مخاطر في طريق الانتصار
رامز مصطفى
منذ السادس والعشرين من آب الماضي، يكون قد قطع اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، الذي دعت إليه القيادة المصرية، أكثر من نصف المدة الزمنية، والتي تحدّدت بمدة الشهر. ومع انقضاء هذه المدة حتى الآن لم تدع مصر الطرفين الفلسطيني و»الإسرائيلي»، من أجل استكمال المفاوضات الغير مباشرة للاتفاق على العناوين التي قيل إنّ الطرفين قد توصلا إليها، وبالتالي الاتفاق على آليات تنفيذ ما اتفق عليه.
ولكن في المتابعة لا شيء يؤكد أنّ العدو الصهيوني غير مكترث لما تمّ الاتفاق عليه برعاية مصرية، بل إنّ قياداته السياسية والعسكرية والأمنية يتصرفون على نحو أنهم من انتصر، وفرض على الجانب الفلسطيني شروطه ومطالبه، «طبعاً العدو الصهيوني يكذب، بهدف تخفيف حدة الاحتقان التي تتعرّى جبهته الداخلية بسبب إخفاق حكومة نتنياهو في تحقيق أين من أهداف الحرب على غزة». وهو أي «الإسرائيلي» يوظف حلفاءه الدوليين والإقليميين من أجل الذهاب بعيداً في اتجاه تشكيل ما يشبه اللوبي للضغط في استمرار الحصار ولو بطرق ملتوية، وتحت ذريعة تلبية المتطلبات الأمنية «الإسرائيلية». وبالتالي توظيف مسألة إعادة إعمار غزة في ابتزاز الفصائل الفلسطينية في موضوع سلاح المقاومة. في وقت يسعى فيه نتنياهو من أجل ترميم ائتلافه الحكومي، والتخفيف من حدة الخلافات الدائرة بين الأطياف والمكونات السياسية في الكيان الصهيوني والحكومة، تحت مسوغ أنّ تهديد قطاع غزة لا يزال قائماً.
وفي المقلب الآخر، أي على الجانب الفلسطيني هناك الكثير من المخاطر التي تقف عقبة أمام الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني ومقاومته، في الصمود والتصدي البطوليّين في مواجهة العدوان الصهيوني على مدار واحد وخمسين يوماً. ما يستدعي التنبّه إلى ما يواجه أهلنا في قطاع غزة من تحديات تمثل في حال عدم القيام بما هو متوجب على القوى الفلسطينية مخاطر جدية، قد تطيح بكلّ ما راكمه شعبنا من منجزات، بفضل تضحياته، على طريق خلاصه من الاحتلال وحصاره الظالم. ومن هذه المخاطر المطلوب التنبّه لها والعمل المسؤول من أجل تجاوزها.
وقف الاتهامات المتبادلة بين حماس وفتح
فصل جديد من فصول التراشق والاتهام المتبادل فتحت أبوابه على مصراعيه بين حماس وفتح. ما أن توقف إطلاق النار حتى عادت حروب تبصم المشهد الفلسطيني من جديد، وحتى قبل أن يُثبت الشعب الفلسطيني انتصاره في رفع الحصار، وفتح المعابر، والبدء في بناء المطار، وتشييد الميناء، والتخلص من المنطقة العازلة في غلاف غزة ليعود المزارعون الفلسطينيون إلى أرضهم، وينعم الصيادون الفلسطينيون بحرية الصيد في عمق 12 ميلا. والاطمئنان إلى أنّ القطاع والضفة وحدة موحدة من خلال الممرّ الآمن للفلسطينيين في كلا الاتجاهين، وفي ظلّ حكومة وحدة. حرب السجالات التي ترتفع وتيرتها، إذا ما استمرّت من شأنها أن تطيح بكلّ شيء. وما لم يتمكن العدو الصهيوني أن يحققه في الميدان، سيمنحه إياه الانقسام المتجدّد. عندها سيبدأ الشرخ يجد طريقه إلى داخل الوحدة الصلبة ما بين المقاومة وبيئتها الشعبية. التي بقيت حتى الآن صامدة في وجه المحاولات «الإسرائيلية» المتكرّرة منذ العام 2008 2009 والعام 2012.
المؤسف في الأمر أنّ الاتهام والسجال هذه المرة يأخذ شكل التخوين والعمالة والارتهان والكذب… الخ. ما يوحي أنّ هناك تبرئة للعدو الصهيوني على عدوانه الهمجي على قطاع غزة، حيث يُفهم من هذه التصريحات في أكثر من مكان، أنّ ثالوث العدوان الصهيوني «نتنياهو ويعالون وغانتس»، هم في موقع ردّ الفعل لا الفعل، بمعنى الدفاع عن النفس. وكأنّ قطاع غزة بأهله وفصائله هو المعتدي. والمؤسف أنه وعلى الرغم من تغليف الكثير من هذه التصريحات وربطها باعتبارات المصلحة الوطنية، والتشديد في الحرص على العمل الوطني، والتمسك بالمصالحة. ولكن ذلك لا يلغي أنّ هناك ما يتعلق بالسلطة، وتقاسمها. وحتى لا نكرّر ما ورد في التصريحات من هنا أو هناك، وتحديداً ما أدلى به رئيس السلطة الفلسطينية وهي من العيار الثقيل. كمن يبدو يصبّ الزيت على النار. ندعو كلا الطرفين إلى تقديم المصلحة الوطنية على ما دونها. وبالتالي التوقف عن هذا التراشق لا في وسائل الإعلام، أو في الاجتماعات التي تأكد أنّ لا قدسية لها، على خلفية تسريبه من محاضر الاجتماعات المشتركة في الدوحة برعاية أميرها. ولم يعد من جوهر «المجالس في الأمانات» إلاّ الكلمات الفارغة من كل قيم ومثل. الأمر الذي لم تنفه كل من قيادات حماس والسلطة، بل أكدت صحة هذه المحاضر.
المهم الآن وفي اللحظة السياسية الراهنة، أن يتمّ ترتيب اللقاء بين حماس وفتح، وليس ثنائياً، بل وبحضور الإطار القيادي الموقت لحلّ كلّ ما جاء من اتهامات من قبل حماس وفتح. وتشكيل لجنة خماسية من حركة فتح للقاء قيادة حماس أيضاً من شأنه أن يخفف حالة الاحتقان التي بدأت في تداعياتها تتسلل إلى الوسط الشعبي الفلسطيني، وتحديداً في قطاع غزة والضفة الغربية. وإن استمرار هذا السجال سيوفر مادة دسمة تقدم للكيان الصهيوني وقياداته، لكي ينفذ مرة جديدة موظفاً هذه الانقسام في فرض وقائعه على الأرض، وخصوصاً في قطاع غزة والتنصل من كلّ التزاماته. وهذا ما أكد عليه مؤخراً نبيل عمرو في مقالته بعنوان «المفاوضات من عبد السلام… إلى عزام»، حيث كتب «وبعد أكثر من عقدين من الزمن… وبعد أكثر من مائة ألف ساعة حوار ومفاوضات مع الإسرائيليين، برعاية أكثر من طرف عربي ودولي، وصلنا إلى ما نحن فيه الآن»، أي لا شيء بعد عقدين من الزمن. وبدوره أحمد قريع وفي مقالة له يُقرّ أنّ أوسلو كان مضيعة للوقت، فكتب «المخطط الإسرائيلي الذي ما زال، ولم يتغيّر هو فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا هو المخطط الإسرائيلي، وهذه هي الاستراتيجية الإسرائيلية، فصل غزة وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالمستوطنات أو الطرق الالتفافية». وإن من خارج النص، كان ملفتاً أن يتزامن هذان المقالان في هذا التوقيت. مما يطرح سؤالاً: هل المقصود أنّ الوفد الفلسطيني الموحد إلى القاهرة بأن عليه ألاّ يتعب نفسه، لأنه لن يحصل على شيء من الإسرائيليين؟ بحكم التجربة المريرة .
إعادة إعمار قطاع غزة
إنّ المهمة الملحة والمستعجلة، هي عملية بدء إعادة إعمار قطاع غزة، حيث المنازل والمساجد والمدارس والمرافق والأبراج المدمّرة تفوق التصور، أكثر من عشرة آلاف مجموع ما دمّرته آلة العدوان الصهيوني. مضافاً إليها ما هو مدمّر أصلاً في عدوانيْ العام 2008 2009، والعام 2012، ولم يُعد إعمارها بسبب السياسة العدوانية التي تتبعها حكومة الكيان الصهيوني. وتمثل عملية إعادة الإعمار هذه، التحدي الحقيقي أمام الفصائل والسلطة الفلسطينية. بل عليها ستترتب أشياء كثيرة، بسبب أنّ المتحكم في هذه العملية الدول المانحة من أوروبية وخليجية، وتقف الإدارة الأميركية في مقدمة هؤلاء من موقع القائد والمايسترو إذا جاز التعبير. وعلينا ألاّ يغيب عن بالنا أنّ موضوع رواتب الموظفين في غزة، وعلى الرغم من تكفّل قطر بدفعها، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية ومن خلفها «الإسرائيلي» قد أجهضا الأمر. وهي… أيّ الرواتب من نقاط السجال والتراشق المتجدّد بقوة بين حماس وفتح. ولا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ موعد انطلاق مؤتمر «المانحين» لإعادة «اعمار غزة» في الثاني عشر من تشرين المقبل في القاهرة، سيضع قطار إعادة البناء لما دمّره العدو الصهيوني على سكة الانطلاق. والتجارب تدلّ إلى ذلك منذ العام 2008 2009 والعام 2012. والخطير في الأمر أنّ موضوع إعادة الإعمار سيكون موضع ابتزاز من قبل الدول المانحة، وتحديداً الإدارة الأميركية التي ستحاول فرض معادلة المقايضة، بمعنى إعادة البناء مقابل السلاح، أو وضعه تحت الرقابة الدولية الشديدة. وهذا ما تسعى إليه «إسرائيل». ومع بدء ظهور العديد من الدراسات حول الأضرار وتكلفة عودة الحياة بشكل طبيعي إلى غزة، التي تعمل عليها المؤسّسات المختصة. والتي تراوحت بين 3 و 7 مليار دولار. بالإضافة إلى ما تحدثت عنه الأمم المتحدة حول المدة الزمنية التي تحتاجها غزة لعودة الحياة إلى طبيعتها، تراوحت بين 15 و 18 سنة وهي مدة مبالغ فيها، ولكنها تكشف حقيقة النوايا المبيّتة لشعبنا في القطاع. والأخطر هو المستجدّ الدولي والإقليمي المتمثل في الخطر الداهم لما يُسمى «تنظيم داعش». الذي تعمل الإدارة الأميركية هذه الأيام على بلورة تحالف دولي ـ إقليمي، بهدف محاربة هذا التنظيم. مما يعني أنّ الأولويات قد تتبدّل على ضوء هذا الطارئ الداهم على المنطقة والعالم. بمعنى أنّ العالم اليوم منشغل في هذه القضية الخطيرة، وليس في مقدوره تحمّل نفقات الحرب على «داعش» من جهة، وتمويل إعادة إعمار غزة، والتي تحتاج إلى موازنة ضخمة. وعليه قد تدخل عملية إعادة البناء في سبات لا أفق له. وإذا ما أرادت بعض الدول المساهمة سيتمّ إخضاع الأمر لمعايير «أمريكية إسرائيلية»، في نهاية المطاف ستجهض مساعي هذه الدول في مدّ يد المساعدة.
من أجل ذلك بدأ الحديث لتسويق فكرة الحلول البديلة، في تأمين كرافانات، توضع في الأحياء والمخيمات التي تعرّضت للقصف الوحشي الصهيوني في الشجاعية وخزاعة والتفاح وغيرها، خصوصاً أنّ موسم الشتاء على الأبواب. وبالتأكيد سيخلق تأخير عملية إعادة بناء ما دمّره العدوان، جملة من الصعوبات والمشكلات التي يصعب معها ضبط الشارع الفلسطيني في غزة. الأمر الذي بدأ عدد من القيادات الفلسطينية التنبيه منه. وهذا من جملة الراهنات التي تعمل عليها «إسرائيل».
الهجرة خارج قطاع غزة
إنّ انسداد الأفق الحياتية والاقتصادية، الناجمة عن استمرار تضييق الحصار على غزة، أو تنظيمه بالوسائل المختلفة. وبالتالي التأخر في إعادة إعمار غزة، مضافاً لذلك تفاقم الخلافات الداخلية الفلسطينية، وتحديداً بين حماس وفتح. من شأنه أن يدفع الكثيرين من أبناء قطاع غزة، إلى التفكير الجدي بالهجرة وترك غزة، نحو المغتربات، وبشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة. وما أظهره استطلاع للرأي الذي أعده الدكتور نبيل كوكالي، وقام بنشره المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي. وحول سؤال المستطلعين: «لو كان باب الهجرة مفتوحاً أمامك، هل تفكر في مغادرة غزة إلى بلاد أخرى؟ الجواب: 25,0 في المئة نعم و 72,2 في المئة كلا و 2,8 في المئة لا يعرف. صحيح أنّ نسبة الرافضين كانت الأعلى، ولكن مع استمرار انسداد أفق الحياة وفرص العمل، وعدم إعادة الإعمار فإنّ نسبة الموافقين ستزداد على حساب نسبة الرافضين للهجرة. وهذا ما تمّ كشفه عن شبكات دولية منظمة تعمل على تهريب الشباب الفلسطيني من غزة نحو ايطاليا واليونان بهدف النيل من المجتمع الفلسطيني ودفعه إلى التصدّع. وفي الوقت الذي ننتظر فيه، ونتيجة التصدي البطولي للمقاومة، وتمكّنها من قصف المدن الفلسطينية المحتلة والمستوطنات في غلاف غزة، أن يدفع المستوطنين الصهاينة إلى الهجرة المعاكسة. وإذ نجد أنفسنا أمام خطر داهم وهو هجرة شبابنا الفلسطيني بحثاً عن مورد للرزق وفرص العمل، الغير متاحة في غزة، التي تضاعفت فيها نسبة البطالة نتيجة الحصار والعدوان.
إنّ هذه المخاطر تشكل في مجموعها تحديات مضافة إلى حجم التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية. مما يُحتم على قوى الشعب الفلسطيني العمل على مواجهتها والتصدي لها بمسؤولية وطنية، تبدأ من خلال رأب الصدع في الساحة الفلسطينية، حيث استولد من جديد سجال وتراشق إعلامي وسياسي من العيار الثقيل بين حماس وفتح. وحلّ هذا الموضوع يمثل شرطاً إلزامياً من أجل أن نصل جميعاً بالسفينة الفلسطينية إلى برّ الأمان، وتثبيت الانتصار الذي حققه شعبنا ومقاومته في قطاع غزة.