خالد شمّوط… والبحث عن اللون في أدب العرب!
د. محمود شريح
خالد جميل شمّوط في كتابه «المبحث الجديد اللون في الرواية العربية: دراسة تحليلية»، يضيء على خارطة القصّ العربي ويرسم صورة زاهية لمسرى الرواية العربية ممثلة في 94 عملاً لـ47 كاتباً و47 كاتبة من تسع عشرة دولة عربية وعلى فترة تمتدّ قرناً من الزمن تقريباً، فأقدم رواية تعود إلى عام 1920 «الوارث» لخليل بيدس من فلسطين، فيما أحدث رواية في مبحثه هذا هي من عام 2013 «ابن الشمس» لرانيا مأمون من السودان. فواضح إذن الجهد المبذول في إخراج هذه الدراسة إلى النور.
كلّ هذه التساؤلات كان لا بدّ من الإجابة عليها وهي موضوع هذا الكتاب. فالكتاب يحلّل استخدام الألوان من 94 رواية عربية تغطّي 19 بلداً عربياً الدول الثلاث غير الممثلة هي الصومال وجيبوتي وجزر القمر . والهدف من هذه الدراسة الإجابة على الأسئلة التالية: كيف يستخدم الكتّاب العرب اللون في أعمالهم الأدبية وبالأخص الأعمال الروائية؟ كما تهدف هذه الدراسة إلى التوصل إلى ما إذا كان هنالك اختلافات باستخدام الألوان في الروايات العربية على صعيد العالم العربي: دولاً ومناطق وجنساً مؤنث ومذكر . فالدراسة تحلل الألوان المستخدمة لكلّ بلد وجنس الكاتب كما تحلّل كيفية استخدام هذه الألوان في النصّ والشخصيات. وهل تُستخدم بعض الألوان بطريقة غريبة أو لتعبّر عن موصوف بطريقة غريبة كأن توصَف الشمس على انها خضراء ؟ كما تركّز الدراسة على الصفة والموصوف حيث تقارن بين الدول والكتّاب من ناحية وصفهم للأشياء وبأيّ لون؟ وإن كان هنالك تطابق بين الدول أو المناطق العربية في هذا الوصف؟ أم أن للبيئة المحلية تأثير فتخلق اختلافات بين كتّاب بلد وآخر؟
وهذا الكتاب ليس كأيّ كتاب عن الألوان والأدب من نواح عدّة. إذ إنه يتناول موضوع الألوان في الأدب العربي من ناحية علمية بحتة مبنية على التحليل الإحصائي والعددي إضافة إلى التحليلات اللغوية. وإن كان هنالك الكثير من الأعمال النقدية التي تناولت اللون في الشعر والقرآن، إلا أنها تناولت الموضوع من ناحية رمزية الألوان أو من ناحية لغوية بحتة تناقش كيفية استخدام اللون لوصف شيء ما. وفي الغالب، فقد كان تركيز هذه الأعمال على قصيدة أو بضع قصائد لشاعر أو بضعة شعراء وهي ليست على مستوى العالم العربي. فالمكتبات العربية تفتقر أولاً إلى بحث يُركّز على الأعمال الروائية، ويكون شاملاً لكل العالم العربي ثانياً ويحلل اللون من مختلف النواحي عدداً، ولغة وجغرافية ثالثاً. فالغرض من هذا الكتاب معالجة هذه الأمور الثلاثة من خلال 94 عملاً روائياً ومن 19 بلداً عربياً.
ترتيب الكتاب هو كالآتي: يركّز الفصل الثاني «ماذا كُتب عن اللون؟» على أهمية اللون في الأدب العربي قديماً وحديثاً حيث يعطي أمثلة عن استخدام اللون في الشعر من الشعر الجاهلي وحتى المعاصر كما يبيّن استخدام اللون في القرآن أيضاً. ويتطرّق هذا الفصل إلى دراسة برلين وكاي الشهيرة والتي تتكلم عن تطور الألوان في اللغات بما فيها العربية.
ويلي بعد ذلك الفصل الثالث «خطّة الدراسة والتحدّيات» شارحاً كيفية اختيار روايات البحت هذا وما تم تجنبه من الأعمال الأدبية والأسباب لهذا، مختتماً بشرح ما تم استبعاده من الألوان والأسباب لذلك. يُعطي الفصل الرابع «نبذة إحصائية عن الروايات وبياناتها» نبذة عن الأعمال الروائية التي تضمّنها البحث إضافة إلى إحصائيات عن الروايات والتي ستلعب دوراً مهماً في تحليلات باقي الكتاب.
أما الفصل الخامس «تحليلات العدد»، فيتناول تحليل الألوان في الروايات من الناحية الرقمية والعددية فيتناولها أولاً من ناحية كثافة استخدام الألوان نسبة الألوان لكلّ 1000 كلمة مقارناً بين الكاتبات والكتّاب وبين الدول المختلفة والمناطق الجغرافية إضافة إلى التسلسل الزمني. ثانياً، يتناول هذا الفصل تواتر ذِكر الألوان في الروايات أين موقعها من الرواية لنرى إن كان هنالك نمط معين لذِكر الألوان على مدى الروايات. وثالثاً، يتطرّق هذا الفصل إلى تحليل عدد الألوان المختلفة المستخدمة في الروايات مقارناً بين الكاتبات والكتّاب وبين الدول المختلفة والمناطق الجغرافية إضافة إلى التسلسل الزمني.
وأخيراً، يتناول الفصل السادس «تحليلات لغوية» الألوان من الناحية اللغوية متطرّقاً أولاً إلى الألوان الغريبة المستخدمة في الروايات أو استخدام الألوان العادية بطريقة غريبة لوصف الأشياء بغير طبيعتها. ثم يحلل هذا الفصل أكثر الأسماء التي توصَف بطريقة غريبة. كما يتطرّق هذا الفصل إلى طريقة وصف الشخصيات في الروايات وصف الجسم أو حتى الملبس مقارناً بين الكاتبات والكتّاب وبين الدول المختلفة. وأخيراً يتناول الفصل تحليل استخدام اللون لكلمات ومعانٍ لأهم الأسماء الموصوفة وموقعها في نصّ الرواية.
للّون مكانة مميزة في اللغة العربية إذا ما قورنت باللغات الأخرى ويعود ذلك إلى ثراء اللغة العربية بالشعر والقصائد والتي تعود إلى ما يقارب ألفَي سنة. والشعر هو الوصل بين الطبيعة والإنسان العربي إذ من خلاله توصَف السماء وكثبان الرمال والإبل والغزلان وغيرها من الحيوان والطبيعة والإنسان. وبما أن العربي كان ذوّاقاً للشعر فقد نُظمت الآلاف من القصائد التي احتوت بين أبياتها على عدد من الألوان. فيقول الدكتور عاهد الماضي: «ولما كان الأدباء قد عرضوا لهذه المخلوقات في شعرهم، فعنوا بوصف الطبيعة المحيطة بهم، وتغنّوا بكل جميل حولهم، ووصفوا مجالسهم، مرابع لهوهم وطربهم، ورحلاتهم وطرائدهم، وما شهدوا في حلهم وترحالهم من مظاهر الطبيعة وظواهرها وما كان يروعهم من مشاهد الحرب».
وممّا لا شك فيه، أنه من الصعب وصف المخلوقات والطبيعة من حولهم من دون استخدام الألوان في ذلك. فاللون كان عاملاً مهماً في حياة العرب العملية كما كان في أدبهم وتراثهم. وفي هذا الفصل سنُعطي بعض الأمثلة عمّا ورد من الألوان في الأدب العربي قديماً وحديثاً. وبما أن هذه الأمثلة ليست موضوع كتابنا، فإنها مقتضبة كما أن الفصل لا يوفّر شرحاً أو تحليلاً لها. إنما الهدف من هذا الفصل إبراز أهمية اللون في الشعر العربي والقرآن والأدب. مع تحليلات عددية وإحصائية وتحليلات لغوية، إضافة إلى مصادر وفهارس للأشكال والجداول.
كاتب وباحث