هبة الياسين… وردة سورية مرشّحة لجائزة السلام العالمية للأطفال
لورا محمود
أبكت الحرب عيونهم التي لم تعد تعرف الحلم، بل أصبحت الكوابيس جلّ ما يرونه في مناماتهم وصحواتهم. وانطفأ نور البراءة الطالع من وجوههم. ففي عمر مبكر خبروا الوجع وطعم الألم، وسرقت الحرب ضحكاتهم ومستقبلهم. ولكن، على رغم الآثار السلبية التي لحقت بأبناء المجتمع السوري، إلا أن الأطفال يبقون الضحية الأكثر تأثّراً. فما يشهدوه ويشاهدوه من دمار وقتل وإرهاب، سيترك آثاراً ومشكلات نفسية وصحّية على جيل المستقبل الذي يعوَّل عليه لبناء سورية الجديدة.
لكن، مع وجود أيادي ترعى هؤلاء الأطفال وتهتم بهم، يبقى الأمل قريباً ولو رأيناه بعيداً. فالمركز السوري لحقوق الطفل أعاد البسمة إلى كثيرين من الأطفال، وعاد ليرسم فرحاً يمحو سواد الليل المزدحم بأصوات المدافع والرصاص. وهذا الفرح تُرجم عبر مجموعة من البرامج والمبادرات لعلّ أهمها حملة ترشيح الطفلة هبة الياسين لجائزة السلام العالمية للطفل، ليكون للطفل السوري صوت حقيقي يصل إلى العالم.
لذا، نظّم المركز مؤتمراً صحافياً خاصاً بترشيح الطفلة هبة الياسين لجائزة السلام العالمية للأطفال. وقد تحدّثت المديرة السابقة للمركز السوري لحقوق الطفل نسرين حسن عن كيفية اختيار هبة من بين 300 طفل سوريّ من المحافظات السورية كلّها.
وقالت: «منذ حوالى ستة أشهر، أرسلنا استمارة الترشيح التي احتوت مجموعة من الشروط التي لا بدّ من توفّرها في المرشحة. منها ماذا تملك هبة من ملكات لتكون صوت الطفل السوري؟ وماذا قدّمت من نشاطات لخدمة قضايا الطفل؟ وأيضاً أن يكون هناك دعم شعبيّ من بلدها ومن سفارات بلدها المنتشرة حول العالم. وقد استوفت هبة هذه الشروط وكانت واحدة من المرشّحين لنيل الجائزة، حيث سيكون هناك طفل مرشّح من كلّ دول العالم، واليوم، الثاني عشر من تشرين الثاني الجاري، ستصدر النتائج النهائية.
ونحن في المركز نعتبر أنه لمجرد وصول هبة إلى حفل ختام جائزة السلام العالمية، فهو إنجاز لسورية ولأطفال سورية. هي المرة الأولى التي تكون فيه طفلة سورية مرشحة إلى مثل هذه الجائزة وتتحدّث عن أوضاع أطفال سورية في الحرب، وتقول إننا موجودون ولنا صوت، وعلى العالم كلّه أن يسمعنا».
وشرحت حسن كيفية التصويت لهبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في سورية أو خارجها. ونوّهت حسن بالدور الكبير لأهل الطفلة هبة حيث كانوا الداعمين الأهم لها على مدى سنتين.
وردّاً على سؤال عن دور الجهات الحكومية ووزارة التربية في دعم المركز والحملات التي يقوم بها، قالت حسن لـ«البناء»: في وزارة التربية يحاولون بذل الكثير من الجهد لردم الفجوة التي حصلت في قطاع التعليم نتيجة الحرب. وهي فجوة كبيرة سواء على مستوى البنية التحتية أو على مستوى نوعية المناهج القادرة على مواجهة الإرهاب. نحن اليوم بحاجة إلى مناهج تحمي أطفالنا من الفكر الإرهابي.
وعبّرت حسن عن عتبها كمؤسسة أهلية على وزارة التربية لأنها لا تملك المرونة الكافية للتعاون مع المؤسسات المدنية والأهلية.
وقالت حسن: نحن في المركز لا نفرّق بين أطفالنا أبداً. بل نعمل على استعراض اختلافنا كظاهرة صحّية. ونرى أن التعليم جانب مدنيّ لا يجوز إدخال الدين فيه. فعندما نكون دولة علمانية، يجب أن نفصل بين الجانبين الديني والمدني، لنرتقي بوطن يحضن الجميع بعيداً عن الفكر الطائفي. فلِمَ لا نُدخل مادة الأخلاق مثلاً أو مادة التربية الإنسانية كبديل لمادة الديانة؟ وهذا أمر مهمّ ويحتاج إلى إرادة حقيقية للتغيير.
وأضافت حسن: اليوم، الهاجس الرئيس لنا كمركز سوري لحقوق الطفل أن نعمل مع المؤسسات العاملة مع الطفل لنصل إلى رؤية مشتركة. وفي السنة المقبلة، أي في 2017، سيكون تركيزنا الأساسي على العمل مع هذه المؤسسات داخل سورية.
أما عن مؤسسة «جناح أزرق»، فقد وضّحت حسن أن هذه المؤسسة كانت عبارة عن حملة تابعة للمركز السوري لحقوق الطفل، وأصبحت اليوم مؤسسة مدنية مرخصة قانونياً من وزارة الشؤون الاجتماعية ومتخصّصة في حماية الأطفال السوريين.
بدورها، قالت بتول محمد مديرة مشروع التعليم في المركز السوري لحقوق الطفل، إن المركز بدأ نشاطه عام 2013، وقالت: كان لدينا عدد من البرامج مثل برنامج «سكر» للتربية الإنسانية، وهو برنامج تربوي ودعم نفسي واجتماعي يقوم عليه اختصاصيون في المجال التربوي. وقد طُبّق البرنامج على أكثر من 800 طفل بحسب الشرائح العمرية. فنحن لدينا دليل «سكر»، وهو دليل مكتوب يستهدف الأطفال من عمر 6 إلى 8 سنوات ومن عمر 9 إلى 11 سنة، ولدينا دليل «سكر» لليافعين ونعمل حالياً على هذا البرنامج كفكرة مطوّرة لدليل «سكر» للأطفال الصغار، والأطفال من الفئة المتوسطة، إضافة إلى مشروع «علم» الذي يتوجّه إلى الأطفال الذين لديهم صعوبات في التعلّم، وإلى المتسرّبين من الدراسة نتيجة النزوح المتكرّر، وهو موزّع على فئات عمرية مختلفة حتّى عمر 18 سنة. وطبعا هناك اختصاصيون مؤهلون للتعامل مع الأطفال.
وإضافة إلى هذين المشروعين، لدينا حملات مناصرة تتعلق بالتعليم. فغالبية الأطفال الوافدين لديهم مشاكل في التعليم. لذا أصبح هذا الموضوع هو الأساس في عملنا. فإذا أردنا اليوم إعادة بناء سورية وفق أسس حقيقية، يجب على أطفالنا أن يتعلّموا.
وبمقولة لكلّ الأطفال أحلام وعلينا أن نحمي هذه الأحلام مهما كانت الظروف، بدأت الطفلة هبة الياسين كلمتها في المؤتمر الصحافي، حيث تحدّثت عن التعليم الذي يعدّ حقاً من حقوق الأطفال، وهو الأساس لبناء شخصيتهم وثقافتهم، وهو الطريق الأساسي نحو السلام في سورية وفي كل العالم. فلدى الأطفال خبرات وطاقات ولديهم قوّة داخلية تساعدهم في مواجهة الصعوبات.
وعن الرسالة التي تريد أن توجّهها إلى أطفال سورية والعالم قالت هبة لـ«البناء»: إن رسالتي إلى كلّ الأطفال بألا نفقد الأمل، وأن نتابع المسيرة نحو مستقبلنا، وندافع عن حقوقنا في مواجهة كلّ المخاطر. فالحرب ليست النهاية. وأضافت: إنني من خلال تواجدي مع الأطفال في كل النشاطات التي قام بها المركز أصبح لدي هدف أن أوصل معاناة كلّ طفل موجود معي.
ورأت هبة أنّ سورية مهما حصل فيها من حرب، ستظلّ بلد الأمان والسلام والمحبّة، وسوف نتضامن لنعيد السلام.
أما فرح غصن، إحدى الطفلات المشاركات في ورشة «الإعلامي الصغير» لليافعين، التي نظمها المركز السوري لحقوق الطفل في الصيف بالتعاون مع فريق «شباب الملتي ميديا السوري» في نادي النشاطات التابع للمركز في جرمانا، فتحدّثت عن مشاركتها في هذه الورشة التي تعلمت منها التصوير وكيفية الوقوف أمام الكاميرا، وكيف انعكس هذا على ثقتها بنفسها. وقالت إنها ما زالت تذهب أيام الجمعة والسبت لتشارك في الفعاليات التي يقيمها المركز.
يشار إلى أن المركز السوري لحقوق الطفل أُسّس في الأول من نيسان 2014 ليكون مظلّة وطنية لحماية حقوق الأطفال السوريين. ويحرص المركز على أن يكون إحدى الجهات الأهلية التي تقدّم الجهود النوعية النابعة من احتياجات المجتمع السوري، وكرّس السنة الثالثة من عمره لمسألة التعليم. فهو يعمل على الحدّ من مشكلة التسرّب الدراسي، خصوصاً عند الذكور الذين انخرطوا في سوق العمل بسبب الضائقة الاقتصادية. وقد نجح المركز في معالجة حالات تسرّب كثيرة. ويعدّ برنامج «سكّر» للتربية الإنسانيّة، أوّل برنامج سوريّ، من نوعه، يعمل على إعادة بناء القيم الإنسانيّة التي تضرّرت بفعل الحرب عند الأطفال، وتعزيز الهويّة السوريّة الجامعة. وقد استطاع البرنامج الوصول إلى عائلات متضرّرة، وبيئات تعدّ حاضنة للتطرّف.
ولا بدّ من الذِكر أنّ هبة طفلة سورية من قرية كفرنبل في ريف محافظة إدلب، نزحت من قريتها بسبب الحرب عدّة مرات. حيث تنقلت بين مناطق عدّة في دمشق وريفها. وحطّ بها الرحال أخيراً في مدينة جرمانا. هذا النزوح المتكرّر أدّى إلى حرمان هبة من المدرسة لسنة كاملة. وعاودت هبة الالتحاق بالمدرسة وكانت شجاعة فتجاوزت كلّ صعوبات الاندماج في البيئة الجديدة، وتابعت دراستها متحدّية ظروف الحرب والنزوح.
التحقت هبة بأحد النوادي التابعة للمركز السوري لحقوق الطفل في مدينة جرمانا، وأبدت تميّزاً واضحاً وقوة إرادة وشخصية قيادية. فكانت واحدة من الأطفال الذين أسسوا جوقة «سكر»، ووقفت هبة على خشبة مسرح الحمراء في دمشق عام 2014 لتدافع عن حقوق الأطفال وعن السلام واللاعنف.
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان عام 2015، وقفت هبة لتناظر وزيرة الشؤون الاجتماعية حاملةً معها أحلام عسشرة آلاف طفل سوري شاركوا في حملة لمناصرة حقّ الأطفال السوريين في الحماية والتعليم.