتين جيداً أن «دمشق هي مفتاح عصر جديد».. ما يعني إذا سقطت سورية، ستكون روسيا مهدّدة بوحدة ترابها. فالأحداث التي تشهدها سورية حالياً، كما العراق، ليست متصلة بحال من الأحوال، بدمقرطة المجتمع ولا بالعمل من أجل حرية السوريين.. ما يجري هو محاولة من قبل الغرب وجمهرة الوهابية الخليجية الكواسر لفرض نظام عالمي جديد تابع للولايات المتحدة مقابل عالم متعدّد الأقطاب، فيه روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل كما فيه أميركا وأوروبا. مهمة هذا العالم تحقيق المزيد من المشاركة في إدارة الشؤون الدولية التي استبعدت عنها منذ عقود من الزمن.
المراقب المتابع يعلم أنه في زمن الاتحاد السوفياتي كانت مظلة موسكو فوق سورية تحمي المصالح السوفياتية والتوازنات الأوسطية.. ولكن سقوط الاتحاد السوفياتي استتبع اعتماد الرئيس الراحل حافظ الأسد سياسة وقائية ارتكزت على الاستقلالية السورية وعلى الأخذ بالاعتبار المتغيرات الدولية وعلى إرساء علاقة استراتيجية بإيران والمقاومة اللبنانية بشقيها الوطني والإسلامي.. هذه المقاومة هي التي أفشلت السياسة الأميركية الأحادية في صياغة مشروعها في إقامة شرق أوسط كبير خلال عدوان تموز، ما شكل انتصاراً لمحور الممانعة القائم من ثلاثية سورية وإيران والمقاومة، وهذا المحور تقاطعت قيمه ومصالحه مع قوى دولية كبرى كروسيا والصين.
النظام الدولي الجديد المتوازن يتحقق يوماً بعد يوم.. أوباما لا شيء.. أما بوتين، فهو كل شيء!